وهكذا النصح للرسول ﷺ يكون بطاعة أوامره، واجتناب نواهيه، والإيمان بأنه رسول الله حقًا، وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، مع الدفاع عن سنته، والذب عنهما، كل هذا من النصح للرسول ﷺ، وهكذا العناية بأحاديثه ﷺ وبيان صحيحها من سقيمها والذب عنها والامتثال لها والوقوف عند الحدود التي حددها الله ورسوله كما قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا الآية [البقرة:229]. هذه النصيحة للرسول ﷺ، وما زاد على ذلك من الواجبات وترك المحرمات كان كمالًا للنصيحة وتمامًا لها. فالحاصل أنه بعنايته بما أمر الله به ورسوله وما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله من الحقوق يكون قد نصح لله ولكتابه ولرسوله بأداء فرائض الله، وترك محارم الله، والوقوف عند حدود الله، والإكثار من الثناء عليه، وذكره وخشيته جل وعلا، كل هذا من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ﷺ. حديث عن الدين النصيحه. أما النصيحة لأئمة المسلمين فبالدعاء لهم والسمع والطاعة لهم في المعروف، والتعاون معهم على الخير، وترك الشر، وعدم الخروج عليهم، وعدم منازعتهم إلا أن يوجد منهم كفر بواح عليه برهان من الله ، كما جاء ذلك في حديث عبادة بن الصامت في مبايعة الأنصار للنبي ﷺ. ومن النصيحة لهم توجيههم إلى الخير، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالأسلوب الحسن والرفق وسائر الطرق المعتبرة؛ عملًا بهذا الحديث الصحيح وبقول الله : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، وقوله سبحانه: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].
حديث عن الدين
ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: ( ولأئمة المسلمين) ، والمراد بهم العلماء والأمراء على السواء ، فالعلماء هم أئمة الدين ، والأمراء هم أئمةٌ الدنيا ، فأما النصح للعلماء: فيكون بتلقّي العلم عنهم ، والالتفاف حولهم ، ونشر مناقبهم بين الناس ، حتى تتعلّق قلوب الناس بهم، ومن النصح لهم: عدم تتبع أخطائهم وزلاتهم ، فإن هذا من أعظم البغي والعدوان عليهم، وفيه من تفريق الصف وتشتيت الناس ما لا يخفى على ذي بصيرة. وأما النصيحة لأئمة المسلمين فتكون بإعانتهم على القيام بما حمّلوا من أعباء الولاية ، وشد أزرهم على الحق ، وطاعتهم في المعروف. والموطن الرابع من مواطن النصيحة: عامة الناس ، وغاية ذلك أن تحب لهم ما تحب لنفسك، فترشدهم إلى ما يكون لصالحهم في معاشهم ومعادهم ، وتهديهم إلى الحق إذا حادوا عنه ، وتذكّرهم به إذا نسوه ، متمسكا بالحلم معهم والرفق بهم ، وبذلك تتحقق وحدة المسلمين ، فيصبحوا كالجسد الواحد: ( إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). حديث جبريل عليه السلام عن مراتب الدين. فهذه هي مواطن النصيحة التي أرشدنا إليها النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا عملنا بها حصل لنا الهدى والرشاد ، والتوفيق والسداد.
حديث النبي عن الدين
الحمد لله. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ) رواه البخاري (39) ومسلم (2816)
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
" معنى الحديث: النهي عن التشديد في الدين ، بأن يحمِّل الإنسان نفسه من العبادة ما لا يحتمله إلا بكلفة شديدة ، وهذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: ( لن يشاد الدين أحد إلا غلبه) يعني: أن الدين لا يؤخذ بالمغالبة ، فمن شاد الدين غلبه وقطعه. وفي " مسند الإمام أحمد " – (5/32) وحسنه محققو المسند - عن محجن بن الأدرع قال:
( أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كنا بباب المسجد إذا رجل يصلي قال: " أتقوله صادقا " ؟ قلت: يا نبي الله هذا فلان ، وهذا من أحسن أهل المدينة أو من أكثر أهل المدينة صلاة ، قال: " لا تسمعه فتهلكه - مرتين أو ثلاث - إنكم أمة أريد بكم اليسر)
وفي رواية له: ( إن خير دينكم أيسره ، إن خير دينكم أيسره) – " مسند أحمد " (3/479) وحسنه المحققون -.
حديث الرسول عن الدين
فهذه الأحاديث العظيمة القاطعة بعظم ذنب من مات وعليه دين كفيلة بردع كل قلب يشم رائحة الإيمان، ومحذرة كل التحذير أن يأخذ المسلم مال أخيه لا يريد أداءه.
حديث عن الدين المال
كيف يهنأ بالطعام والشراب والمنام، من ذمته مشغولة، وكيف تسمح للإنسان نفسه أن يجحد سلف أخيه، أو يماطله في ذلك، والمقرض فعل ذلك إحسانا وقربه، والله تعالى يقول: { هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن:60].
وأما الزكاة: فإنها لا تجب على فقير ليس عنده نصاب زكوي ، وإنما تجب على الأغنياء تتميماً لدينهم وإسلامهم ، وتنمية لأموالهم وأخلاقهم ، ودفعاً للآفات عنهم وعن أموالهم ، وتطهيراً لهم من السيئات ، ومواساة لمحاويجهم ، وقياماً لمصالحهم الكلية ، وهي مع ذلك جزءٌ يسير جداً بالنسبة إلى ما أعطاهم الله من المال والرزق. أحاديث عن سداد الدين - الجواب 24. وأما الصيام: فإن المفروض شهر واحد من كل عام ، يجتمع فيه المسلمون كلهم ، فيتركون فيه شهواتهم الأصلية - من طعام وشراب ونكاح - في النهار, ويعوضهم الله على ذلك من فضله وإحسانه تتميم دينهم وإيمانهم ، وزيادة كمالهم ، وأجره العظيم ، وبره العميم ، وغير ذلك مما رتبه على الصيام من الخير الكثير ، ويكون سبباً لحصول التقوى التي ترجع إلى فعل الخيرات كلها ، وترك المنكرات. وأما الحج: فإن الله لم يفرضه إلا على المستطيع ، وفي العمر مرة واحدة ، وفيه من المنافع الكثيرة الدينية والدنيوية ما لا يمكن تعداده ، قال تعالى: ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) الحجّ/28, أي: دينية ودنيوية. ثم بعد ذلك بقية شرائع الإسلام التي هي في غاية السهولة الراجعة لأداء حق الله وحق عباده. فهي في نفسها ميسرة ، قال تعالى: ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185، ومع ذلك إذا عرض للعبد عارض مرض أو سفر أو غيرهما ، رتب على ذلك من التخفيفات ، وسقوط بعض الواجبات ، أو صفاتها وهيئتها ما هو معروف.