الوجه الرابع: أن قتل الأولاد إن كان لخوف الفقر فهو سوء ظن بالله ، وإن كان لأجل الغيرة على البنات فهو سعي في تخريب العالم ، فالأول ضد التعظيم لأمر الله تعالى ، والثاني ضد الشفقة على خلق الله تعالى وكلاهما مذموم. والله أعلم. الوجه الخامس: أن قرابة الأولاد قرابة الجزئية والبعضية ، وهي من أعظم الموجبات للمحبة. إعراب قوله تعالى: ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا الآية 31 سورة الإسراء. فلو لم تحصل المحبة دل ذلك على غلظ شديد في الروح ، وقسوة في القلب ، وذلك من أعظم الأخلاق الذميمة ، فرغب الله في الإحسان إلى الأولاد إزالة لهذه الخصلة الذميمة. المسألة الثانية: العرب كانوا يقتلون البنات لعجز البنات عن الكسب ، وقدرة البنين عليه بسبب إقدامهم على النهب والغارة ، وأيضا كانوا يخافون أن فقرها ينفر كفؤها عن الرغبة فيها فيحتاجون إلى إنكاحها من غير الأكفاء ، وفي ذلك عار شديد فقال تعالى: ( ولا تقتلوا أولادكم) وهذا لفظ عام للذكور والإناث ، والمعنى: أن الموجب للرحمة والشفقة هو كونه ولدا ، وهذا المعنى وصف مشترك بين الذكور وبين الإناث. وأما ما يخاف من الفقر من البنات فقد يخاف مثله في الذكور في حال الصغر ، وقد يخاف أيضا في العاجزين من البنين. ثم قال تعالى: ( نحن نرزقهم وإياكم) يعني: أن الأرزاق بيد الله تعالى فكما أنه تعالى فتح أبواب الرزق على الرجال ، فكذلك يفتح أبواب الرزق على النساء.
إعراب قوله تعالى: ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا الآية 31 سورة الإسراء
وقيل: إن النهي للتنزيه، كذا قال ابن القيم، ولو أن امرأة استغنت عن إرضاع ابنها بتغذيته أو رضاعته بالحليب الصناعي فإن ذلك مباح لها، ولا سيما إذا أرادت تفادي الضرر المحتمل.
انتهى كلامه. و لا تقتلوا اولادكم خشية املاق. فالصدع على هذا القول يكون من الرسول لقلوب الكفار بما أوحى الله تعالى إلى نبيه. ثم تأملوا رحمني الله وإياكم في تخصيص الآية للمصدوع به بالأوامر فقط، حيث قال الله تعالى: (بِمَا تُؤْمَرُ)، ولم يقل «وبما تنهى» لأنه لما حذف الجار والمجرور بعد قوله: «تؤمر»، حيث أصل الكلام: «بما تؤمر به»، صار اللفظ دالا على الأوامر والنواهي؛ لأن أوامر الله تعالى لنبيه كانت تقضي بأن يأمر الكافرين باتباع الدين الجديد، وينهاهم عن عبادة الأصنام، والطلب من الرسول بتبليغ الكفار أوامر الله تعالى ونواهيه كلها أوامر للرسول، ولأجل ذلك حسن حذف الجار والمجرور، قلم يقل: «بما تؤمر به»؛ إذ لو قيل ذلك لوجب أن يقال: «وبما تنهى عنه»، وما ينهى الإنسان عنه لا يليق به الجهر. والله أعلم. * مدير الجامعة القاسمية - الشارقة
عناوين متفرقة
المزيد من الأخبار