وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَجَمَاعَةٌ: هَذَا خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، يَقُولُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا أَيْ أَقِيمُوا وَاثْبُتُوا عَلَى الْإِيمَانِ، كَمَا يُقَالُ لِلْقَائِمِ: قُمْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ، أَيِ اثْبُتْ قَائِمًا، وقيل: الْمُرَادُ بِهِ أَهْلَ الشِّرْكِ، يَعْنِي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّاتِ والعزى آمَنُوا بالله ورسوله. تفسير القرآن الكريم
يايها الذين امنوا كتب
* * * فإن قال قائل: وما وجه دعاء هؤلاء إلى الإيمان بالله ورسوله وكتبه، وقد سماهم " مؤمنين " ؟ قيل: إنه جل ثناؤه لم يسمِّهم " مؤمنين " ، وإنما وصفهم بأنهم "آمنوا " ، وذلك وصف لهم بخصوصٍ من التصديق.
بل هو الصدق في الأقوال والأفعال والأحوال، التي كان يتمثلها نبينا - صلى الله عليه وسلم - في حياته كلها، قبل البعثة وبعدها. ولما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - صادق اللهجة، عف اللسان ، أميناً وفيًّا حافظاً للعهود قبل بعثته، عرف بالصادق الأمين، وكان ذلك سبباً في إسلام بعض عقلاء المشركين، الذين كان قائلهم يقول: لم يكن هذا الرجل يكذب على الناس أفتراه يكذب على الله؟! كثيرٌ من الناس حينما يسمع هذه القاعدة القرآنية { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} لا ينصرف ذهنه إلا للصدق في الأقوال، وهذا في الحقيقة تقصير في فهم هذه القاعدة، وإلا لو تأمل الإنسان سياقها لعلم أنها تشمل جميع الأقوال والأفعال والأحوال كما تقدم. يا أهل القرآن:
إن للصدق آثاراً حميدة، وعوائد جليل? ، وهو دليل على رجحان العقل، وحسن السيرة، ونقاء السريرة. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة النساء - الآية 136. ولو لم يكن للصدق من آثار إلا سلامته من رجس الكذب ، ومخالفة المروءة، والتشبه بالمنافقين، فضلاً عما يكسبه الصدق من عزة، وشجاعة، تورثه كرامة، وعزة نفس، وهيبةَ جناب، ومن تأمل في قصة الثلاثة الذين خلفوا أدرك حلاوة الصدق ومرارة الكذب ولو بعد حين.