فأخبر تعالى أن هذه الأمور لا تغني عن المجرمين في الآخرة، وإن أغنت عنهم شيئاً من الغَناء في الدنيا. أما الآية الثانية فإن الفائدة في تقديم (الفدية) على نفع الشفاعة، هي أنه لما قال: { واتقوا يوما}، ومعناه ما تقدم، عقبه بنفي (الفداء)؛ لأن النفس تجزي عن النفس بفداء مؤقت، يرتهن عنها مدة معلومة، ولا يكون بعد ذلك (فداء)، يفك الرهن، ويخلصه من التبعات، فيكون معنى: { لا تجزي}: لا تغني عنها بـ (فداء) محصور مؤقت، ولا بـ (فداء) يخلصها على وجه الدهر، ويكون بعد ذلك: { ولا تنفعها شفاعة} معناه: ولا تخفف مسألة من عذابها، ولا يُنقِّص شفيع من عقابها، { ولا هم ينصرون}، وهو الوجه الرابع، الذي تقدم ذكره في معنى الآية السابقة. الاتجاه الثاني: ذكره أبو حيان في "تفسيره"، قال: لما كان الأمر مختلفاً عند الناس في (الشفاعة) و(الفدية)، فمن يغلب عليه حب الرياسة، قدم (الشفاعة) على (الفدية)، ومن يغلب عليه حب المال، قدم (الفدية) على (الشفاعة)، فقُدمت (الشفاعة) في الآية الأولى، وقدمت (الفدية) على (الشفاعة) في الآية الأخرى؛ ليدل ذلك على اختلاف الأمرين. ص193 - كتاب تفسير القرآن الكريم اللهيميد من الفاتحة إلى النساء - وأسباب النجاة من كرب يوم القيامة كثيرة - المكتبة الشاملة. وبُدئ بـ (الشفاعة) في الآية الأولى؛ لأن ذلك أليق بعلو النفس. وجاء في الآية الأولى بلفظ (القبول) = { ولا يقبل}، وفي الأخرى بلفظ (النفع) = { ولا تنفعها}؛ إشارة إلى انتفاء أصل الشيء، وانتفاء ما يترتب عليه.
- Quran-HD | 002048 واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة | Quran-HD
- ص193 - كتاب تفسير القرآن الكريم اللهيميد من الفاتحة إلى النساء - وأسباب النجاة من كرب يوم القيامة كثيرة - المكتبة الشاملة
- فضل لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
- سبحانك ربي اني كنت من الظالمين
Quran-Hd | 002048 واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة | Quran-Hd
تفسير قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا ﴾
قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة: 48]. ذكَّرهم عز وجل بنعمه وفضله عليهم؛ ليشكروه، ثم حذَّرهم نقمه وعذابه يوم القيامة. قوله: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا ﴾ معطوف على ما قبله، من عطف التحذير على التذكير بالنعمة، وخاصة نعمة تفضيلهم على العالمين؛ لئلا يغترُّوا بأنه تفضيل ذاتي لا يضر معه التقصيرُ في العمل الصالح، فحذَّرهم من ذلك.
ص193 - كتاب تفسير القرآن الكريم اللهيميد من الفاتحة إلى النساء - وأسباب النجاة من كرب يوم القيامة كثيرة - المكتبة الشاملة
﴿ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾: قدم المسند إليه؛ تأكيدًا وتحقيقًا لانتفاء نصرهم، إضافة لنفي الفعل وإسناده للمجهول؛ أي: ولا أحد ينصرهم ويمنعهم من عذاب الله، ويدفعه عنهم، لا من أنفسهم، ولا من غيرهم، كما قال تعالى: ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ﴾ [الصافات: 25، 26]. وجاء الكلام في قوله: ﴿ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ بصيغة الجمع مع أن مرجعه في السياق مفرد باعتبار المعنى، فمعنى ﴿ لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ ﴾؛ أي: لا تجزي نفس أيًّا كانت، عن نفس أيًّا كانت، إضافة إلى ما في ذلك من مراعاة فواصل الآيات. فلا نجاة من أهوال ذلك اليوم وعذابه إلا بتقوى الله؛ بفعل ما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه، ولا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه. فلا نفس تغني عن نفس شيئًا، ولا تشفع لها، ولا عدل يؤخذ منها ولا فدية مقابل الخلاص، ولا أحد ينصرهم؛ مما يوجب التعلُّقَ بالله وحده، والفرار إليه دون سواه. المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »
[1] أخرجه البخاري في الوصايا (2753)، ومسلم في الإيمان (206)، والنسائي في الوصايا (3646) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [2] البيت لمسكين الدارمي. انظر: "ديوانه" ص29.
