وارتأت قريش الأمر الأخير وبدأت في إرسال مبعوثيها واحدا تلو الآخر [4] ، فأرسلوا عروة بن مسعود الثقفي [5] رضي الله عنه - ولم يسلم بعد -، وذهب إلى معسكر المسلمين، وحاول تخذيل النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت أحدا من العرب اجتاح أهله قبلك، وإن تكن الأخرى فإني والله لا أرى وجوهاً، وإني لأرى أشواباً من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك) [6]. وهناك رأى عروة إجلال الصحابة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتعظيمهم وطاعتهم له في كل ما يأمر به، فرجع إلى قريش ونقل لهم هذه الصورة بتعجب فقال لهم: (أي قوم والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا... وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها [7] ، فلم يشف قوله صدور قريش، وأزعجها أن ترسل رسولها ليخذل عنها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإذا به يرجع إليها وقد امتلأت نفسه هيبة وإعجابا به وبأصحابه، ثم يشير عليهم بما يكرهون ويخذلهم هم أنفسهم.
جامع عروة بن مسعود – Sanearme
فبذل لذلك جهده ووقته حتى قال: "لقد كان يبلغني الحديث عن الصحابي فآتيه فأجده قد قال من القيلولة فأجلس على بابه أسأله عنه" (الذهبي: سير أعلام النبلاء؛ ج4، ص: [424]). سعة معارفه:
وقد تعدَّدت معارف عروة وكثرت حتى قال عنه الزهري: "كان بحراً لا ينزف، ولا تُكدِّره الدِّلاء" ( ابن كثير []: البداية والنهاية [] ؛ ج9، ص: [137]). جامع عروة بن مسعود – SaNearme. وشملت هذه المعارف الحديث والتفسير والشعر والفقه، إضافة إلى السيرة والمغازي التي لا ينازعه فيها منازع من شيوخ عصره. عبادته وأخلاقه:
كان عروة مثالاً للعالِم العابد الذي لا يُخالِف قوله فعله، وبلغ من درجة اجتهاده في العبادة أن ابنه هشاماً قال: "كان يقرأ كل يوم ربع القرآن، ويقوم به الليل، وكان كثير الصوم، قُطِعَت رجله وهو صائم، ومات أيضاً وهو صائم، وكان يقول على نفسه: إني لأسأل الله ما أريده في صلاتي حتى أسأله الملح" (ابن الجوزي: صفة الصفوة؛ ج2، ص: [87])، كما كان حليماً صبوراً محتسباً عفيفاً كريماً صالحاً زاهداً بعيداً عن الفتنة [] [2]، وكان يقول: "رُب كلمة ذُلٍّ احتملتها أورثتني عِزَّاً طويلاً". كما كان ينأى بنفسه عن الفتن [] ويُحذِّر منها، ويرى أن فيها هلاك الأمة ويقول: "أتى أعرابي إلى النبي [] صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل للإسلام منتهى؟ قال: « نعم، فمن أراد الله به خيراً من عرب أو عجم أدخله عليه، ثم تقع فتن كالظلل يضرب بعضكم رقاب بعض، فأفضل الناس يومئذ معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس »" (الذهبي: سير أعلام النبلاء؛ ج4، ص: [423]).
الإيجاز والاقتصار على الجانب المهم من الرواية أو الخبر؛ انظر مثلاً: حديثه عن إسلام أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه إذ يقول: "دخل عليه -أي رسول الله صلى الله عليه وسلم- أبو سفيان وبديل بن ورقاء وحكيم بن حزام بمنزله بمر الظهران فبايعوه على الإسلام، فلما بايعوه بعثهم بين يديه إلى قريش يدعونهم إلى الإسلام، فأخبرت أنه قال: « من دخل دار أبي سفيان فهو آمن -وهي بأعلى مكة- ومن دخل دار حكيم - وهي بأسفل مكة - فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه وكف يده فهو آمن »" (الطبري: ج3، ص: [55]، والحديث في صحيح مسلم [] ؛ ج3، رقم: [1780])، هذه الرواية الموجزة نراها قصة طويلة عند ابن إسحاق والواقدي تمتد لصفحات. النزاهة والموضوعية والبُعد عن التعصُّب حتى ولو لأقرب الأقربين له، فقد روى أن سيف الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أعطاه لأبي دجانة رضي الله عنه يوم أحد طلبه أبوه الزبير رضي الله عنه فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيه له (الطبري: ج2، ص: [510]).
