وروي عن الحسن أنه ذكر له هذا الحديث فقال: إن بني يعقوب حدثوا فكذبوا ، ووعدوا فأخلفوا ، واؤتمنوا فخانوا. إنما هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإنذار للمسلمين ، والتحذير لهم أن يعتادوا هذه الخصال; شفقا أن تقضي بهم إلى النفاق. وليس المعنى: أن من بدرت منه هذه الخصال من غير اختيار واعتياد أنه منافق. وقد مضى في سورة " التوبة " القول في هذا مستوفى والحمد لله. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن إذا حدث صدق ، وإذا وعد أنجز ، وإذا اؤتمن وفى ". والمعنى: المؤمن الكامل إذا حدث صدق. والله أعلم. قوله تعالى: قالوا نشهد إنك لرسول الله قيل: معنى نشهد نحلف. فعبر عن الحلف بالشهادة; لأن كل واحد من الحلف والشهادة إثبات لأمر مغيب; ومنه قول قيس بن ذريح. وأشهد عند الله أني أحبها فهذا لها عندي فما عندها ليا ويحتمل أن يكون ذلك محمولا على ظاهره أنهم يشهدون أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم اعترافا بالإيمان ونفيا للنفاق عن أنفسهم ، وهو الأشبه. التفريغ النصي - تفسير سورة المنافقون_ (1) - للشيخ أبوبكر الجزائري. والله يعلم إنك لرسوله كما قالوه بألسنتهم. والله يشهد إن المنافقين لكاذبون أي فيما أظهروا من شهادتهم وحلفهم بألسنتهم. وقال الفراء: والله يشهد إن المنافقين لكاذبون بضمائرهم ، فالتكذيب راجع إلى الضمائر.
تفسير سوره المنافقون 3 صفحات
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ [المنافقون:3]، آمنوا أولاً، قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمداً رسول الله، آمنا بهذا النبي الكريم، وبعد ذلك في اجتماعاتهم السرية والعلنية في بيوتهم وبساتينهم مجموعات ارتدوا -والعياذ بالله- قالوا: لن نؤمن، فلما ارتدوا وانتكسوا طبع الله على قلوبهم فوالله ما يهتدون ولا يؤمنون، لأنهم كفروا بعد إيمانهم، لو كانوا كافرين كما كانوا لآمنوا كغيرهم، لكن آمنوا ثم كفروا، فهذا الكفر ناتج عن فساد قلوب وعن أمراض وعن طمع وعن ماديات وعن أباطيل فبقوا في الكفر. تفسير سورة المنافقون من 1 الى 4. ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [المنافقون:3]، والفقه فهم الأسرار ومعرفة عواقب الأشياء، لا فهم لهم أبداً، فلو كانوا يفقهون والله ما ارتدوا، ولو ارتدوا لعادوا إلى الإيمان وأسلموا، لكنهم لا يفقهون كالحيوانات، وهذا شأن الكافرين إلى يوم القيامة. هل الكافر يفقه؟ يفهم؟ لا. هل يعرف لماذا وجد هو؟ لو سئل الكافر: لم وجدت؟ لا يعرف! إذاً: اذهب إلى أهل العلم يعلمونك، يعرفونك لم وجدت، أنت وجدت لتذكر الله وتشكره بعبادته وطاعته، فإن رفضت ذلك عرضت نفسك لسخط الله وغضبه عليك، ثم لتعذيبه إياك وإدخالك جهنم.
تفسير سورة المنافقون من 1 الى 4
{ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ
الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ}
وذلك في غزوة المريسيع، حين صار بين بعض المهاجرين والأنصار، بعض كلام
كدر الخواطر، ظهر حينئذ نفاق المنافقين، وأظهروا ما في نفوسهم. وقال كبيرهم، عبد الله بن أبي بن سلول: ما مثلنا ومثل هؤلاء -يعني
المهاجرين- إلا كما قال القائل: " غذ كلبك يأكلك "
وقال: لئن رجعنا إلى المدينة
{ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ}
بزعمه أنه هو وإخوانه من المنافقين الأعزون، وأن رسول الله ومن معه هم
الأذلون، والأمر بعكس ما قال هذا المنافق، فلهذا قال [تعالى:]
{ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}
فهم الأعزاء، والمنافقون وإخوانهم من الكفار [هم] الأذلاء.
