قوله تعالى: ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير ، بين - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة: أن من الناس من يموت قبل بلوغ أرذل العمر ، ومنهم من يعمر حتى يرد إلى أرذل العمر. وأرذل العمر آخره الذي تفسد فيه الحواس ، ويختل فيه النطق والفكر ، وخص بالرذيلة; لأنه حال لا رجاء بعدها لإصلاح ما فسد. بخلاف حال الطفولة ، فإنها حالة ينتقل منها إلى القوة وإدراك الأشياء. (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ ..) من عجائب التلاوة للشيخ المنشاوي - YouTube. وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر; كقوله في سورة الحج: ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا [ 22 \ 5] ، وقوله في الروم: الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من [ ص: 410] بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة الآية [ 30 \ 54] ، وأشار إلى ذلك أيضا بقوله: وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب [ 35 \ 11] ، وقوله في سورة المؤمن: ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون [ 40 \ 67]. وقال البخاري في صحيحه في الكلام على هذه الآية الكريمة: باب قوله تعالى: ومنكم من يرد إلى أرذل العمر [ 16 \ 70] ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا هارون بن موسى أبو عبد الله الأعور ، عن شعيب ، عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو: " أعوذ بالله من البخل والكسل ، وأرذل العمر ، وعذاب القبر ، وفتنة الدجال ، وفتنة المحيا والممات " ، اه.
د. شيرين الملواني تكتب: &Quot;ومنكم من يُرَد إلى أرذل العمر&Quot; - بوابة الأهرام
وقال الزجاج رحمه الله:
" المعنى: أن منكم من يَكْبُرُ ، حتى يذهب عقله خَرَفاً، فيصير بعد أن كان عالماً
جاهلاً، ليريَكم من قدرته ، كما قَدِر على إِماتته وإِحيائه ، أنه قادر على نقله من
العلم إِلى الجهل ". انتهى من " زاد المسير "(2/ 571). د. شيرين الملواني تكتب: "ومنكم من يُرَد إلى أرذل العمر" - بوابة الأهرام. فالمقصود: أن الله تعالى ينقل العباد من جهل إلى علم، ثم من علم إلى جهل، ومن
ضعف إلى قوة، ثم من قوة إلى ضعف. والناس يتفاوتون في مقدار ذلك الجهل الذي ينقلون إليه ، فمنهم من يُطْبِق عليه
الخرف ، فلا يعلم شيئا ، مطلقا ، ومنهم من لا يكاد يعلم شيئا ، ومنهم من يعلم الشيء
بعد الشيء ، إلا أن الجهل وعدم العلم هو الغالب عليه. والمراد بقوله تعالى: (لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا): بيان غلبة
الجهل من بعد العلم ، لا انتفاء العلم بالكلية بالنسبة لكل من أدرك هذه المرحلة ،
فنفى العلم للمبالغة. ولذلك قال: (وَمِنْكُمْ) إشارة إلى أنه ليس كل من كبر وشاخ ، يُردّ إلى أرذل العمر
، بل من هؤلاء من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا ، ومنهم من يكبر
فيحفظ الله عليه عقله وسمعه وبصره. قال ابن جزي رحمه الله:
"وليس المراد نفي العلم بالكلية ، بل ذلك عبارة عن قلة العلم ، لغلبة النسيان".
(وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ ..) من عجائب التلاوة للشيخ المنشاوي - Youtube
أي: ما اتخذتُ مساعداً يعاونني في مسألة الخَلْق. وما هو المضلّ؟ المضِلّ هو الذي يقول لك الكلام على أنه حقيقة، وهو يُضلُّك. إذن: ربنا سبحانه وتعالى هنا يعطينا فكرة مُقدّماً: احذروا، فسوف يأتي أناس يُضلونكم في موضوع الخَلْق، وسوف يُغيّرون الحقيقة، فإياكم أنْ تُصدِّقوهم؛ لأنهم ما كانوا معي وقت أنْ خلقتكم فيدَّعُون العلم بهذه المسألة. ونفس هذه القضية في مسألة خَلْق السمٰوات والأرض، فالله سبحانه هو الذي خلقهما، وهو سبحانه الذي يُخبرنا كيف خلق. فحين يقول سبحانه: { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ.. فعلينا أن نقول: سَمْعاً وطاعة، وعلى العين والرأس.. يا ربِّ أنت خلقتنا، وأنت تعلم كيف خلقتنا، ولا نسأل في هذا غيرك، ولا نُصدِّق في هذا غير قَوْلك سبحانك. ثم يقول تعالى: { ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ.. أي: منه سبحانه كان المبدأ، وإليه سبحانه يعود المرجع.. وما دام المبدأ من عنده والمرجع إليه، وحياتك بين هذين القوسين؛ فلا تتمرد على الله فيما بين القوسين؛ لأنه لا يليق بك ذلك، فأنت منه وإليه.. فلماذا التمرد؟ ربُّنا سبحانه وتعالى هنا يُعطينا دليلاً على طلاقة قدرته سبحانه في أمر الموت، فالموت ليس له قاعدة، بل قد يموت الجنين في بطن أمه، وقد يموت وهو طفل، وقد يموت شاباً أو شيخاً، وقد يرد إلى أرذل العمر، أي: يعيش عمراً طويلاً.. وماذا في أرذل العمر؟!
هذه حقيقة لا يُنكرها أحد، ولم يَدّعِها أحدٌ لنفسه، وقد أمدّكم بمقوِّمات حياتكم في الأرض والنبات والحيوان، والأنعام التي تعطينا اللبن صافياً سائغاً للشاربين، ثم النحل الذي فيه شفاء للناس. فالحق سبحانه أعطانا الحياة، وأعطانا مٌقوِّمات الحياة، وأعطانا ما يُزيل معاطبَ الحياة.. وما دُمْتم صدَّقتم بهذه المحسَّات فاسمعوا: { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ... وساعة أن نسمع (خلقكم)، فنحن نعترف أن الله خلقنا، ولكنْ كيف خلقنا؟ هذه لا نعرفها نحن؛ لأنها ليستْ عملية معملية.. فالذين خلق هو الحق سبحانه وحده، وهو الذي يُخبرنا كيف خلق.. أما أنْ يتدخَّل الإنسان ويُقحِمَ نفسه في مسألة لا يعرفُها، فنرى مَنْ يقول إن الإنسان أَصلْه قرد.. إلى آخر هذا الهُراء الذي لا أَصْلَ له في الحقيقة. ولذلك، فالحق سبحانه يقول لنا: إذا أردتُمْ أن تعرفوا كيف خُلِقْتُم فاسمعوا مِمَّنْ خلقكم.. إياكم أنْ تسمعوا من غيره؛ ذلك لأنني: { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} [الكهف: 51]. هذه عملية لم يُطلع الله عليها أحداً: { وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً} [الكهف: 51].