وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون عطف عظة على عظة ، والمعطوف عليها هي جمل الامتنان بنعم الله تعالى عليهم في قوله وما بكم من نعمة فمن الله ، وما اتصل بها إلى قوله يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون فانتقل الكلام بعد ذلك بتهديد من قوله ويوم نبعث من كل أمة شهيدا. فبعد أن توعدهم بقوارع الوعيد بقوله ولهم عذاب أليم وقوله فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم إلى قوله لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون عاد الكلام إلى تهديدهم بعذاب في الدنيا; بأن جعلهم مضرب مثل لقرية عذبت عذاب الدنيا ، أو جعلهم مثلا وعظة لمن يأتي بمثل ما أتوا به من إنكار نعمة الله. [ ص: 304] ويجوز أن يكون المعطوف عليها جملة يوم تأتي كل نفس إلخ ، على اعتبار تقدير اذكر ، أي اذكر لهم هول يوم تأتي كل نفس تجادل إلخ ، وضرب الله مثلا لعذابهم في الدنيا شأن قرية كانت آمنة إلخ. وضرب: بمعنى جعل ، أي جعل المركب الدال عليه كون نظمه ، وأوحى به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما يقال: أرسل فلان مثلا قوله: كيت وكيت. والتعبير عن ضرب المثل الواقع في حال نزول الآية بصيغة المضي للتشويق إلى الإصغاء إليه ، وهو من استعمال الماضي في الحال لتحقيق وقوعه ، مثل أتى أمر الله ، أو لتقريب زمن الماضي من زمن الحال ، مثل: قد قامت الصلاة.
ضرب الله مثلا قريه كانت امنه
ويجوز أن يكون ( ضرب) مستعملا في معنى الطلب والأمر ، أي اضرب يا محمد لقومك مثلا قرية إلى آخره ، كما سيجيء عند قوله تعالى وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة في سورة الزمر ، وإنما صيغ في صيغة الخبر; توسلا إلى إسناده إلى الله تشريفا له وتنويها به ، ويفرق بينه وبين ما صيغ بصيغة الطلب نحو واضرب لهم مثلا أصحاب القرية بما سيذكر في سورة الزمر فراجعه ، وقد تقدم في قوله تعالى 30 إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا في سورة البقرة ، وقوله في سورة إبراهيم ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة. وجعل المثل قرية موصوفة بصفات تبين حالها المقصود من التمثيل ، فاستغنى عن تعيين القرية. والنكتة في ذلك أن يصلح هذا المثل للتعريض بالمشركين باحتمال أن تكون القرية قريتهم ، أعني ( مكة) بأن جعلهم مثلا للناس من بعدهم ، ويقوي هذا الاحتمال إذا كانت هذه الآية قد نزلت بعد أن أصاب أهل مكة الجوع الذي أنذروا به في قوله تعالى فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين [ ص: 305] يغشى الناس هذا عذاب أليم ، وهو الدخان الذي كان يراه أهل مكة أيام القحط الذي أصابهم بدعاء النبيء صلى الله عليه وسلم. ويؤيد هذا قوله بعد ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون.
