وأما قوله: ﴿إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير﴾ ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله. فقال بعضهم: معناه: إلا تفعلوا، أيها المؤمنون، ما أمرتم به من موارثة المهاجرين منكم بعضهم من بعض بالهجرة، والأنصار بالإيمان، دون أقربائهم من أعراب المسلمين ودون الكفار = ﴿تكن فتنة﴾ ، يقول: يحدث بلاء في الأرض بسبب ذلك [[انظر تفسير " الفتنة " فيما سلف ١٣: ٥٣٧، تعليق: ٣، والمراجع هناك. ]] = ﴿وفساد كبير﴾ ، يعني: ومعاصٍ لله. [[انظر تفسير " الفساد " فيما سلف ١٣: ٣٦، تعليق: ٣، والمراجع هناك. ]] ١٦٣٤٨- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ﴿إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير﴾ ، إلا تفعلوا هذا، تتركوهم يتوارثون كما كانوا يتوارثون = ﴿تكن فتنة في الأرض وفساد كبير﴾. قال: ولم يكن رسول الله ﷺ يقبل الإيمان إلا بالهجرة، ولا يجعلونهم منهم إلا بالهجرة. [[في المخطوطة: " ولا يجعلونهم مقيم "، والصواب ما في المطبوعة. ]] ١٦٣٤٩- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ﴿والذين كفروا بعضهم أولياء بعض﴾ ، يعني في الميراث = ﴿إلا تفعلوه﴾ ، يقول: إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به = ﴿تكن فتنة في الأرض وفساد كبير﴾ ،
وقال آخرون: معنى ذلك: إلا تَناصروا، أيها المؤمنون، في الدين، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
رمضان بين عبق الماضي والحاضر | كُتاب سرايا | وكالة أنباء سرايا الإخبارية - حرية سقفها السماء
(35) ثم رد المواريث إلى الأرحام. (36) 16351- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ، قال: إلا تعاونوا وتناصروا في الدين = (تكن فتنة في الأرض وفساد كبير). * * * قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بتأويل قوله: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) ، قول من قال: معناه: أن بعضهم أنصار بعض دون المؤمنين, وأنه دلالة على تحريم الله على المؤمن المقامَ في دار الحرب وترك الهجرة، لأن المعروف في كلام العرب من معنى " الوليّ" ، أنه النصير والمعين، أو: ابن العم والنسيب. (37) فأما الوارث فغير معروف ذلك من معانيه، إلا بمعنى أنه يليه في القيام بإرثه من بعده. وذلك معنى بعيد، وإن كان قد يحتمله الكلام. وتوجيه معنى كلام الله إلى الأظهر الأشهر, أولى من توجيهه إلى خلاف ذلك. وإذ كان ذلك كذلك, فبيِّنٌ أن أولى التأويلين بقوله: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ، تأويلُ من قال: إلا تفعلوا ما أمرتكم به من التعاون والنصرة على الدين، تكن فتنة في الأرض = إذْ كان مبتدأ الآية من قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الأنفال - الآية 73
والعجب أن يتولى ما لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة من المنافقين والمنافقات إفساد الأمة ومسخها عن دينها، ودعوتها إلى التحرر والإباحية والعفن والرذيلة، ومن تأمل في التاريخ القريب مثلاً في دولة مجاورة لوجد أن حثالة لا يزيدون عن المئة قوضوا أركان الفضيلة، ونزعوا الحجاب عن وجه المسلمة هناك، وأوردوا قومهم موارد الهلاك بإسقاط الحجاب والحياء والحشمة، حتى ظهرت المرأة متبرجة في الشارع والمكتب والمسرح بل وشبه عارية على شاطئ البحر، ولقد كان لا يرى لأمها وجدَّتها أظفر أو خصلة شعر، حتى جاء هؤلاء فأسقطوا الحجاب شيئاً فشيئاً!! وهكذا هم المنافقون في كل أمة وفي كل قطرº يتحينون الفرص، ويقطعون الطريق (( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف))، ها هم يسيرون متكاتفين متماسكين يتواصون بالباطل، ولهم جلد وصبر عجيب (( وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم))!!. وتأمل في حال المنافقين والمنافقات فهم أولياء بعض، وقد ملؤوا الساحة ضجيجاً وعفناً في الصحف، وعلى شاشات التلفاز، وفي بث الإذاعات، إنه غزو عجيب لا تسلم منه خيمة ولا قصر، ولا امرأة ولا رجل، ولا طفل ولا شيخ، وتتقزز نفسك وأنت ترى تلك الكتابات والصور التي يطل عليك منها شؤم المعصية وهي كغثاء السيل، وحاطب الليل يتبرأ منهم وهو خير منهم!!
