والعجيب أن عطاء بن أبي رباح -رحمه الله- مع أنه من أعلم الناس بالمناسك إلا أنك إذا نظرت في بعض المنقول عنه في أحكام المناسك لربما لو قال بها قائل اليوم لرماه الناس بالجهل. ودعنا من عطاء ، لو جاءك إنسان وقال لك: فلان أفتاني بأن المبيت في مزدلفة سنّة، ماذا تقول؟ ماذا ستقولون؟ أنا أظن أن العبارات لا يمكن أن تذكر في المسجد، طبعاً بعض أهل العلم يقول: المبيت بمزدلفة ركن، وبعضهم يقول: واجب، وهذا هو الراجح، لكن أن يقال سنة فلا. فأقول: نحتاج إلى مراجعة طريقة نظرنا وحكمنا على الأشياء وتفكيرنا، المشكلة أننا نكون سمعنا قولاً واحداً، ثم بعد ذلك ليس عندنا أي استعداد أن نسمع غيره، أبداً. لو جاءك إنسان وقال لك الآن: صيام يوم عرفة بالنسبة للحاج، ما حكمه؟ قلتَ له: ليس ذلك من السنة، والنبي ﷺ أفطر، وكذلك الخلفاء الأربعة. فقال لك: سألت فلانا، فقال: من السنة أن تصوم وأنت في عرفة، إلا إن كان في ذلك مشقة، كأيام الصيف، وأما في الشتاء فإن السنة أن يصام، ماذا ستقول؟
عطاء بن أبي رباح يقول: من السنة صيام عرفة بعرفة، إلا إن شق عليه، وفي بعض الروايات عنه قال: إذا كان في الشتاء صام.
- عطاء بن أبي رباح (نشأته - انجازاته في خدمة الإسلام) - الموقع الرسمي للدكتور علي الربيعي
- عطاء بن أبي رباح| قصة الإسلام
- عَطَاءُ بن أبي رَبَاحٍ | صور من حياة التابعين
عطاء بن أبي رباح (نشأته - انجازاته في خدمة الإسلام) - الموقع الرسمي للدكتور علي الربيعي
فضحكت منه, وقلت لأبي:
من هذا؟
فقال: أسكت, هذا سيد فقهاء الحجاز عطاء بن أبي رباح…. فلما قرب منا نزل أبي عن بغلته, ونزل هو عن حماره, فاعتنقا وتساءلا, ثم عادا فركبا, وانطلقا حتى وقفا على باب قصر هشام بن عبد الملك
فما إن استقر بهما الجلوس حتى أذن لهما, فلما خرج أبي قلت له:
حدثني بما كان منكما, فقال:
لما علم هشام أن عطاء بن أبي رباح بالباب, بادر [ سارع] فأذن له-و و الله ما دخلت إلا بسببه-فلما رآه هشام قال:
مرحباً مرحباً…
ههنا ههنا …. ولا زال يقول له:
ههنا ههنا…. حتى أجلسه معه على سريره, ومس بركبته ركبته…. وكان في المجلس أشراف الناس, وكانوا يتحدثون فسكتوا. ثم أقبل عليه هشام وقال:
ما حاجتك يا أبا محمد؟
قال: ياأمير المؤمنين, أهل الحرمين … أهل الله وجيران رسوله صلى الله عليه وسلم
تقسّم عليهم أرزاقهم وأعطياتهم…
فقال: نعم…
ياغلام اكتب لأهل مكة والمدينة بعطاياهم وأرزاقهم لسنة. ثم قال:هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟
فقال:نعم يا أمير الؤمنين, أهل الحجاز وأهل نجد أصل العرب, وقادة الإسلام, ترد فيهم فضول صدقاتهم…
فقال: نعم … ياغلام اكتب بأن ترد فيهم فضول صدقاتهم. هل من حاجة غير ذلك يا أبا محمد؟
قال:نعم يا أمير المؤمنين.