اهـ[2]. ﴿ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ﴾ قال الشنقيطي في التفسير بتصرف:
ظاهر هذه الآية عدم قبول الشفاعة مطلقا يوم القيامة، ولكنه بين في مواضع أخر أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار، والشفاعة لغيرهم بدون إذن رب السماوات والأرض. أما الشفاعة للمؤمنين بإذنه فهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع. فنص على عدم الشفاعة للكفار بقوله: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) [21 \ 28]، وقد قال: (ولا يرضى لعباده الكفر) [39\7]، وقال تعالى عنهم مقررا له: (فما لنا من شافعين) (26 \ 100). ثم قال:
وقال في الشفاعة بدون إذنه: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) [2 \ 255]، وقال: (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا) [20 \ 109] إلى غير ذلك من الآيات. وادعاء شفعاء عند الله للكفار أو بغير إذنه، من أنواع الكفر به جل وعلا، كما صرح بذلك في قوله: (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض) [10 \ 18]. ثم نبه -رحمه الله- فقال:
هذا الذي قررناه من أن الشفاعة للكفار مستحيلة شرعا مطلقا، يستثنى منه شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب في نقله من محل من النار إلى محل آخر منها، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح، فهذه الصورة التي ذكرنا من تخصيص الكتاب بالسنة.
وهذه المغاضبة كانت صغيرة. ولم يغضب على الله ولكن غضب لله إذ رفع العذاب عنهم. وقال ابن مسعود: أبق من ربه أي من أمر ربه حتى أمره بالعود إليهم بعد رفع العذاب عنهم. فضل لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين. فإنه كان يتوعد قومه بنزول العذاب في وقت معلوم ، وخرج من عندهم في ذلك الوقت ، فأظلهم العذاب فتضرعوا فرفع عنهم ولم يعلميونس بتوبتهم ؛ فلذلك ذهب مغاضبا وكان من حقه ألا يذهب إلا بإذن محدد. وقال الحسن: أمره الله تعالى بالمسير إلى قومه فسأل أن ينظر ليتأهب ، فأعجله الله حتى سأل أن يأخذ نعلا ليلبسها فلم ينظر ، وقيل له: الأمر أعجل من ذلك - وكان في خلقه ضيق - فخرج مغاضبا لربه ، فهذا قول وقول النحاس أحسن ما قيل في تأويله. أي خرج مغاضبا من أجل ربه ، أي غضب على قومه من أجل كفرهم بربه. وقيل: إنه غاضب قومه حين طال عليه أمرهم وتعنتهم فذهب فارا بنفسه ، ولم يصبر على أذاهم وقد كان الله أمره بملازمتهم والدعاء ، فكان ذنبه خروجه من بينهم من غير إذن من الله. روي عن ابن عباس والضحاك ، وأن يونس كان شابا ولم يحمل أثقال النبوة ؛ ولهذا قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ولا تكن كصاحب الحوت. وعن الضحاك أيضا خرج مغاضبا لقومه ؛ لأن قومه لما لم يقبلوا منه وهو رسول من الله - عز وجل - كفروا بهذا فوجب أن يغاضبهم ، وعلى كل أحد أن يغاضب من عصى الله - عز وجل -.
فضل لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
هكذا قال شيخُ الإسلام ابن تيمية، يعني: هو يُعلل هذه الصِّيغة؛ لأنَّه ليس فيها سؤالٌ صريحٌ، يقول: ربّ اغفر لي، ظلمتُ نفسي، فاغفر لي. وإنما يقول: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، أي: أنا من الظَّالمين بخروجي من بين قومي قبل أن تأذن لي بذلك، فاستجاب الله له؛ فألقاه الحوتُ، وحصل له ما حصل مما قصَّ الله -تبارك وتعالى- من خبره. فهذا الدُّعاء -أيّها الأحبّة- يتضمن معانٍ عظيمة في التوحيد؛ ففيه من كمال التوحيد والتَّنزيه للربِّ -تبارك وتعالى-، كما يقول الحافظُ ابن القيم -رحمه الله-: واعتراف العبد بظُلمه وذنبه ما هو أبلغ أدوية الكرب والهمِّ والحزن والغمِّ، وأبلغ الوسائل إلى الله تعالى في قضاء الحوائج؛ فإنَّ التوحيد والتَّنزيه يتضمّنان إثبات كل كمالٍ لله، وسلب كل نقصٍ وعيبٍ وتمثيلٍ عنه، والاعتراف بالظُّلم يتضمّن إيمان العبد بالشَّرع والثَّواب والعقاب؛ لأنَّ هذا الظلم هو خروج عن الشَّرع والثواب والعقاب؛ فإنَّ الظلم يكون سببًا للعقوبة [15]. لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين من قالها - موسوعة. يقول: ويُوجِب انكساره ورجوعه إلى الله، واستقالة العثرة، والاعتراف بالعبودية، والافتقار إلى المعبود . يقول: فهنا أربعة أمورٍ قد وقع التَّوسل بها: التوحيد، والتَّنزيه، والعبودية، والاعتراف [16].
