دورة " وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا " تقديم أ. مها الرفاعي - أ. ابتسام الفرحان - YouTube
- تفسير: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم)
- إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة النور - قوله تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم- الجزء رقم10
- وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً
تفسير: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم)
وأنزل الله هذه الآية ، فأظهر الله نبيه على جزيرة العرب ، فأمنوا ووضعوا السلاح. ثم إن الله ، عز وجل ، قبض نبيه صلى الله عليه وسلم فكانوا كذلك آمنين في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان حتى وقعوا فيما وقعوا ، فأدخل [ الله] عليهم الخوف فاتخذوا الحجزة والشرط وغيروا ، فغير بهم. إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة النور - قوله تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم- الجزء رقم10. وقال بعض السلف: خلافة أبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما ، حق في كتابه ، ثم تلا هذه الآية. وقال البراء بن عازب: نزلت هذه الآية ، ونحن في خوف شديد. وهذه الآية الكريمة كقوله تعالى: ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) [ الأنفال: 26]. وقوله: ( كما استخلف الذين من قبلهم) كما قال تعالى عن موسى ، عليه السلام ، أنه قال لقومه: ( عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) [ الأعراف: 129] ، وقال تعالى: ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) [ القصص: 5 ، 6]. وقوله: ( وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم ، حين وفد عليه: " أتعرف الحيرة ؟ " قال: لم أعرفها ، ولكن قد سمعت بها.
إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة النور - قوله تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم- الجزء رقم10
فوعدهم الله هذه الأمور وقت نزول الآية، وهي لم تشاهد الاستخلاف في الأرض والتمكين فيها، والتمكين من إقامة الدين الإسلامي، والأمن التام، بحيث يعبدون الله ولا يشركون به شيئا، ولا يخافون أحدا إلا الله، فقام صدر هذه الأمة، من الإيمان والعمل الصالح بما يفوقون على غيرهم، فمكنهم من البلاد والعباد، وفتحت مشارق الأرض ومغاربها، وحصل الأمن التام والتمكين التام، فهذا من آيات الله العجيبة الباهرة، ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة، مهما قاموا بالإيمان والعمل الصالح، فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله، وإنما يسلط عليهم الكفار والمنافقين، ويديلهم في بعض الأحيان، بسبب إخلال المسلمين بالإيمان والعمل الصالح. { وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ْ} التمكين والسلطنة التامة لكم، يا معشر المسلمين، { فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ْ} الذين خرجوا عن طاعة الله، وفسدوا، فلم يصلحوا لصالح، ولم يكن فيهم أهلية للخير، لأن الذي يترك الإيمان في حال عزه وقهره، وعدم وجود الأسباب المانعة منه، يدل على فساد نيته، وخبث طويته، لأنه لا داعي له لترك الدين إلا ذلك. ودلت هذه الآية، أن الله قد مكن من قبلنا، واستخلفهم في الأرض، كما قال موسى لقومه: { وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ْ} وقال تعالى: { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ}
وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً
فلا نعرض عن تطبيق شرع الله، ولا نكفر تلك النعمة، ولا نسمح بأن تضاع الصلاة بيننا، وتمنع الزكاة، ولا يؤمر بمعروف، ولا ينه عن منكر؛ لأن معنى هذا: أننا ما شكرنا النعمة، وإذا فعلنا هذا والله لتسلب، فإما أن نشكر وإما تسلب. وهذه سنة الله في الخلق ولو بعد ألف سنة، فقد قال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: "بشَّر الله هذه الأمة بالسناء والرفعة، والدين والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة نصيب". قال ابن عاشور: "وقد كان المسلمون واثقين بالأمن، ولكن الله قدم على وعدهم بـ (الأمن) أن وعدهم بـ (الاستخلاف) في الأرض، و(تمكين) الدين والشريعة فيهم؛ تنبيهاً لهم بأن سُنَّة الله أنه لا تأمن أمة بأس غيرها حتى تكون قوية مكينة مهيمنة على أصقاعها. ففي الوعد بالاستخلاف، والتمكين، وتبديل الخوف أمناً إيماءٌ إلى التهيؤ لتحصيل أسبابه مع ضمان التوفيق لهم، والنجاح إن هم أخذوا في ذلك، وأن ملاك ذلك هو طاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم: { وإن تطيعوه تهتدوا} [النور:54] وإذا حلَّ الاهتداء في النفوس نشأت الصالحات، فأقبلت مسبَّبَاتُها تنهال على الأمة، فالأسباب هي الإيمان ، وعمل الصالحات". واسم الموصول في قوله سبحانه: { وعد الله الذين} لفظ عام لا يختص بمعين، أي غالب، فلا يُعكِّرُ عليه ما يكون في الأمة من مقصرين في عمل الصالحات، فإن تلك المنافع عائدة على مجموع الأمة. كما أن هذا (الوعد) ليس بمقتضٍ أن لا تحدث حوادث خوف في الأمة في بعض الأقطار، كالخوف الذي اعترى أهل المدينة من ثورة أهل مصر ، الذين قادهم الضال مالك الأشتر النخعي ، ومثل الخوف الذي حدث في المدينة يوم الحرة، وغير ذلك من الحوادث، وإنما كانت تلك مسبَّبات عن أسباب بشرية، وإلى الله إيابهم، وعلى الله حسابهم.
قلنا: ليس في ضمن الأمن السلامة من الموت بأي وجه كان ، وأما علي فلم يكن نزاله في الحرب مذهبا للأمن ، وليس من شرط الأمن رفع الحرب إنما شرطه ملك الإنسان لنفسه باختياره ، لا كما كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة. ثم قال في آخر كلامه: وحقيقة الحال أنهم كانوا مقهورين فصاروا قاهرين ، وكانوا مطلوبين فصاروا طالبين ؛ فهذا نهاية الأمن والعز. قلت: هذه الحال لم تختص بالخلفاء الأربعة - رضي الله عنهم - حتى يخصوا بها من عموم الآية ، بل شاركهم في ذلك جميع المهاجرين بل وغيرهم. ألا ترى إلى إغزاء قريش المسلمين في أحد وغيرها وخاصة الخندق ، حتى أخبر الله تعالى عن جميعهم فقال: إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا. ثم إن الله رد الكافرين لم ينالوا خيرا ، وأمن المؤمنين وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم ، وهو المراد بقوله: ليستخلفنهم في الأرض. وقوله: كما استخلف الذين من قبلهم يعني بني إسرائيل ، إذ أهلك الله الجبابرة بمصر ، وأورثهم أرضهم وديارهم فقال: وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها. وهكذا كان الصحابة مستضعفين خائفين ، ثم إن الله تعالى أمنهم ومكنهم وملكهم ، فصح أن الآية عامة لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - غير مخصوصة ؛ إذ التخصيص لا يكون إلا بخبر ممن يجب التسليم ، ومن الأصل المعلوم التمسك بالعموم.