[٦]
فيقول: "ولا نظن الواسطيّ بنى إلّا على ما ابتدأه الجاحظ، كما بنى عبد القاهر في دلائل الإعجاز على الواسطي"، وهذا الكلام ينمّ على اطّلاع الرافعي على بعض المصادر التي تشير -ربّما- إلى تأثّر عبد القاهر الجرجاني بالواسطي، وكذلك ممّن سبق عبد القاهر إلى فكرة النظم إمام اللغة الجاحظ في كتابه "إعجاز القرآن بالنظم"، ولكنّ هذا الكتابَ مفقودٌ أيضًا ولم يصل إلى الناس. [٦]
وأيضًا ممّن سبق الإمام عبد القاهر إلى نظرية النظم أو فكرة النظم عمومًا أبو هلال العسكري في كتابه "الصّناعتين" عندما أفرد بابًا لبيان الإعجاز بالنظم وهو الباب الرابع وهو بعنوان: "في البيان عن حسن النظم وجودة الرصف والسبك، وخلاف ذلك"، وكذلك كان ممّن سبق الإمام عبد القاهر القاضي عبد الجبار المعروف بالقاضي عبد الجبّار المعتزلي. [٦]
فيمكن القول إنّ فكرة النظم قد ظهرت كأوضح ما تكون في الصراع الذي ظهر في وقتٍ تمازجت فيه الثقافات، فظهرت طائفةٌ تدافع عن الفلسفة اليونانيّة التي قد دخلت إلى الثقافة العربيّة منذ وقت ليس ببعيد، وفي المقابل ظهرت طائفةٌ أخرى تدافع عن التراث العربي بشراسة، وأكبر الأمثلة على هذا الصراع المناظرة التي حدثت بين أبي سعيد السيرافي النَّحْوي من جهة وبين متى بن يونس من جهة أخرى، وكان ذلك في مجلس الوزير المعروف الفضل بن جعفر بن الفرات.
تلخيص كتاب دلائل الإعجاز عبد القاهر الجرجاني
عبد الحميد هنداوي
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت
الطبعة: الأولى،١٤٢٢هـ - ٢٠٠١ م
عدد الصفحات: ٣٦٤
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] الجرجاني، عبد القاهر (٤٠٠ - ٤٧١هـ، ١٠١٠ - ١٠٧٨م). وُلِدَ وتوفي في جرجان. تتلمذ على أبي الحسين بن عبد الوارث، ابن أخت أبي علي الفارسي، وكان يحكي عنه كثيرًا، لأنه لم يلق شيخًا مشهورًا في العربية غيره لعدم خروجه من جرجان في طلب العلم. ويُعد عبد القاهر واحدًا من الذين تفخر بهم الحضارة الإسلامية في مجال الدرس اللغوي والبلاغي، إذ تقف مؤلفاته شامخة حتى اليوم أمام أحدث الدراسات اللغوية، ويُعد كتابه دلائل الإعجاز قمة تلك المؤلفات؛ حيث توصل فيه إلى نظريته الشهيرة التي عُرفت باسم نظرية التعليق أو نظرية النظم، التي سبق بها عصره، ومازالت تبهر الباحثين المعاصرين، وتقف نداً قويًا لنظريات اللغويين الغربيين في العصر الحديث. أراد عبد القاهر بكتابه دلائل الإعجاز أن يرد على من كانوا يرجعون إعجاز القرآن إلى الألفاظ، ورفض أن يكون الإعجاز راجعًا إلى المفردات أو حتى معانيها؛ أو جريانها وسهولتها وعذوبتها وعدم ثقلها على الألسنة. كما رفض أن يكون الإعجاز راجعًا إلى الاستعارات أو المجازات أو الفواصل أو الإيجاز، وإنما رد إعجاز القرآن إلى حسن النظم.
الشيخ عبد القاهر الجرجاني
فقد كانت تلك التصانيف في كل موضوع تقريبا ومن أمثلة تصانيفه (العمدة) في التصريف و (الجُمل) في النحو و (المغنى) في شرح الإيضاح في ثلاثين مجلدا. اختصره في شرح آخر سماه ( المقتصد) في شرح الإيضاح، ومن تصانيفه الأخرى (إعجاز القرآن) و (العوامل المئة) في النحو و (الكبير و الصغير) في إعجاز القرآن و (التلخيص) وهو شرح لكتاب الجمل و (التتمة) في النحو أيضا وله كتاب في العروض. ولا يفوتنا ان نذكر (دلائل الإعجاز) و (أسرار البلاغة) وهما من أنفس الكتب في البلاغة العربية، ويشهد لها التاريخ بذلك ويمثلان منهج عبد القاهر الجرجاني الأدبي النقدي أصدق تمثيل. وبعد ان أخذت شيئاً من حياة الإمام عبد القاهر الجرجاني تناولت القراءة النقدية عنده وكان ذلك في خمسة مباحث. المبحث الأول تحدثت فيه عن الجانب الأخلاقي ، والثاني تكلمت فيه على الصورة، والثالث تحدثت عن اللفظ والمعنى، والرابع تحدثت عن التخييل والتصوير، والخامس عن الذوق وتحليل النصوص وقد ملت في ذلك كله الى الاختصار ما استطعت إلى ذلك سبيلا مراعاة مني للوقت والمجال الذي أكتب فيه فما أجهل اني محدد في مثل هذا المقام وأترك الاطالة الى وقت لاحق ان شاء الله تعالى. والله أسأل ان يوفقنا فيما نقول وفيما نعمل ، ربنا عليك توكلنا واليك أنبنا واليك المصير.
