قوله تعالى: ﴿ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم﴾ المراد بما أنزل الله هو القرآن والشرائع والأحكام التي أنزلها الله تعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمر بإطاعتها والانقياد لها فكرهوها واستكبروا عن اتباعها. والآية تعليل مضمون الآية السابقة والمعنى ظاهر. قوله تعالى: ﴿أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها﴾ التدمير الإهلاك، يقال: دمره الله أي أهلكه، ويقال: دمر الله عليه أي أهلك ما يخصه من نفس وأهل ودار وعقار فدمر عليه أبلغ من دمره كما قيل، وضمير ﴿أمثالها﴾ للعاقبة أو للعقوبة المدلول عليها بسابق الكلام. والمراد بالكافرين الكافرون بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمعنى: وللكافرين بك يا محمد أمثال تلك العاقبة أو العقوبة وإنما أوعدوا بأمثال العاقبة أو العقوبة ولا يحل بهم إلا مثل واحد لأنهم في معرض عقوبات كثيرة دنيوية وأخروية وإن كان لا يحل بهم إلا بعضها، ويمكن أن يراد بالكافرين مطلق الكافرين، والجملة من باب ضرب القاعدة. قوله تعالى: ﴿ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم﴾ الإشارة بذلك إلى ما تقدم من نصر المؤمنين ومقت الكافرين وسوء عاقبتهم، ولا يصغى إلى ما قيل: إنه إشارة إلى ثبوت عاقبة أو عقوبة الأمم السالفة لهؤلاء، وكذا ما قيل: إنه إشارة إلى نصر المؤمنين، وذلك لأن الآية متعرضة لحال الطائفتين: المؤمنين والكفار جميعا.
- موقع هدى القرآن الإلكتروني
- (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ.)
- يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي
- يخرج الميت من الحي
موقع هدى القرآن الإلكتروني
ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ذلك أي: ما ذكر من التعس وإضلال الأعمال. بأنهم بسبب أنهم كرهوا ما أنزل الله من القرآن، [ ص: 94] لما فيه من التوحيد وسائر الأحكام المخالفة لما ألفوه واشتهته أنفسهم الأمارة بالسوء. فأحبط لأجل ذلك. أعمالهم التي لو كانوا عملوها مع الإيمان لأثيبوا عليها.
(ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ.)
ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) ولهذا قال: ( ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله) أي: لا يريدونه ولا يحبونه ، ( فأحبط أعمالهم)
وقوله ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ﴾
يقول يعالي ذكره: هذا الذي فعلنا بهم من الإتعاس وإضلال الأعمال من أجل أنهم كرهوا كتابنا الذي أنزلناه إلى نبينا محمد ﷺ وسخطوه، فكذّبوا به، وقالوا: هو سحر مبين. وقوله ﴿فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾
يقول: فأبطل أعمالهم التي عملوها في الدنيا، وذلك عبادتهم الآلهة، لم ينفعهم الله بها في الدنيا ولا في الآخرة، بل أوبقهم بها، فأصلاهم سعيرا، وهذا حكم الله جلّ جلاله في جميع من كفر به من أجناس الأمم، كما قال قتادة. ⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله ﴿فَتَعْسًا لَهُمْ﴾ قال: هي عامة للكفار.
وكذلك يخرج الميت من الحي يكون مسلم فيولد له أولاد فيكفرون ولا يبقون على دين آبائهم وأمهاتهم بل يكونون على خلاف ذلك، ويعتنقون غير الإسلام، فيكون هذا إخراج ميت من حي. ومن ذلك مما مثلوا به أيضاً.. إخراج الدجاجة من البيضة، الدجاجة حية حيوان والبيضة في حكم الموات أو الميت لأنها جماد، فالله جل وعلا يخرج منها حيواناً سميعاً بصيراً حياً وهذا واضح، والعكس كذلك يخرج الميت من الحي، هذا الميت البيضة والدجاجة حية فيخرج الله منها بيضة جماداً في حكم الميت والدجاجة حية، وهذا له نظائر، نعم. ومن أراد المزيد على ذلك فليراجع كتب التفسير على الآية الكريمة. نعم. فتاوى ذات صلة
يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي
[١٧]
دعوةٌ للعقل البشريّ بأن يمعن التَّفكّر ببديع صنع الخالق -سبحانه-. [١٨]
دلالةٌ على أنّ القدرة الإلهيّة في الإخراج تشمل الإخراج الماديّ والمعنويّ بكل أشكالهما. [١٩]
في استعمال الإسم (مخرج) في الآية: (وَمُخرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ) ؛ [١] دلالة على أنّ صفة السّكون والموت ملازمة للميّت، ومع هذا أحياه جلّ وعلا، فالاسم يفيد الثّبوت. [٢٠]
البلاغة في الآية (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ)
إنّ من الإشارات البلاغيّة التي وردت في تفسير الآيات من سورة الرّوم بعد تنزيهه -سبحانه-، في قوله -تعالى-: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) ، [٢١] هي: الاستعارة؛ فقد استعار الحيّ للمؤمن والميّت للكافر. [٢٢] ومن المحسّنات البديعيّة ردُّ العجز على الصّدر، [٢٣] وقد عرّفه الخطيب القزويني -رحمه الله- فقال: "هو في النثر أن يجعل أحد اللفظين المكررين أو المتجانسين أو الملحقين بهما في أول الفقرة والآخر في آخرها"، [٢٤] والآية التي وردت في سورة الأنعام جاء فيها قاعدة نحوية، وهي: أنّ الاسم (مُخرِج) يدلّ على الثّبوت، والفعل (يُخرج) يدلّ على الحدوث والتّجدد، [٢٥] كما أن المعنى لإخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي قد تكرّر في أكثر من موضعٍ، فقد ورد في سورة الأنعام، وآل عمران، ويونس، والرّوم.
يخرج الميت من الحي
ويتساءل عالمنا الجليل زكى نجيب محمود، ماذا يفعلون إذا جاءت صيحة جديدة وثالثة ورابعة، لماذا لا يكفينا فقط أن القرآن الكريم يحيل الإنسان إلى عقله وإلى إعماله فيما يوسع علمه بحقائق الكون؟!
والشجر ما دام قائمًا على أصوله لم يجفّ، والنبات على ساقه لم ييبَس, فإن العرب تسميه " حَيًّا ", فإذا يبس وجفّ أو قطع من أصله، سمّوه " ميتًا ".