وقال عمر: أمر الأقرع بن حابس. فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي. وقال عمر: ما أردت خلافك. فتماديا حتى ارتفعت أصواتهما ، فنزل في ذلك: يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله - إلى قوله - ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم رواه البخاري عن الحسن بن محمد بن الصباح ، ذكره المهدوي أيضا. الثاني: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يستخلف على المدينة رجلا إذا مضى إلى خيبر ، فأشار عليه عمر برجل آخر ، فنزل: يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ذكره المهدوي أيضا. الثالث: ما ذكره الماوردي عن الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنفذ أربعة وعشرين رجلا من أصحابه إلى بني عامر فقتلوهم ، إلا ثلاثة تأخروا عنهم فسلموا وانكفئوا إلى المدينة ، فلقوا رجلين من بني سليم فسألوهما عن نسبهما فقالا: من بني عامر لأنهم أعز من بني سليم فقتلوهما ، فجاء نفر من بني سليم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إن بيننا وبينك عهدا ، وقد قتل منا رجلان ، فوداهما النبي - صلى الله عليه وسلم - بمائة بعير ، ونزلت عليه هذه الآية في قتلهم الرجلين. الرابع: وقال قتادة: إن ناسا كانوا يقولون لو أنزل في كذا ، لو أنزل في كذا ؟ فنزلت هذه الآية.
يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله الى الذين عاهدتم
ووَصْفُهم ب { الذين آمنوا} جار مجرى اللقب لهم مع ما يؤذِن به أصله من أهليتهم لتلقي هذا النهي بالامتثال. وقد تقدم عند الكلام على أغراض السورة أن الفخر ذكر أن الله أرشد المؤمنين إلى مكارم الأخلاق ، وهي إما في جانب الله أو جانب رسوله صلى الله عليه وسلم أو بجانب الفساق أو بجانب المؤمن الحاضر أو بجانب المؤمن الغائب ، فهذه خمسة أقسام ، فذكر الله في هذه السورة خمس مرات { يا أيها الذين آمنوا} فأرشد في كل مرة إلى مكرمة مع قسم من الأقسام الخمسة إلخ ، فهذا النداء الأول اندرج فيه واجب الأدب مع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تعرض الغفلة عنها. رضي الله عن والتقدم حقيقته: المشي قبل الغير ، وفعله المجرد: قَدُم من باب نصر قال تعالى: { يَقْدُم قومه يوم القيامة} [ هود: 98]. وحق قدم بالتضعيف أن يصير متعدياً إلى مفعولين لكن ذلك لم يرد وإنما يعدّى إلى المفعول الثاني بحرف على. ويقال: قدَّم بمعنى تَقدم كأنه قدّم نفسه ، فهو مضاعف صار غير متعد. فمعنى { لا تقدموا} لا تتقدموا. ففعل { لا تقدموا} مضارع قَدَّم القاصر بمعنى تقدم على غيره وليس لهذا الفعل مفعول ، ومنه اشتقت مقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منه وهي ضد الساقة.
يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله لعنهم
وسبب نزول هذه الآية ما رواه البخاري في «صحيحه» في قصة وفد بني تميم بسنده إلى ابن الزبير قال «قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أمَّرْ عليهم القعقاع بن معبد بن زُرارة. وقال عُمر: بل أمِّر الأقرعَ بن حابس. قال أبو بكر: ما أردت إلاّ خلافي أو إلَى خلافي قال عمر: ما أردت خِلافك أو إلى خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما في ذلك فنزل { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [ الحجرات: 1 ، 2]. فهذه الآية توطئة للنهي عن رفع الأصوات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والجهرِ له بالقول وندائه من وراء الحجرات.
يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله امرا
[ ص: 272] [ ص: 273] [ ص: 274] [ ص: 275] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم ( 1))
يعني - تعالى ذكره - بقوله ( يا أيها الذين آمنوا): يا أيها الذين أقروا بوحدانية الله ، وبنبوة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ( لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) يقول: لا تعجلوا بقضاء أمر في حروبكم أو دينكم ، قبل أن يقضي الله لكم فيه ورسوله ، فتقضوا بخلاف أمر الله وأمر رسوله ، محكي عن العرب: فلان يقدم بين يدي إمامه ، بمعنى يعجل بالأمر والنهي دونه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم بالبيان عن معناه. ذكر من قال ذلك:
حدثنا علي قال: ثنا أبو صالح قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس في قوله ( لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) يقول: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة. حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)... الآية قال: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه. حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن [ ص: 276] أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) قال: لا تفتاتوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء حتى يقضيه الله على لسانه.
يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله والذين
ومنها: أنّ المراد النهي عن التكلّم قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي إذا كنتم في مجلسه وسُئل عن شيء فلا تسبقوه بالجواب حتى يُجيب هو أولاً. منها: لا تقدّموا أقوالكم وأفعالكم على قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعله ولا تمكّنوا أحداً يمشي أمامه. والرأي الأرجح في تفسير التقدُّم على الله ورسوله هو النهي عن التقديم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط في هذه الوجوه الثلاثة الأخيرة مبني على حملهم ذكر الله تعالى مع رسوله في الآية على نوع من التشريف كقوله: أعجبني زيد وكرمه فيكون ذكره تعالى للإشارة إلى أنّ السبقة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أي حال في معنى السبقة على الله سبحانه. الظاهر في أنّ المراد بما بين يدي الله ورسوله هو المقام الذي يربط المؤمنين المتقين بالله ورسوله وهو مقام الحكم الذي يأخذون منه أحكامهم الاعتقادية والعملية.
فَأَعْجَبَهُمْ. فَضَحِكَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم). نعم. ( لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) فخافوا الله في قولكم وفعلكم أن يخالَف أمر الله ورسوله، وعليكم بالاقتداء والاتباع ، وإياكم والابتداع فإن الله سميع لأقوالكم، عليم بنياتكم وأفعالكم. وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَاسًا كَانُوا يَقُولُونَ: لَوْ أُنْزِلَ فِي كَذَا كَذَا، لَوْ صُنِعَ كَذَا، فَكَرِهَ اللَّهُ ذَلِكَ ودعاهم ألا يقدموا بين يدي الله ورسوله. وقال الحسن: هم قوم نحروا قبل أن يصلي النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم( أي صلاة عيد الأضحى)، فأمرهم النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يعيدوا الذبح. أيها المؤمنون
لن يعظم الله تعالى من لم يعظم أمره سبحانه، ولن يوقره تعالى من لم يوقر شريعته عز وجل، ولن يقدره حق قدره من لا يستسلم لحكمه، ولا يخضع لشرعه. ومن حكَّم أهواء الناس على الشرع فهو جاهل بربه مغتر ببشر مثله. والآية تدعوا المؤمنين الى تعظيم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أبو هريرة «يَا ابْنَ أَخِي، إِذَا سَمِعْتَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَضْرِبْ لَهُ مَثَلًا» رواه الترمذي ، فالمؤمن إذا سمع قول الله أو قول رسوله فعليه ألا يقدم رأيه على حكم الله ورسوله ، وفي صحيح مسلم (قال سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ«لاَ تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا ».
(5)
وقوله تعالى: (وهو الذي مرج البحرين هذا عذبٌ فرات وهذا ملحٌ
أجاج وبينهما برزخا وحجرا محجورا). (6) فعلامة لقاء موسى والعبد
الصالح هو (مجمع البحرين). أي مكان يلتقي فيه الماء الحلو بالماء
المالح. ماء النهر يصب في البحر، وهذه العلامة كثيرة الحدوث في
العالم فأينما يكون هناك نهر ماءه حلو ويصب في البحر فهذا المكان
هو مجمع البحرين. في قصة موسى والخضر.. ثلاث صفات.. ومواقف ثلاثة. وقد عبّر الله تعالى عنهما بوصفه لهما بـ (مجمع
بينهما). (7)
اختلف العلماء في مكان (مجمع البحرين). حيث
يرى البعض أنه يعني البلاد الواقعة ما بين البحر المتوسط والخليج
الفارسي، وآخرون قالوا: أنها ما بين البحر الأحمر والخليج
الفارسي، وبعضهم قال ما بين البحر الأحمر والبحر المتوسط. وقال
آخرون في إفريقيا ، وقالوا طنجة وذكروا إنهما بحر الروم وبحر
القلزم. وقال بعضهم أنها البحيرات المرّة وبحيرة التمساح في مصر ،
أو إنه مجمع خليجي العقبة والسويس في البحر الأحمر. من كل هذه
الأقوال نستطيع ان نستخلص أن المكان هو قريب من مصر لأن هذه
المنطقة كانت فعلا مسرح تاريخي لبني إسرائيل وموسى وما ذكره
الكتاب المقدس والقرآن يؤيد ذلك. أن التوراة بكاملها اختفت منها قصة موسى
واختفت كلمة (البحرين) والمصدر الوحيد الذي ذكرها هو سفر يهوديت
حيث ذكر أن البحرين في مصر كما نقرأ: (وجميع الذين في مصر إلى
حدود البحرين).