عطاء بن أبي رباح| قصة الإسلام
فقال سليمان لولده:
هذا الذي رأيته – يا بني – ورأيت ذلنا بين يديه هو عطاء بن أبي رباح صاحب الفُتيا في المسجد الحرام……. ووارث عبد الله بن عباس في هذا المنصب الكبير. ثم أردف يقول: يا بني … تعلموا العلم …
فبالعلم يشرف الوضيع…
وينبه الخامل…
ويعلوا الأرقاء على مراتب الملوك…. لم يكن سليمان بن عبد الملك مبالغا فيما قاله لابنه في شأن العلم. فقد كان عطاء بن أبي رباح في صغره عبداً مملوكاً لامرأة من أهل مكة. غير أن الله جل وعز أكرم الغلام الحبشي بأن وضع قدميه منذ نعومة أظفاره [ أي منذ طفولته] في طريق العلم, فقسم وقته أقساماً ثلاثة:
قسم جعله لسيدته, يخدمها فيه أحسن ما تكون الخدمة, ويؤدي لها حقوقها عليه أكمل ما تؤدى الحقوق. وقسم جعله لربه, يفرغ فيه لعبادته أصفى ما تكون العبادة وأخلصها لله عز وجل. وقسم جعله لطلب العلم, حيث أقبل على من بقي حيا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وطفق ينهل من مناهلهم الثرة [ الغزيرة] الصافية. فأخذ عن أبي هريرة, وعبد الله بن عمر, وعبد الله بن العباس, وعبد الله ابن الزبير, وغيرهم من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم, حتى امتلأ صدره علما وفقها ورواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عَطَاءُ بن أبي رَبَاحٍ | صور من حياة التابعين
روى أبو نعيم عن عطاء بن أبي رَباحٍ، قال: ما قال عبدٌ قط: يا رب يا رب يا رب ثلاث مراتٍ إلا نظر الله إليه، قال: فذكرت ذلك للحسن، فقال: أما تقرؤون القرآن: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ [آل عمران: 193 - 195]. قال عطاء بن أبي رَباحٍ في قوله تعالى: ﴿لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [النور: 37]: لا يُلْهيهم بيعٌ ولا شراءٌ عن مواضع حقوق الله التي فرضها الله تعالى عليهم أن يؤدوها في أوقاتها. قال عطاء بن أبي رَباحٍ في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ [النور: 2] قال: ذلك في إقامة الحد عليهما. قال عطاء بن أبي رَباحٍ: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [النمل: 48]، قال: كانوا يُقرضون الدراهم".
أنت قد لا تتصور أذواق الناس، هل تعلمون أن الصينيين إذا نظروا إلينا ضحكوا، تدرون لماذا؟ هم يرون أننا نتشابه، ويستغربون كيف يفرق بعضُنا البعضَ الآخر، -ونحن لا نتشابه، وقد رأينا هذا في الجامعة الإسلامية، طلاب عند المسجد النبوي، يقول: أهلاً يا شيخ إبراهيم، ويعانقك، يقول لك: أنت تشبهه تماماً، ثم إذا اكتشفت من هو هذا الشيخ إبراهيم فإذا بينك وبينه بعد المشرقين. ونحن نقول لهم أنتم تتشابهون، وهم يقولون: ليس بيننا شبه، وأنا أستغرب كيف يعرفون المجرم؟!. فأذواق الناس تختلف تماماًَ، من الناس من تتحرك غريزته بالرائحة، ومنهم بالصوت، ومنهم بجرس الكلام، ومنهم من يكون بالبدن، ومنهم بالوجه، ومنهم بغير ذلك، فكل إنسان له ذوقه في الجمال ونظرته الخاصة، وقد كتب في هذا كاتبون، وذكروا وعبروا فيه عما يرونه هم من مواصفات الجمال، فبعضهم يستهويه حجم المرأة فقط وهيئتها، بغض النظر عن شيء آخر، وبعضهم الذي يستهويه هو وجهها وحسنها، ومنهم من يستهويه أمور أخرى. فليس للمرأة أن تلبس عباءة إلى الكعبين، فإن هذا الجورب يصف حجم رجلها، ويعلق به، ويلصق به، وبالتالي لا يكون ذلك ستراً وحجاباً، وإنما المقصود أن تغطي أقدامها، فلا تُرى هذه الأقدام طويلة أو قصيرة.
· رحم الله الإمام، وجزاه الله عنا وعن الإسلام خيراً بما سطرً في صفحات حياته البيضاء والتي ملأها بأعمال البر والخير وتعلم العلم النافع وتعليمه للناس.. وحقاً.. لقد عاش سيداً في الناس بعلمه وزهده، وعبادته وخشيته، وتقواه وورعه، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.