عبد القاهر الجرجاني بلاغته ونقده Pdf
وترك الجرجاني آثاراً مهمة في الشعر والأدب والنحو وعلوم القرآن، من ذلك ديوان في الشعر وكتب عدة في النحو والصرف منها أهمها: كتاب "الإيضاح في النحو" وكتاب "الجمل"، أما في الأدب وعلوم القرآن فكان له "إعجاز القرآن" و"الرسالة الشافية في الإعجاز" ، هذا بالإضافة إلى "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" الذي أورد فيهما معظم آرائه في علوم البلاغة العربية. منهجه العلمي
تبحّر الجرجاني في علوم النحو واللغة والبلاغة، ووضع "الرسالة الشافية في الإعجاز" لتأكيد عمله المنهجي في هذا الموضوع المهم، وخالف رأي الكثيرين في الإعجاز، حين زعموا أن إعجاز القرآن، إنما هو "بالصرفة"، أي ان الله صرف العرب عن مضاهاة القرآن، فدفع هذه الفكرة بقوة وإصرار، وألح على تبيان فسادها في مؤلفاته عن الإعجاز، معتبراً ان إعجاز القرآن ليس "بالصرفة"، وانما هو في فصاحته وبلاغته. ويرى الجرجاني أن الفصاحة والبلاغة، هما مصدر الإعجاز في القرآن، لا عن طريق تخير الألفاظ ولا الموسيقا ولا الاستعارات وألوان المجاز، وإنما عن طريق النظم، اذ ان نظم القرآن وتأليفه، هما مصدر الإعجاز فيه، ويقول الجرجاني: "فإذا بطل الذي أعجزهم من القرآن في شيء مما عددناه.. لم يبق إلا ان يكون في النظم والتأليف".
ثم عرض بعدها مآخذ الشبه في الاستعارة حسب الأصول ، ذاكرا الأصل الأول وهو أخذ الشبه من المحسوس للمعقول ، والأصل الثاني وهو الشبه من المحسوس لمثله ، والثالث وهو الشبه من المعقول للمعقول ، موردا ألوانا من الصور التي حفل بها الشعر العربي لكل أصل فذكر في باب تشبيه المعقول بالمعقول ، نموذج تنزيل الوجود منزلة العدم والتعبير عن شدة الأمر وخمول الذكر بالموت ، وقولهم في القناعة إنها الغنى وقولهم في غنى البخيل إنه فقر ، وقد اعترض الجرجاني على بعضها خاصة تنزيل الوجود منزلة العدم الذي لم يعدده تشبيها. فرق الجرجاني بين حقيقة التشبيه والتمثيل ، وذكر أقسام التشبيه كالحاصل بضرب من التأويل ، موردا عددا من تشبيهات ابن المعتز وتمثيلاته ، مفرقا بين الشبه العقلي المنتزع من جملة أمور والشبه المأخوذ مما بين شيئين وأكثر ، ثم ساق أحوال التمثيل ومواقعه في التأثير في الوعظ والحكمة والنفس ليبرهن على زيادة تأثيره بالمشاهدة مع التفريق بين التمثيل الغامض والتعقيد المحوج إلى فكرة، ثم فصل الكلام في التشبيه الإجمالي والتفصيلي والغريب النادر والمركب التخييلي والمتعدد والمركب والمعقود على الجمع والتشبيه المنعكس. عرض صاحب أسرار البلاغة ما يصلح للاستعارة ومالا يصلح لها وأن كل تشبيه قد لا يصلح للاستعارة مفصلا فيما قد يصلح فيه التشبيه الظاهر ولا تصلح فيه الاستعارة والمبالغة ، وقسم المعاني إلى ماهو عقلي وما هو تخييلي موردا فصلا خاصا عن المقولة الشهيرة: أعذب الشعر أكذبه مفصلا فيها الشرح من الناحية البلاغية مع إيراد مقابلها أعذب الشعر أصدقه.