خطبة عن (الدروس المستفادة من قصة موسى مع الخضر) - خطب الجمعة - حامد إبراهيم
فخجل موسى مرة أخرى، وقال للرجل الصالح إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرًا. فانطلقا حتى ذهبا إلى القرية، فطلبا من سكانها أن يطعمانهما ويستريحان عندهم بعض الوقت؛ فرفضوا أن يعطوهم طعاماً أو شرابًا بلا مقابل. وجد سيدنا الخضر جدارًا مائلاً في تلك القرية، فبدأ في إصلاح الجدار وإقامته، حتى لا يقع، وبعد أن أنهى عمله سار في طريقه. فتعجب موسى من ذلك، وقال له لو تريد تتخذ أجرًا على ما فعلت في الجدار. تفسير مما فعله سيدنا الخضر عليه السلام
فقال له سيدنا الخضر:
قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبرًا سورة الكهف الآية ٧٧
وبدأ يخبره بتفسير ما فعله، وقال له:
أن السفينة كانت ملكًا لرجال مساكين، وهي مصدر طعامهم الوحيد، وكان هناك حاكم طاغي يأخذ أي سفينة سليمة، والتي لا يوجد بها أي عيوب. وكانت تلك السفينة في طريقها إلى شاطئ الملك الظالم، فأراد الله أن ينجي السفينة لأصحابها، فأمرنى بفعل ذلك للسفينة، فتمر من أمام الملك ويدعها بعيبها فلا يأخذها. خطبة عن (الدروس المستفادة من قصة موسى مع الخضر) - خطب الجمعة - حامد إبراهيم. وأما الغلام، فكان الغلام كافر، ووالديه صالحان، فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفراً. وأراد الله أن يعوضهما بطفل خيرٍ منه، ويكون باراً لهما ومؤمناً، لذا قم بقتله وذلك من حكمة ربي.
مجمع البحرين ونبع الحياة. اسباب اختفاء قصة موسى والخضر من التوراة.
ولعله تنبيه لموسى على قتل القبطي؛ الذي لم يؤمر بقتله، وأن من ورائه سراً إلهياً لا يعلمه موسى، وربما لو عاش لأرهق من حوله طغياناً وكفراً أو كان عائقاً عن دعوة الحق، وهذا يُخفف من لوعة موسى من تلك الفعلة، وربما يَحدُث العكس فيسبق الأجل إلى إنسان رحمةً به ولطفاً: « وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ » (رواه الترمذي). في قصه موسي والخضر حوله كان السوال الثالث. لم يصبر موسى على إقامة الجدار بغير أجرة لغلامين يتيمين من أهل قرية أبوا أن يضيفوهما، وهذا نظير ما فعله موسى للفتاتين الضعيفتين في أرض مدين وكان أبوهما (مِنَ الصَّالِحِينَ)، حيث كان موسى غريباً طارئاً لم يجد الحفاوة، ولذا دعا ربه: { رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (24:القصص).. وكان خاتمة اللقاء بينهما هذا الموقف الذي يختلف عن سابقيه بأن للنفس فيه بعض الحظ، ولذا أعلن الخضر أنه ختام الرحلة وآية الفراق! تنجو سفينة من ظلم ظالم لعطبٍ مفتعل في طرفها، ويموت غلام بقدرٍ وهو بريء زكي في نظر العين، ويحفظ كنز لآخرين بتسخير قدري، ويظل العقل قادراً على استيعاب وجود أسرار ومقاصد لا تبدو لأول وهلة، وربما يتأخر الإفصاح عنها لجيل كامل، ويظل العقل عاجزاً عن فهم بعض التفصيلات الخفية وراء الأحداث المؤلمة وقت حدوثها.