وقفة احتجاجية بمراكش تنديدا بجرائم العدوان الصهيوني
ومن هنا يجب على المسلمين الالتزام بتلك المبادئ والأحكام؛ وهي:
1- أحكام الموارثة بين المؤمنين وبعضهم، وبين الكافرين وبعضهم. 2- التناصر والمؤازرة فيما بين المؤمنين، وحرمتها بين المؤمنين والكافرين. 3- حفظ العهود مع المشركين. 4- مناصرة المسلمين الطالبين للنصرة في حدود العهود المبرمة. 5- حرمة الولاية بين المؤمنين والكافرين، ويتبع ذلك حرمة التشبه بالكافرين، وحرمة معاونتهم ومساندتهم، وحرمة تعظيمهم ومودتهم، قال تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ [المجادلة: 22]. [1] روح المعاني، ج6، ص53. [2] سنن الترمذي، باب ما جاء في إبطال الميراث بين المسلم والكافر، رقم 2107، وقال: حديث حسن صحيح، وأسامة بن زيد: هو حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكنى بأبي محمد، وأمه أم أيمن، حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة على سرية فيها أبو بكر وعمر، مات بالجرف في آخر خلافة معاوية. [3] سنن الترمذي، باب لا يتوارث أهل ملَّتينِ، رقم 2108، وجابر: هو جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام، شهِد العقبة مع السبعين، وكان أصغرهم، وأراد شهود بدر فخلفه أبوه على أخواته، وكن تسعًا، وخلفه أيضًا في أحد، ثم شهِد ما بعد ذلك، توفي سنة 78 هـ بالمدينة.
أيها المسلمون:
لن يتحقَّق الولاء في الجماعة المؤمنة إلاَّ أن يتحقق في الأسر المسلمة، فلا تمزق، ولا خصومات، ولا قطيعة رحم، بل تعاون فيما بين أفرادها في سد حاجة فقيرهم، وتزويج أيِّمهم، ونصرة ضعيفهم، وإصلاح ذات بينهم. ولن يتحقق الولاء إلاَّ إن تحقَّق بين الجار وجاره، يقول عليه الصلاة والسلام: ((كم من جار متعلق بجاره يقول: يا رب سَلْ هذا لِمَ أغلق عني بابه، ومنعني فضله؟))، ويقول: ((ليس بمؤمن من لا يأمن جاره غوائله))، ويقول: ((خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره)). ولن يتحقَّق الولاء إلاَّ إن كان المؤمنون إخوة متحابين، متعاونين، مؤتلفين، يعين بعضهم بعضًا، وينصر بعضهم بعضًا، يسأل الأخ عن أحوال أخيه، ويتفقَّد الغني أخاه الفقير، فرحمة الله في صلاح الجماعة وتعاونها وتضامنها، فالجماعة رحمة والفرقة عذاب، كما قال - عليه الصلاة والسلام - وقال أيضًا: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)). لا بدَّ أن تكون أمَّة الإسلام أمةً خيرة قويةً واعيةً، قائمةً على حراسة الحق والخير، متواصيةً بالحق والصبر في مودةٍ وتعاون وتآخٍ، وإلاَّ فإنَّه الضَّياع والخسران.