ضرب الله مثلا قرية كانت امنة
وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة القارئ/ عبد الرحمن مسعد الوصف⤵️⤵️ - YouTube
الحق سبحانه وتعالى بعد أنْ تكلَّم عن الإيمان بالله والإيمان بصدق رسوله في البلاغ عنه، واستقبال منهج الله في الكتاب والسنة، وتكلم عن المقابل لذلك من الكفر واللجاج والعناد لله وللرسول وللمنهج. أراد سبحانه أنْ يعطينا واقعاً ملموساً في الحياة لكل ذلك، فضرب لنا هذا المثل. ومعنى المثل: أن يتشابه أمران تشابهاً تاماً في ناحية معينة بحيث تستطيع أن تقول: هذا مثل هذا تماماً. والهدف من ضرب الأمثال أنْ يُوضِّح لك مجهولاً بمعلوم، فإذا كنتَ مثلاً لا تعرف شخصاً نتحدث عنه فيمكن أن نقول لك: هو مثل فلان ـ المعلوم لك ـ في الطول ومثل فلان في اللون.. إلخ من الصور المعلومة لك، وبعد أن تجمع هذه الصور تُكوِّن صورة كاملة لهذا الشخص الذي لا تعرفه. لذلك، فالشيء الذي لا مثيلَ له إياك أن تضرب له مثلاً، كما قال الحق سبحانه: { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ} [النحل: 74]. لأنه سبحانه لا مثيل له، ولا نظير له، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وهو سبحانه الذي يضرب المثل لنفسه، أما نحن فلا نضرب المثل إلا للكائنات المخلوقة له سبحانه. لذلك نجد في القرآن الكريم أمثالاً كثيرة توضح لنا المجهول بمعلوم لنا، وتوضح الأمر المعنوي بالأمر الحسيِّ الملموس لنا.
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ (84) وقوله: ( وآتيناه أهله ومثلهم معهم) قد تقدم عن ابن عباس أنه قال: ردوا عليه بأعيانهم. وكذا رواه العوفي ، عن ابن عباس أيضا. وروي مثله عن ابن مسعود ومجاهد ، وبه قال الحسن وقتادة. وقد زعم بعضهم أن اسم زوجته رحمة ، فإن كان أخذ ذلك من سياق الآية فقد أبعد النجعة ، وإن كان أخذه من نقل أهل الكتاب ، وصح ذلك عنهم ، فهو مما لا يصدق ولا يكذب. وقد سماها ابن عساكر في تاريخه - رحمه الله تعالى - قال: ويقال: اسمها ليا ابنة منشا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، قال: ويقال: ليا بنت يعقوب ، عليه السلام ، زوجة أيوب كانت معه بأرض البثنية. فاستجبنا له فكشفنا مابه من ضر - الشيخ عبدالباسط عبدالصمد - YouTube. وقال مجاهد: قيل له: يا أيوب ، إن أهلك لك في الجنة ، فإن شئت أتيناك بهم ، وإن شئت تركناهم لك في الجنة ، وعوضناك مثلهم. قال: لا ، بل اتركهم لي في الجنة. فتركوا له في الجنة وعوض مثلهم في الدنيا. وقال حماد بن زيد ، عن أبي عمران الجوني ، عن نوف البكالي قال: أوتي أجرهم في الآخرة ، وأعطي مثلهم في الدنيا. قال: فحدثت به مطرفا ، فقال: ما عرفت وجهها قبل اليوم.
فاستجبنا له فكشفنا مابه من ضر - الشيخ عبدالباسط عبدالصمد - Youtube
وهكذا روي عن قتادة ، والسدي ، وغير واحد من السلف ، والله أعلم. وقوله: ( رحمة من عندنا) أي: فعلنا به ذلك رحمة من الله به ، ( وذكرى للعابدين) أي: وجعلناه في ذلك قدوة ، لئلا يظن أهل البلاء أنما فعلنا بهم ذلك لهوانهم علينا ، وليتأسوا به في الصبر على مقدورات الله وابتلائه لعباده بما يشاء ، وله الحكمة البالغة في ذلك.
وقال قوم أتى الله أيوب في الدنيا مثل أهله الذين هلكوا فأما الذين هلكوا فإنهم لم يردوا عليه في الدنيا قال عكرمة: قيل لأيوب: إن أهلك لك في الآخرة فإن شئت عجلناهم لك في الدنيا وإن شئت كانوا لك في الآخرة وآتيناك مثلهم في الدنيا فقال يكونون لي في الآخرة وأوتى مثلهم في الدنيا فعلى هذا يكون معنى الآية وآتيناه أهله في الآخرة ومثلهم معهم في الدنيا وأراد بالأهل الأولاد ( رحمة من عندنا) أي نعمة من عندنا ، ( وذكرى للعابدين) أي عظة وعبرة لهم