ـ ابتسمتُ، فما قاله فيصل مساعد ربيّع الرشيدي في تلك الجلسة، لم يكن مفاجئًا بالنسبة لي، لكنه بالتأكيد أثار تعجّب بقيّة الأصحاب!. منهم من استحلفه: بالله عليك؟! ، ومنهم من طلب معرفة السبب؟!. ـ ليلتها، كنّا نحتفي بوجود فيصل مساعد الرشيدي بيننا، وبدأت الحكاية حين اعتقد أحدنا أن الشعر وراثة، أو أنّ دربه سيكون وصيّة الأب لابنه، خاصةً مع معرفة الجميع بقيمة وقامة مثل هذا الأب!. أن يكون هذا الأب هو الشاعر مساعد ربيّع الرشيدي، فهذا يعني الكثير، و"الكثير" كلمة قليلة هنا! ، إنه يكاد يعني كل شيء متى ما تعلّق الأمر بالشعر!. ـ فيصل فاجأ الصحبة الطّيّبة، بما لم يكن في حسبانهم: حذّرني أبي، ووصّاني، و"نَهاني" عن الشعر!. ـ ورحتُ أحكي: المُبدع الحقّ، لا يشتكي نقصًا، فلا يطلب من ورثته إتمامه!. ولفرط ما عانى في فنّه، فإنه لا يتمنّى لأبنائه تجريب كل ذلك القلق وتلك المعاناة!. والأمر الثالث، أن المبدع يعرف، معرفة يقين لا ظنّ، أنّ من يمتنع عن الفن لوصيّةٍ أو أمر، فإنّه لم يُخلق لهذا الفن أصلًا!. ـ الذين يُريدون لأبنائهم تكملة مشوارهم، هم، عادةً، الحُكّام والتّجّار، وليسوا أهل الفن والأدب!. ـ للأدب جيناته الوراثيّة الخاصة به!
- فيصل مساعد الرشيدي بالانجليزي
فيصل مساعد الرشيدي بالانجليزي
رحل الرشيدي، تاركا محبيه ومعجبيه والساحة الشعبية، لذكرى الصحاري والجفاف واليأس اعترى جمهور الشعر والساحة الشعبية، التي لجّت منذ تناقل خبر وفاته في ساعة مبكرة من صباح الخميس، برثائيات تليق بتأبين شاعر هام حبا في الشعر والوطن، وأفنى حياته عسكريا يذود عن وطنه شعرا وعملا. تجربه فريدة أورثها مساعد الرشيدي للشعر والشعراء، شكلت فارقا وأثرا في الساحة الشعبية وفِي من تأثر منه من شعراء جيله والأجيال التي تلتها، جاءت بدايته عظيمة كنهايته بعد أن عرفه عقب إشادة بدر بن عبدالمحسن به في إحدى مقابلاته الشخصية، لتأتي آخر أبياته الشعرية والتي غرد بها عبر حسابه الشخصي «تويتر»، والتي اختار أن تكون في أحد أبطال الذود عن حمى الوطن من براثن الإرهاب جبران عواجي والتي قال فيها: «ما دام يولد للوطن مثل جبران/ تموت عدوان الوطن ما تطوله». معاناة الرشيدي مع المرض التي جعلته طريحا للسرير الأبيض لما يقرب على ثلاثة أشهر، تهافت خلالها الكثير من الأمراء ووجهاء المجتمع وكبار زملائه الشعراء على زيارته في مدينة الملك عبدالله الطبية بالحرس الوطني، والتي أظهرت مدى محبة الناس له، قبل أن تغلب رمادية الحزن، وسوداوية الموت، على الساحة الشعبية، وعلى تغريدات محبيه من الشعراء والمغردين في تويتر عبر وسم #مساعد_الرشيدي_في _ذمة_الله، الذي لج برثائيات كتبته فيه، وبأبياته التي تظهر الغالب الديني لحياة مساعد الإنسان كبيته: «يارب يوم ألقاك والحال عاري/ تستر عذاريبي وتغفر ذنوبي».
وقال مسألة الثقافة واللغة العربية شيء والشعر شيء آخر وطالب كل الشعراء أن يكتبوا الشعر بالطريقة التي يبدعون من خلالها وقال إذا كان الشاعر لا يستطيع كتابة الشعر الأجمل إلا عبر اللغة الإنجليزية فليكتب ولا يكتب شعراً عربياً سيئاً. وقال الرشيدي كل مفردات الشعر الشعبي من القاموس الفصيح أما حركات سيبويه فما أنزل الله بها من سلطان. وقال مساعد أنه يحب الشعراء الفصيحين الجيدين في المملكة وأحفظ الكثيرين حتى الشعراء الحداثيين من الشعراء السعوديين. وأكد مازحا بانه يصحح لهم الأخطاء الإملائية بس الأوزان ما أعرف وأجيبها قلب. ثم قال ان علاقته بالشاعر فهد عافت علاقة قوية ولا تشوبها شائبة ولم يستطع كل الذين أدوا الصيد في العكر أن يفعلوا شيئاً ففهد عافت سكنا أنا وهو في بيت واحد أكثر من عام بالرياض وإذا اختلفنا أنا وفهد عافت فقل على الأصدقاء السلام وكون شاعر كبير كفهد عافت نتنافس أنا وهو سويا فهذا في صالحي فإن الشاعر القوي عندما ينافسك من المفترض أن تحبه لأنه يحفزك على التفوق والإبداع. ثم في آخر الأمسية أنشد قصيدة الكنه تلبية لرغبة الجمهور ثم قال مساعد الرشيدي لا تصدقوا أن الشعر يباع ثم أن الشعر وبيعه ليس حراماً!!