في قصة موسى والخضر.. ثلاث صفات.. ومواقف ثلاثة
ومن الفوائد: أن السبب الكبير لحصول الصبر، إحاطة الإنسان علما بذلك الأمر الذي أمر بالصبر عليه. ومما يستفاد: أن الناسي غير مؤاخذ بنسيانه، لقوله: ( لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ) [الكهف:73]. ومن الفوائد: القاعدة الكبيرة وهي أنه: "يدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الصغير"، ويراعى أكبر المصلحتين، بتفويت أدناهما؛ كما في خرق السفينة لتسلم من غصب الملك الظالم للسفن السليمة، وقتل الغلام شر، ولكن بقاءه حتى يفتن أبويه عن دينهما أعظم شرا منه. مجمع البحرين ونبع الحياة. اسباب اختفاء قصة موسى والخضر من التوراة.. ومن الفوائد: أن العبد الصالح يحفظه الله في نفسه، وفي ذريته. ومما نستفيده: وجوب التسليم لكل ما جاء به الشرع، وإن كان بعضه لا تظهر حكمته للعقول. ومن الفوائد: استحباب ابتداء الإنسان بنفسه في الدعاء: "رحمة الله علينا وعلى موسى". ومما يستفاد: أن هذه القضايا التي أجراها الخضر هي قدر محض أجراها الله وجعلها على يد هذا العبد الصالح، ليستدل العباد بذلك على ألطافه في أقضيته، وأنه يقدّر على العبد أمورا يكرهها جدا، وهي صلاح دينه، كما في قضية الغلام، وقد يقدر على العبد أمورا يكرهها جدا وهي صلاح دنياه، كما في قضية السفينة، فأراهم نموذجا من لطفه وكرمه، ليعرفوا ويرضوا غاية الرضا بأقداره المكروهة للنفس.
قال: أقتلتَ نفسًا زكيةً بغير نفسٍ؟ لقد جئتَ شيئًا نُكرًا! قال: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا؟ قال: إن سألتُك عن شيءٍ بعدها فلا تُصاحِبْني. قد بلغتَ من لدُنِّي عُذرًا. قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: " رحمةُ اللهِ علينا وعلى موسى! لولا أنه عجِل لرأى العجَبَ. ولكنه أخذتْه من صاحبِه ذَمامةٌ "، أي: استحياء؛ لتكرار مخالفته. فانطلقا، حتى إذا أتَيا أهلَ قريةٍ لِئامًا فطافا في المجالسِ فاستطعَما أهلَها فأبَوا أن يُضيِّفوهما، فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضَّ فأقامه، قال: لو شئتَ لاتَّخذتَ عليه أجرًا! قال: هذا فِراقُ بيني وبينك! وأخذ بثوبِه. قال: سأنَبِّئُك بتأويلِ ما لم تستطعْ عليه صبرًا: أما السفينةُ فكانت لمساكينَ يعملون في البحرِ. إلى آخر الآيةِ. فإذا جاء الذي يُسخِّرها وجدَها مُنخرقةً فتجاوزها فأصلحوها بخشبةٍ. وأما الغلامُ فطُبِعَ يومَ طُبِعَ كافرًا، وكان أبواه قد عَطفا عليه، فلو أنه أدرك أرهقَهما طُغيانًا وكفرًا، فأردْنا أن يُبدِلَهما ربُّهما خيرًا منه زكاةً وأقربَ رُحْمًا. وأما الجدارُ فكان لغلامَين يتيمَين في المدينةِ، وكان تحتَه.... إلى آخر الآية. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " يرحم الله موسى!