تفسير سوره المنافقون المعيقلي
3- من علامات المنافقين وصفاتهم البارزة: الكذب، وكثرة الحلف لتأكيد كذبهم ومداراته، والجبن، وقلة الفائدة، وخلف الوعد، وخيانة الأمانة، ونقض العهود، والفجور في الخصومة، والكبر والتعالي. معاني المفردات: من (5) إلى (11) من سورة "المنافقون":
﴿ لوَّوْا رؤوسهم ﴾: هزُّوا رؤوسهم استهزاءً واستكبارًا. ﴿ ورأيتهم يصدون ﴾: وشاهدتهم يعرضون عن هذه الدعوة ولا يحبون الحضور إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ﴿ لن يغفر الله لهم ﴾: لن يسامحهم الله ولابد من تعذيبهم. ﴿ لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ﴾: لا تنفقوا أموالكم على المهاجرين حتى يتفرقوا عن محمد - صلى الله عليه وسلم -. ﴿ ولله خزائن السموات والأرض ﴾: والله - سبحانه وتعالى - بيده مفاتيح الرزق، ولا يملك أحد أن يمنع رزق الله عن عباده. ﴿ ليخرجن الأعزُّ منها الأذل ﴾: لنخرجن محمدًا وصحبه. ﴿ ولله العزَّة ﴾: لله - تبارك وتعالى - القوة والغلبة. ﴿ ومن يفعل ذلك ﴾: ومن تشغلهم الدنيا عن طاعة الله وعبادته. تفسير سوره المنافقون 3 صفحات. ﴿ فيقول ربِّ لولا أخَّرتني ﴾: فيقول - عندما يتأكد من الموت: يا رب، هلا أمهلتني وأخرت أجلي. ﴿ إلى أجل قريب ﴾: إلى زمن قليل. ﴿ فأصَّدق ﴾: فأتصدَّق. ﴿ ولن يؤخِّر الله نفسًا إذا جاء أجلها ﴾: والحقيقة أن الله - سبحانه وتعالى - لن يمهل أحد إذا انتهى أجله.
هذه الأيمان التي يحلفون بها اتخذوها فقط وقاية وستراً، أما قلوبهم فوالله ما فيها إيمان بالله ولا برسوله. اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [المنافقون:2] أولاً: أنفسهم. ثانياً: أولادهم وأزواجهم. ثالثاً: ضعاف الإيمان ممن تبعوهم من اليهود وغيرهم، الكل صدوهم عن سبيل الله وصرفوهم. تفسير سورة المنافقون. معنى قوله تعالى: (إنهم ساء ما كانوا يعملون)
إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المنافقون:2] قبح عملهم وساء، واعتقادهم كعملهم الكل باطل وفاسد، لا خير فيهم أبداً؛ لأنهم كالأموات، بل شر من الأموات، فعملهم كان باطلاً؛ لأنه لم ينتج عن إيمان بالله وطاعة لله وطاعة لرسول الله، بل لقصد وقايتهم من الموت أو الإجلاء من البلاد. تفسير قوله تعالى: (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا... )
ثم قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا [المنافقون:3]، لما جاء الرسول الكريم إلى المدينة، وآمن الأنصار آمنوا مبدئياً، ثم بعد ذلك انقلبوا وقالوا: لم تؤمنون بهذا الرجل وقد أجلاه قومه وأخرجوه من بلادهم؟ كذا.. يريد منكم كذا وكذا؟ وأنتم تعرفون أهل الكذب ما يقولون، يقولون ألوان الكلام، فكانوا يصرفون المؤمنين عن الإيمان بمثل هذا القول.