وإذا كان الله -تبارك وتعالى- يمحق الربا فهذا المحق كما في هذه الآية جاء مطلقًا، والأصل أن المطلق باقٍ على إطلاقه فيكون هذا المحق في الدنيا بذهاب ونزع بركته، ويكون المحق أيضًا في الآخرة كما جاء عن بعض السلف ، فالله يبطله، فإذا تصدق فالله طيب لا يقبل إلا طيبا، لا ينتفع بصدقته هذه، وإذا حج أو فعل فعلاً يتقرب به إلى الله -تبارك تعالى- بهذا المال فالمحق هو حكمه الثابت، يمحق الله الربا، وجاء التعبير بالفعل المضارع يمحق يدل على أن هذا المحق يتجدد فلكل آخذ للربا نصيب من هذا المحق يمحق، وهذه اللفظة في كتاب الله -تبارك وتعالى- جاءت في هذا المقام. والمقام الآخر: وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [سورة آل عمران:141]، فإذا كان هذا الكافر قد جمع بين الكفر وبين أخذ الربا فما ظنكم؟! فهو محق مضاعف، وإذا كان الله -تبارك وتعالى- يمحق الربا فهل يُظن بحال من الأحوال أن الربا هو قوام اقتصاد الناس، وأن معايشهم ومصالحهم لا تتحقق إلا به والله يمحقه، وهل يمكن أن يمحق الله -تبارك وتعالى- شيئًا تقوم عليه مصالح الخلق؟! هذا لا يكون، والله -تبارك وتعالى- عليم حكيم، فإذا أيقن المؤمن بذلك واستقر في نفسه هذا الحكم، فإنه لا يمكن أن يتصور أو يعتقد أو يظن أن هذا الربا يمكن أن يُحقق مصلحة للأفراد أو المجتمعات أو الأمم، كيف يتحقق هذا والله يمحقه، وهذا المحق أيضًا يدل على التحريم، بل على تحريمٍ غليظٍ شديد؛ لأن ذلك كما سبق لم يرد في غير الربا، لم يرد في أكل مال اليتيم ولا في أنواع المكاسب المحرمة.
- يمحق الله الربا ويربي
- يمحق الله الربا ويربي ورش
- معنى يمحق الله الربا
يمحق الله الربا ويربي
وتصديق ذلك في كتاب الله: ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات). وكذا رواه أحمد ، عن وكيع ، وهو في تفسير وكيع. ورواه الترمذي ، عن أبي كريب ، عن وكيع ، به وقال: حسن صحيح ، وكذا رواه الثوري عن عباد بن منصور ، به. ورواه أحمد أيضا ، عن خلف بن الوليد ، عن ابن المبارك ، عن عبد الواحد بن ضمرة وعباد بن منصور كلاهما عن أبي نضرة ، عن القاسم ، به. وقد رواه ابن جرير ، عن محمد بن عبد الملك بن إسحاق عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن القاسم بن محمد ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن العبد إذا تصدق من طيب ، يقبلها الله منه ، فيأخذها بيمينه ، ويربيها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله ، وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله أو قال: في كف الله حتى تكون مثل أحد ، فتصدقوا ". وهكذا رواه أحمد ، عن عبد الرزاق. وهذا طريق غريب صحيح الإسناد ، ولكن لفظه عجيب ، والمحفوظ ما تقدم. وروي عن عائشة أم المؤمنين ، فقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله ليربي لأحدكم التمرة واللقمة ، كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ، حتى يكون مثل أحد ".
يمحق الله الربا ويربي ورش
يقول الإمام المراغي رحمه الله: إن عاقبة الربا الخراب والدمار, فكثيراً رأينا ناساً ذهبت أموالهم, وخربت بيوتهم بأكلهم الربا. وقال الدكتور عمر بن سليمان الأشقر: بعض الذين أعراهم الإثراء الربوي.... بين عشية وضحاها فقدوا كل شيء, وكثير منهم عاد فقيراً مديناً. ويقول الشيخ عبدالله بن صالح القصير: كم رأى الناس من الأثرياء المرابين, أو الذين تأسست تجارتهم من الربا وعليه, لم تمض عليهم سنوات حتى محق ما بأيديهم, حيث علقتهم, وغلقت منهم الرهون, وأخذهم الله بالعذاب الهون. ومن ألوان العذاب لهم إصابتهم بالأمراض, يقول الدكتور عمر بن سليمان الأشقر: لقد قرر عميد الطب الباطني في مصر الدكتور: عبدالعزيز إسماعيل في كتابه " الإسلام والطب الحديث " أن الربا هو السبب في كثرة أمراض القلب. فليتق الله من يأكل الربا, وليخش من سوء العاقبة في الحياة قبل الممات, وليترك الربا طاعةً لله عز وجل, قال سبحانه وتعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} [البقرة:278] قال العلامة العثيمين رحمه الله: يعني: إن كنتم مؤمنين حقاً فدعوا ما بقي من الربا. ومن نوى ترك الربا طاعة لله فسيعينه الله, ولن يجد في ذلك مشقة كما يوسوس له الشيطان, قال العلامة ابن القيم رحمه الله: إنما يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد من تركها لغير الله, فأما من تركها صادقاً مخلصاً من قلبه لله, فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا في أول وهلة, ليُمتحن أصادق هو في تركها أم كاذب ؟ فإن صبر على تلك المشقة قليلاً استحالت لذةً.