سبحانك ربي اني كنت من الظالمين
قصة دعاء سيدنا يونس في بطن الحوت
ما هي قصص لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؟
أرسل الله الأنبياء إلى الأقوام لدعوتهم للحق، وأرسل سبحانه وتعالى سيدنا يونس لقومه وهم أهل قرية (نينوى)؛ وهي إحدى قرى الموصل، والذين تمادوا في كفرهم وطغيانهم، فخرج سيدنا يونس ووعدهم غاضبًا بالعذاب الشديد، ولما وقع بهم العذاب تأكّدوا من صدقه وخرجوا للصحراء وطلبوا العفو والمغفرة من الله تعالى. [٥]
رحل سيدنا يونس عن قومه وركب السفينة التي كادت أن تغرق به وبمن معه، فاقترحوا تخفيف الحمل وإلقاء أحد الأشخاص، فوقع الاختيار بعد القرعة على سيدنا يونس، فقام بإلقاء نفسه في البحر، فالتقم الحوتُ الكبير يونسَ عليه السلام، وحينما كان يونس عليه السلام في ظلمات البحر والظلمات في بطن الحوت، لم يفقد الأمل بالله تعالى، واستنجد واستغاث به سبحانه وتعالى، فهو لا تخفى عليه خافية في السماء والأرض، وكرر دعاء "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" حتى فرج الله شدته، ومنحه الله تعالى النجاة وخلصه من بطن الحوت. [٥]
المراجع
↑ "{أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}" ، saaid ، 12-10-2019، اطّلع عليه بتاريخ 12-10-2019.
ظل يونس عليه السلام يدعو قومه لمدة 33 عامًا، ومع ذلك لم يؤمن معه سوى رجلين فقط، ليصيبه في النهاية اليأس ظل يونس عليه السلام يدعو قومه لمدة 33 عامًا، ومع ذلك لم يؤمن معه سوى رجلين فقط، ليصيبه في النهاية اليأس من استكبارهم وعتوهم، بعد أن سلك معهم كل الوسائل والطرق المعينة
على إقناعهم بدعوتهم، فتركهم غاضبًا، وهجر بلدتهم، ظنًا أن الله لن يحاسبه على ذلك،
بعد أن استخدم كل الوسائل لدعوة قومه لله، ولم يستجب أحد لدعوته. ما إن غادر يونس،
قومه، حتى ظهر غضب الله عليهم، فهلت السُّحب السوداء، وغشيهم دخانها، واسودت
سطوحهم، فأيقنوا أن عذاب الله -تعالى- آت لا مفر منه، فخافوا ووجِلوا، وبحثوا عن
يونس عليه السلام؛ من أجل أن يهديهم طريقة التوبة والإنابة، لكنهم لم يجدوه. لم يجدوا أمامهم
سوى الذهاب إلى شيخ كبير، يساعدهم في إخراجهم مما أصابهم، فأخذ بأيديهم إلى طريق
التوبة إلى الله تعالى، فجمعوا كبيرهم وصغيرهم، وذكرهم وأنثاهم، وحيواناتهم جميعًا،
ثمّ جعلوا على رءوسهم الرماد، ولبسوا المسوح من اللباس؛ تواضعًا لله سبحانه، ثمّ
أقبلوا عليه في هذا الحال في مشهد عظيم، ضارعين له أن يصرف عنهم العذاب، ويتوب
عليهم، فتاب الله -تعالى- عليهم، وقبل إيمانهم بعد كل هذا الكفر والعِناد.