وقوله: { ادْفَعَ بالتي هي أحسن} يجري موقعُه على الوجهين المتقدمين في عطف جملة { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة}. فالجملة على الوجه الأول من وجهي موقع جملة { ولاَ تَسْتَوي الحسنة ولا السيئة} تخلص من غرض تفضيل الحسنة على السيئة إلى الأمر بخُلق الدفع بالتي هي أحسن لمناسبةِ أَن ذلك الدفع من آثار تفضيل الحسنة على السيئة إرشاداً من الله لرسوله وأمته بالتخلق بخلق الدفع بالحسنى. وهي على الوجه الثاني من وجهيْ موقع جملة { ولاَ تَسْتَوي الحسنة ولا السيئة} واقعة موقع النتيجة من الدليل والمقصدِ من المقدمة ، فمضمونها ناشىء عن مضمون التي قبلها. وكلا الاعتبارين في الجملة الأولى مقتض أن تكون جملة { ادفَع بالتي هي أحْسَن} مفصولة غير معطوفة. وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ- القيادة و آيات من القرآن الكريم ( اليوم 24 ) - YouTube. وإنما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك لأن منتهى الكمال البشري خُلُقُه كما قال: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ". وقالت عائشة لما سئلت عن خلُقه ( كان خلقه القرآن) لأنه أفضل الحكماء. والإحسان كمال ذاتي ولكنه قد يكون تركه محموداً في الحدود ونحوها فذلك معنىً خاص. والكمال مطلوب لذاته فلا يعدل عنه ما استطاع ما لم يخش فوات كمال أعظم ، ولذلك قالت عائشة: «ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلاّ أن تُنتهك حرمات الله فيغضب لله».
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ- القيادة و آيات من القرآن الكريم ( اليوم 24 ) - Youtube
[٤]
العنف المعنوي يقول -تعالى-: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). [٥] نهى الله -عز وجل- عن السخرية لما لها من أثر عظيم في النفوس مهما علا قدر الرجل أو المرأة فليس لأحد أن يسخر من غيره مهما كان بل بيّن الله -عز وجل- أن الشخص الذي سخر الناس منه قد يكون خيرا عند الله ممن سخر به، كما نهى عن التعيير بالألقاب، ما أجملها من آية ترشدنا إلى مجتمع محب، يرحم بعضه بعضا ويقوّم بعضه الآخر دون سخرية أو إيذاء حتى نصل معًا إلى جنة عرضها السماوات والأرض بإذن الله. صور من العنف في المجتمع
سأذكر بعض صور العنف فيما يأتي:
عقوق الوالدين فيه تهديد ووعيد لمن يفعله وهو من أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله -عز وجل-: (الكَبائِرُ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، واليَمِينُ الغَمُوسُ) ، [٦] والكبائر هي الذنوب العظيمة ، ومن خطر عقوق الوالدين تعجيل العقوبة في الدنيا.
{ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [سورة فصلت: 34-36]. سبب نزول الآية:
قال مقاتل: نزلت في أبي سفيان بن حرب، كان مؤذًيا للنبي صلى الله عليه وسلم، فصار له وليًا بعد أن كان عدوا بالمصاهرة التي وقعت بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم فصار وليا في الإسلام حميما بالقرابة. وقيل: هذه الآية نزلت في أبي جهل بن هشام، كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره الله تعالى بالصبر عليه والصفح عنه، وقيل: كان هذا قبل الأمر بالقتال. قال ابن عباس: أمره الله تعالى في هذه الآية بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعل الناس ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم. تفسير الآيات:
{ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} أي فرق عظيم بين هذه وبين هذه، { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه، كما قال عمر رضي اللّه عنه: ما عاقبت من عصى اللّه فيك بمثل أن تطيع اللّه فيه، قال ابن عباس: الحسنة لا إله إلا الله، والسيئة الشرك.