معنى يمحق الله الربا
وبعد الموت يكون الربا من أسباب عذاب صاحبه في البرزخ, فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم _ ورؤيا الأنبياء حق_ أنه في شر حاله بعد موته, فقال: «رأيت الليلة رجلان أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة.... فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم, فيه رجل قائم, وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة, فأقبل الرجل الذي في النهر, فإذ أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان, فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع حيث كان» وفي آخر الحديث قال الملكان للنبي صلى الله عليه وسلم: «الرجل الذي رأيته في النهر آكل الربا». فآكل الربا يعذب بعد موته بالسباحة في نهر من دم, وتقذف في فيه الحجارة, فتقذف به في وسط النهر. نسأل الله السلامة والعافية. وبعد هذا العذاب يقوم آكل الربا من قبره يوم القيامة, كقيام المجنون الذي مسه الشيطان, قال الله عز وجل: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} [البقرة:275] قال سعيد بن جبير رحمه الله: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يخنق, وعن الضحاك رحمه الله قال: من مات وهو يأكل الربا بعث يوم القيامة متخبطاً كالذي يتخبطه الشيطان من المس. وقال الشيخ عبدالله بن صالح القصير: أي: يقومون من قبورهم في صور المجانين, ولعل ذلك من سوء حالهم, وما يعتريهم من وحشة في قبورهم, وما نالهم من عذاب بعد موتهم, وذلك من أجل تعاملهم بالربا المحرم, واحتيالهم على الله بأنواع الحيل.
وليبشر من ترك الربا طاعةً لله عز وجل بكل خير، فمن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، قد يكون بشيءٍ من جنس المتروك، أو من غيره، ويالها من نعمة عظيمة لو عوضه الله جل جلاله بمحبته
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وقولهم: (من ترك شيئًا عوضه الله خيرًا منه) حق، والعوض أنواع مختلفة، وأجلُّ ما يعوضُ به: الأنس بالله، ومحبته، وطمأنينة القلب به، وقوته، ونشاطه، وفرحه، ورضاه عن ربه تعالى. وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
موقع مداد..............
هذه وقفات مع القاعدة القرآنية، في قوله تعالى:
﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾
[البقرة: 275]، والله أسأل أن ينفع بها ويتقبلها. الوقفة الأولى:
دلالة الآية على دخول جميع أنواع البيوع في الآية؛ لأن الأصل في جميع أنواع المعاملات الحِلُّ. قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية: "﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ﴾، وهذا أصلٌ في حل جميع أنواع التصرفات الكسبية، حتى يَرِدَ ما يدل على المنع". الوقفة الثانية:
في الشطر الثاني من الآية: ﴿ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾، وفي هذا استثناء من عموم الحل، وهو المنصوص على حرمته في الكتاب أو السنة.
فالأصل في العبادات المنع، زاد بعض أهل العلم نوعين أيضًا الأصل فيهما المنع، بعضهم قال: الأصل في الذبائح المنع، وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [سورة الأنعام:121]، ليس الأصل الحِل وإنما تأكل مما ذُكر اسم الله عليه وطعام أهل الكتاب المقصود ذبائح أهل الكتاب حِل أيضًا لنا، الكلام في الذبائح، أما المطعومات فالأصل فيها الحِل من النباتات وأنواع المطهيات والأخلاط ما لم يثبت به ضرر أو يكون من الأمور المستقذرة عند العرب. وزاد بعض أهل العلم: الأصل في الفروج المنع، يعني: لا يُقدم على مواقعة امرأة حتى يعقد عليها عقدًا صحيحًا أو يتملك بملك اليمين بتملك صحيح، لكن إذا بقيت القضية فيها شك مثلا: جاءت امرأة وقالت: أنا أرضعتكما أو نحو ذلك فيتوقف، يُقال: الأصل المنع احترازًا للأعراض، هذه ثلاثة أشياء: الذبائح، والفروج، والعبادات، والباقي الأصل الحِل.