وقد كانت الفاجعة الأولى سقوط فيلم (الإرهابي) لعادل إمام في مهرجان السينما العربية في معهد العالم العربي في باريس، حيث وصفه المتتبعون ومنهم النقاد الفرنسيون بأنه تناول سينمائي ساذج وفقير ولا يرقى لمعالجة عقلانية لمسألة التطرف وبالمقابل فقد توجت لجنة التحكيم فيلم "باب الجومة للواد" للمخرج الجزائري مرزاق علواش كتحفة سينمائية تستحق التشجيع والتصفيق نظرا لجرأتها الواسعة وتحليلها الواقعي للظاهرة الجهادية في القطر الجزائري. إن السؤال الذي يمكن أن نطرحه بعد نهايتنا من مشاهدة فيلم "كيف الحال" هو هل فعلا هذا هو الفيلم الذي كان ينتظره السعوديون ليكون معبرا عن همومهم وإرهاصاتهم؟ هل فعلا هذه هي حدود تفكير السعوديين؟؟ لا أظن هذا فجل الأفكار المدرجة في الفيلم ظاهرا أو ضامرا قد نوقش في كثير من الأعمال الدرامية الخليجية ولم نكن بحاجة إلى أن يكون هذا الفيلم أول من يرشدنا إلى مواضيع تم استنزافها في أكثر من عمل ومسلسل ومسرحية. لقد تبين من فيلم "كيف الحال" أن البداية السينمائية أراد لها الساهرون عليها أن تكون بداية في حضن المهد المصري وهذا سيشكل خطرا صريحا على سينما يافعة وشابة قد تجد نفسها مكبلة بطبائع الأخ الأكبر التي هي السينما المصرية التي تقدم حاليا مستويات مهزوزة على المستويين الأدبي والتقني بعيدا عن اسس السينما العالمية المتمثلة في الفرجة والجمالية.
مخرج سعودي: فيلم &Quot;كيف الحال&Quot; مولود مشوه - جريدة الغد
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2022, Jelsoft Enterprises Ltd.
المقالات أو المشاركات أو الآراء المنشورة في شبكة منتديات برق بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لشبكة برق بل تمثل وجهة نظر كاتبها.
لقد كانت هذه الباكورة كما أسمتها بعض وسائل الإعلام العربية، أقل من الحجم الكبير والضخم الذي أعطي لها ولم يكن الموضوع المعالج في العمل سوى صورة كربونية كررتها أعمال كويتية وسعودية من طينة "طاش ماطاش". وقد أبان منتجو الفيلم عن النية التجارية المقاولاتية من أول منتوج سعودي كما أسموه حينما راهنوا على وجوه شبابية مثل السيد (هشام الهويش) قصد تحقيق حضور شبابي كبير للفيلم، وقد جاء أداء بطل الفيلم أقل من المتوسط وبعيدا عن الأداء السينمائي العالي الذي يتحقق عادة بالتمرس والمشاهدة والمتابعة للأعمال السينمائية العالمية، ومن الواضح أنه غاب عن منتجي الفيلم بأن أكاديمية (ستار أكاديمي) ليست في مستوى تكوين ممثلين أكفاء وليس كل من فاز بلقبها أمكنه الدخول إلى العالم السينمائي الحقيقي. لقد كانت الفكرة البائدة المستهلكة في الفيلم هي ذلك التناول المشين لشخصية المتدين ولقد سقطت الأفلام المصرية كثيرا في هذا المستنقع ولم تستطع أن تبلغ أياً من أفكارها للمتلقي المصري والعربي لأنها كانت مشحونة بصفة الإساءة للمتدينين أكثر من تركيزها العقلاني على مكامن الخطأ والصواب في هذه التجربة، وكلنا يذكر الهزيمة المرة التي تلقاها المنتوج المصري حينما حاول أن يذهب بهذه الأفكار بعيدا عن الديار المصرية.