الكتاب: المناقب المزيدية في أخبار الملوك الأسدية المؤلف: أبو البقاء هبة الله محمد بن نما الحلي (ت ق ٦هـ) المحقق: (محمد عبد القادر خريسات، صالح موسى درادكة) (كلية الآداب - الجامعة الأردنية) الناشر: مكتبة الرسالة الحديثة، عمان الطبعة: الأولى، ١٩٨٤م عدد الصفحات: ٥٣٣ [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
المكتبة الاسدية مكة تزور” الصغير” في
القصص الأربع
اشتملت السورة على أربع قصص، هي: قصة اصحاب الكهف والرقيم، قصة صاحب الجنتين، قصة موسى والخضر، قصة ذي القرنين، تنوعت أساليبها وسياقتها لكنها تدور حول العلاقة بين الغيب والأسباب، أو بين الإيمان والمادية، فالخالق سبحانه وتعالى هو مسبب الأسباب، ولا يمكن للسبب أن يتخطى الحدود التي رُسمت له، والسبب ليس قيدا على قدرة الله الطليقة، والأسباب وجدت لحكمة، كما أن إبطالها له حكمة، في حين يرى الماديون أن السبب ذو قوة قاهرة. القصص الأربع في السورة تضرب الإيمان بالسببة، وتضرب فكرة اليقين في المادية والمحسوس في جذورها البعيدة في أعماق النفس الإنسانية، وتضع مكانها فكرة الإيمان الكامل بقدرة الله الغالبة في تسيير الكون، فالسبب ليس طليقا في الكون ولكنه مقيد بإرادة الله، كما أنه بجانب الأسباب المادية هناك أسباب معنوية يجب ألا يغفل عنها الإنسان، وهي أسباب لها قوتها وعنفوانها، ومن يؤسس حياته وحضارته وأسس اجتماعه وعمرانه على الأسباب المادية فقط هو متعلق بالزينة والبهرجة، كما أن حركته في الكون ستجد عنتا وعنادا مادام يغفل عن السببية المعنوية والإيمانية. تكشف قصة أصحاب الكهف انتصار الإيمان على الأسباب المادية، فالفتية فروا بلا زاد من المدينة هربا بدينهم عندما وُضعوا أمام الاختيار الصعب: عقيدة بغير حياة أو حياة بغير عقيدة، فاختاروا العقيدة، فأفسح لهم الإيمان الرؤية وأخبرهم أن أرض الله واسعة، فخرج الفتية من المدنية وزينتها، ومن أسباب الحياة وتوفرها، ومن الوطن ودفئه، إلى كهف في البرية لم تلوثه الأنفاس، وعندما نفد زادهم القليل، أخلدوا إلى نوم طويل، فكان التغيير في مدينتهم، فأصبح طرداء الأمس هم أبطال اليوم بإيمانهم" لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ" [4] ، في انتصار الإيمان على المادية، وانهزام الإيمان بالسبب أمام الإيمان برب السبب.
و ما أن حصل الإذن من جلالته بإقامة المبنى حتى سارع باتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك عام 1370هـ، و كان يشرف على البناء بنفسه في كل يوم راغبا في سرعة إنجازه و تحقيق الأمينة التي كان ينشدها برؤية المكتبة العامة مشيدة في موضع مولد النبي صلى الله عليه و سلم. و في يوم من أيام شهر رجب 1370م، ذهب كعادته لرؤية العمارة مصطحبا بعض أصدقائه، و لكنه شعر بألم مفاجئ، و هو واقف في الموقع، فقد فاجأته نوبة قلبية حادة، فأمسك به بعض الحاضرون من أبنائه و أصدقائه، و استدعى له أحد الأطباء، ثم نقل إلى بيته، و في اليوم التالي فارق الحياة، فكانت هذه العمارة التي تمنى أن ينشئها هي الخاتمة السعيدة لحياته، و لقد قام أبناؤه من بعده بإكمال العمل الطيب الذي بدأه والدهم العظيم، كما نقلوا إليها المكتبة/ الماجدية، و سلمت إلى وزارة الحج و الأوقاف، و هي مفتوحة للجميع. نقلا عن كتاب/ أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر للهجرة، للأديب السعودي الكبير/ محمد علي مغربي، الطبعة الأولى 1401هـ - 1981م، من إصدارات إدارة النشر بشركة تهامة.