قال الله تعالى: (أيَوَدّ أحَدُكُمْ أن تَكُونَ لَهُ جَنــَّةٌ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَـيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّـكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (البقرة 266). وقفت عند قوله تعالى: (فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) وسألت هل يحتوي الإعصار في كيانه الفيزيائي على تكون ناري؟ ووجدت أن أحدث الدراسات العلمية المتخصصة في "الأعاصير" لم تتوصل حتى الآن فيما أعلم إلى ما يؤكد احتواء كيان الإعصار على نار. ولكن يمكن أن نطرح السؤال التالي على علماء الأرصاد: هل يكوّن الإعصار ناراً أم لا؟ وهل يحمل الإعصار هذه النار بين ثناياه؟ فإن كانت الإجابة بنعم ـ وكان الواقع يؤكد ذلك كان في هذه الآية سبق وإعجاز علميا فريدا. فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ. وسنلقي بإطلالة على معنى الآية، ونورد بعض الشواهد العلمية التي تساعد المتخصصين في علم الأرصاد للكتابة المتعمقة والدقيقة في هذا الموضوع. المعنى اللغوي للإعصار:
في المصباح المنير: الإعصار ريح ترتفع بتراب بين السماء والأرض وتستدير كأنها عمود والإعصار مذكر قال تعالى: (فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ) والعرب تسمى هذه الريح الزوبعة أيضا والجمع الأعاصير وفي مختار الصحاح: والإعصار ريح تثير الغبار فيرتفع إلى السماء كأنه عمود ومنه قوله تعـالى: (فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ) وقيل هي ريح تثيرسحابا ذات رعد وبرق، وفي المعجم الوجيز: اعتصر الشيء: عصره وعصر الشيء عصْرا: استخرج ما فيه من دهن أو ماء أو نحوه.
فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ
وقد وجد العلماء أن قلب الإعصار دائماً أسخن من جوانبه ولذلك فإن الحرارة تكمن في داخله وتكون سبباً في الحرائق. وقد أشار القرآن إشارة لطيفة إلى هذا الأمر وأمرنا بالتفكر فيه بقوله سبحانه وتعالى: (فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) - ومعروف أن الإعصار يكون محملاً بالأمطار والهواء والبرد فكيف يكون ساخناً؟! ولكنها حقيقة علمية نراها اليوم بالصور الملتقطة بالأقمار الاصطناعية، ولكن القرآن قد التقط لنا الصورة الدقيقة وحدثنا عنها قبل هذه الأقمار بقرون طويلة!! فسبحان الذي حدثنا عن كل شيء ليزيدنا يقيناً بالقرآن وحباً لمن أُنزل عليه هذا القرآن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. - والإعصار هو عبارة عن عاصفة هوائية عنيفة، تتميز بغيمة مخروطية دوارة، تدور حول مساحة من الضغط الجوي المنخفض، سرعتها لا تقل عن (74) ميل في الساعة، كما يتكون من عامود من الهواء والنار، له حركة دورانية، وتتولد معظم الأعاصير النارية من حرائق الغابات، وقد لا يتجاوز مدة هذه الأعاصير عشرات الثواني، أو الدقائق، ولكن تحدث دماراً هائلاً لكل ما تلاقيه في طريقها. ومعظم أعاصير النار لا يزيد عرض لسانها الناري على ثمانية أمتار، وطوله على سعين متراً.
وقد أثبت أبحاث أجراها علماء الأرض، وحسابات قام بها مؤرخون، وعلماء بأحوال الطقس عبر التاريخ أن (حريق روما الكبير) لم يكن من فعل ( نيرون)كما هو شائع، بل سببه إعصار ناري، مر على المدينة -التي بُنيت معظم بيوتها من الخشب- في العام (64) قبل الميلاد، فأتى عليها بالكامل، أما ( نيرون) فثبت للمؤرخين أنه كان في مدينة أخرى حين أبلغوه نبأ الحريق، فأسرع ليشارك هو نفسه بإطفاء الحريق، لكنه حين وصل وشاهد المدينة مشتعلة بالحرائق أمامه عرف بأن الإطفاء أمر مستحيل، فانهار وراح يبكي حزناً عليها. وفي القرن الميلادي المنصرم، وتحديداً في الأول من سبتمبر (أيلول) سنة (1923م) ضرب (زلزال كانتو العظيم) مدينة طوكيو، فقتل من سكانها أكثر من (105) آلاف نسمة، وسبب حرائق صغيرة، تسببت بدورها في تسخين الهواء، الذي تحول بسرعة إلى جاف، ونتج عنه ارتفاع في درجة الحرارة، تحولت معها كتلة هوائية إلى نوع من الإعصار الصغير، صادف أن مر بأحد ألسنة النار المشتعلة، فحمله معه كالزوبعة، ومر على شبه جزيرة صغيرة اسمها نوتو، فبقي يعبث فيها بالنار مدة عشرين دقيقة، أحرق خلالها ثلثي المدينة تقريباً، وقتل حرقاً (38) ألفاً من سكانها. وفي السادس والعشرين من شهر أوغست سنة (2010م) ضرب إعصار ناري مدينة أراساتوبا الواقعة إلى الجنوب من مدينة سان باولو في البرازيل، فأشعل في بريتها وبساتينها وحقولها نيراناً هائلة، مع أنه لم يستمر سوى ثلاثين ثانية فقط.