ويدل مجرد اسم هذه المؤسسات على الفرق بينها وبين دور الكتب القديمة، فكانت دار الكتب تسمى قديمًا خزانة الحكمة، وهي خزانة كتب ليس غير، أما المؤسسات الجديدة فتسمى دور العلم، وخزانة الكتب جزء منها، وهذا يشير إلى أن هذه الدور الجديدة كانت لها وظيفة تعليمية أيضًا. وإلى جانب دور العلم هذه كان كثير من أئمة الشيعة الإمامية يدعون إلى مذهبهم وينشرون عقائدهم في بيوتهم الخاصة، أو في مشاهدهم، وأعني بها المساجد التي دفن فيها أئمتهم -على حد قولهم- لأن بعضها لا يثبت، وعرفت عندهم بالعتبات المقدسة [المنتظم (8/11)]. أثر المدارس النظامية في العالم الإسلامي
وفّق الله تعالى النظام توفيقًا قلَّ نظيره في التاريخ السياسي، والعلمي، والديني، فقد عاشت مدارسه أمدًا طويلًا، وعلى الخصوص نظامية بغداد التي طاولت الزمن زهاء 4 قرون، إذ كان آخر من عرفنا ممن درس فيها صاحب القاموس الفيروز آبادي المتوفى (817 هـ)، فقد زالت في نهاية القرن التاسع الهجري.
- مدرسة الامام الشافعي المتوسطة للبنين جدة -
مدرسة الامام الشافعي المتوسطة للبنين جدة -
وينقل السبكي عن أبي إسحاق الشيرازي -أول مدرس بنظامية بغداد- قوله "خرجت إلى خراسان، فما بلغت بلدة، ولا قرية إلا وكان قاضيها، أو مفتيها، أو خطيبها تلميذي، أو من أصحابي" [طبقات الشافعية (3/89)]. مدرسة الامام الشافعي المتوسطة للبنين جدة -. وقد أسهمت هذه المدارس في إعادة دور منهج السنة في حياة الأمة بقوة، وكان من أبرز آثارها أيضًا تقلص نفوذ الفكر الشيعي، بخاصة بعد أن خرجت المؤلفات المناهضة له من هذه المدارس، وكان الإمام الغزالي على قمَّة المفكرين الذين شنّوا حربًا شعواء على الشيعة، بخاصة الباطنية الإسماعيلية، فقد ألف كتبًا عدة، أشهرها (فضائح الباطنية) الذي كلفه بتأليفه عام (487هـ) الخليفة المستظهر، وسيأتي الحديث عن مؤلفاته عند الحديث عن ترجمته بإذن الله. وقد نجحت المدارس النظامية في نشر مذهب الإمام الشافعي، فقوي عوده، ودخل مناطق جديدة، وبدأ يشق له طريقًا في العراق وفي المشرق الإسلامي، وصارت النظاميات مدعاة لبناء المدارس، ومثارًا للتنافس، بقدر ما أصبحت نموذجًا يقتدي به مؤسسو المعاهد منذ بداية تشييدها إلى ما بعد ذلك بعصور طويلة. وقد مهدت المدارس النظامية بتراثها، ورجالها، وعلمائها السبيل، ويسّرته أمام نور الدين زنكي والأيوبيين كي يكملوا المسيرة التي من أجلها أنشئت النظاميات، وتتمثل في العمل على سيادة الإسلام الصحيح، بخاصة في المناطق التي كانت موطنًا لنفوذ الشيعة في تلك المرحلة كالشام، ومصر، وغيرها.
وفي ما يأتي ذكر لبعض المدارس التي أنشئت قبل المدرسة النظامية، حسب التسلسل الزمني لظهورها، وهي أيضا على سبيل المثال لا الحصر:
مدرسة الإمام أبي حفص الفقيه البخاري (150-217 هـ). مدرسة ابن حبان، في بداية القرن الرابع الهجري، ففي نحو سنة (305 هـ) شيد أبو حاتم محمد بن حبان البستي دارًا في بلده بست، وجعل فيها خزانة كتب وبيوتًا للطلبة. مدرسة أبي الوليد، قبل سنة (349 هـ) أنشئت مدرسة أبي الوليد حسان بن أحمد النيسابوري الشافعي (ت 349 هـ)، ويذكر أنه كان كثير الملازمة لها. مدرسة محمد بن عبد الله بن حماد (ت 388 هـ) الذي وصفه السبكي بأنه كان إلى أن خرج من دار الدنيا وهو ملازم للمسجد ومدرسته. المدرسة الصادرية أنشأها الأمير شجاع الدولة صادر بن عبد الله سنة (391 هـ)، في مدينة دمشق. المدرسة البيهقية بنيسابور، أنشئت قبل أن يولد نظام الملك، وقد ولد سنة (408 هـ)، فتكون هذه المدرسة أنشئت قبل هذا التاريخ. مدرسة أبي بكر البستي (ت 429 هـ)، بناها لأهل العلم بنيسابور على باب داره ووقف جملة من ماله عليها، وكان هذا الرجل من كبار المدرسين والناظرين بنيسابور. مدرسة الإمام أبي حنيفة، أنشئت بجوار مشهد أبي حنيفة، وأسسها أبو سعد ابن المستوفي، وافتتحت قبل افتتاح المدرسة النظامية بـ5 أشهر [التعليم الإسلامي بين الأصالة والتجديد، ص 351].