قوله تعالى: ﴿يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون﴾ توجيه للخطاب إلى المؤمنين الذين وقعوا في أرض الكفر لا يقدرون على التظاهر بالدين الحق والاستنان بسنته ويدل على ذلك ذيل الآية. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة العنكبوت - الآية 56. وقوله: ﴿إن أرضي واسعة﴾ الذي يظهر من السياق أن المراد بالأرض هذه الأرض التي نعيش عليها وإضافتها إلى ضمير التكلم للإشارة إلى أن جميع الأرض لا فرق عنده في أن يعبد في أي قطعة منها كانت، ووسعة الأرض كناية عن أنه إن امتنع في ناحية من نواحيها أخذ الدين الحق والعمل به فهناك نواح غيرها لا يمتنع فيها ذلك فعبادته تعالى وحده ليست بممتنعة على أي حال. وقوله: ﴿فإياي فاعبدون﴾ الفاء الأولى للتفريع على سعة الأرض أي إذا كان كذلك فاعبدوني وحدي والفاء الثانية فاء الجزاء للشرط المحذوف المدلول عليه بالكلام والظاهر أن تقديم ﴿إياي﴾ لإفادة الحصر فيكون قصر قلب والمعنى: لا تعبدوا غيري بل اعبدوني، وقوله: ﴿فاعبدون﴾ قائم مقام الجزاء. ومحصل المعنى: أن أرضي واسعة إن امتنع عليكم عبادتي في ناحية منها تسعكم لعبادتي أخرى منها فإذا كان كذلك فاعبدوني وحدي ولا تعبدوا غيري فإن لم يمكنكم عبادتي في قطعة منها فهاجروا إلى غيرها واعبدوني وحدي فيها.
- القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة العنكبوت - الآية 56
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة العنكبوت - الآية 56
الثالث: هو أن هذا الخطاب حصل للمؤمن [ ص: 74] بسعيه بتوفيق الله ، وذلك لأن الله تعالى قال: ( ادعوني أستجب لكم) [ غافر: 60] فالمؤمن دعا ربه بقوله: ( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا) [ آل عمران: 193] فأجابه الله تعالى بقوله: ( قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) [الزمر: 53] فالإضافة بين الله وبين العبد بقول العبد إلهي ، وقول الله عبدي تأكدت بدعاء العبد ، لكن الكافر لم يدع فلم يجب ، فلا يتناول ( ياعبادي) غير المؤمنين. المسألة الثانية: إذا كان عبادي لا يتناول إلا المؤمنين فما الفائدة في قوله: ( الذين آمنوا) مع أن الوصف إنما يذكر لتمييز الموصوف ، كما يقال يا أيها المكلفون المؤمنون ، ويا أيها الرجال العقلاء تمييزا عن الكافرين والجهال ، فنقول: الوصف يذكر لا للتمييز بل لمجرد بيان أن فيه الوصف كما يقال: الأنبياء المكرمون والملائكة المطهرون ، مع أن كل نبي مكرم وكل ملك مطهر ، وإنما يقال لبيان أن فيهم الإكرام والطهارة ، ومثل هذا قولنا: الله العظيم وزيد الطويل ، فههنا ذكر لبيان أنهم مؤمنون. المسألة الثالثة: إذ قال ( ياعبادي) فهم يكونون عابدين فما الفائدة في الأمر بالعبادة بقوله فاعبدون ؟ فنقول فيه فائدتان إحداهما: المداومة أي يا من عبدتموني في الماضي اعبدوني في المستقبل.
أما في سورة العنكبوت فقد وردت ثلاث مرات فقط. لذا اقتضى السياق ذكرها في آية الزمر وعدم ذكرها في آية العنكبوت. من حيث الإعراب (عبادي وعبادِ) واحد، (عبادي) عباد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه وفي (عبادِ) هذه تقديراً، مضاف ومضاف إليه مركب. هذه من خصوصيات الاستعمال القرآني. شاهد أيضاً
الحب الإلهي الكامل
د. محمد السيد السّكي| استشاري تحاليل طبية وكاتب وروائي رحيق حب الله الخالص المتجرد …