وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) قال: فتنته أن يرتدّ عن دين الله إذا أوذي في الله. ومن الناس من يقول امنا بالله واليوم الاخر. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ... ) إلى قوله: وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ قال: أناس يؤمنون بألسنتهم، فإذا أصابهم بلاء من الله أو مصيبة في أنفسهم افتتنوا، فجعلوا ذلك في الدنيا كعذاب الله في الآخرة. حُدِّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: قوله: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ... ) الآية، نـزلت في ناس من المنافقين بمكة كانوا يؤمنون، فإذا أوذوا وأصابهم بلاء من المشركين، رجعوا إلى الكفر مخافة من يؤذيهم، وجعلوا أذى الناس في الدنيا كعذاب الله.
تفسير: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين)
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قول الله: ( فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) قال: هو المنافق إذا أوذي في الله رجع عن الدين وكفر، وجعل فتنة الناس كعذاب الله. وذُكر أن هذه الآية نـزلت في قوم من أهل الإيمان كانوا بمكة، فخرجوا مهاجرين، فأدركوا وأُخذوا فأعطوا المشركين لما نالهم أذاهم ما أرادوا منهم. ص45 - كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح - باب قوله قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا البقرة - المكتبة الشاملة. * ذكر الخبر بذلك: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا محمد بن شريك، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يستخفون بإسلامهم، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم وقتل بعض، فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا، فاستغفروا لهم، فنـزلت إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ... إلى آخر الآية، قال: فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية أن لا عذر لهم، فخرجوا. فلحقهم المشركون، فأعطوهم الفتنة، فنـزلت فيهم هذه الآية ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ... ) إلى آخر الآية، فكتب المسلمون إليهم بذلك، فخرجوا وأيسوا من كلّ خير، ثم نـزلت فيهم ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ فكتبوا إليهم بذلك: إن الله قد جعل لكم مخرجا، فخرجوا، فأدركهم المشركون، فقاتلوهم، حتى نجا من نجا، وقُتل من قُتل.
ص45 - كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح - باب قوله قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا البقرة - المكتبة الشاملة
ولم يوجد النفاق أولَ الأمر في مكة، بل الذي وُجد خلافه، وهو إخفاء الإيمان خوفًا من بطش المشركين وتعذيبهم، ولما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابُه، وأعزَّ الله الإسلام بعد وقعة بَدْرٍ، أظهَرَ أناس من أهل المدينة ومن أهل الكتاب ومن الأعراب الإيمان نفاقًا، وأبطَنوا الكفر؛ حفاظًا على أنفسهم وأموالهم، وكيدًا للإسلام؛ كعبد الله بن أُبَيٍّ ابنِ سلولَ، ففضَحَهم الله وأظهر عوارهم في هذه الآيات، وفي غيرها من الآيات في القرآن الكريم. المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »
[1] البيت لذي جرن الحميري. ومن الناس من يقول امنا بالله فاذا اوذي. انظر "اشتقاق أسماء الله الحسنى" ص (32)، "لسان العرب" مادة "نوس". [2] انظر "بدائع الفوائد" (2/ 264).
إعراب ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين
[1] سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الآية/ 8. [2] سورة النِّسَاءِ: الآية/ 142. [3] سورة النِّسَاءِ: الآية/ 142. [4] سورة النِّسَاءِ: الآية/ 142. [5] سورة النِّسَاءِ: الآية/ 142. [6] سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الآية/ 14. [7] سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الآية/ 52. [8] سُورَةُ النِّسَاءِ: الآية/ 143. [9] رواه البخاري- كِتَابُ الإِيمَانِ، بَابُ عَلاَمَةِ المُنَافِقِ، حديث رقم: 34، ومسلم- كِتَابُ الإِيمَانِ، بَابُ بَيَانِ خِصَالِ الْمُنَافِقِ، حديث رقم: 58. [10] سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الآية/ 9. [11] سورة الْحَاقَّةِ: الآية/ 18. [12] سورة الزُّخْرُفِ: الآية/ 80. تفسير: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين). [13] سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الآية/ 10. [14] سورة الْإِسْرَاءِ: الآية/ 82. [15] سورة يُونُسَ: الآية/ 57. [16] سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الآية/ 11. [17] سورة غافر: الآية/ 29. [18] سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الآية/ 12. [19] رواه ابن أبي شيبة- حديث رقم: 38732. [20] رواه ابن أبي شيبة- حديث رقم: 26570. [21] سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الآية/ 12. [22] سورة غافر: الآية/ 26. [23] رواه مسلم- كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْإِسْلَامِ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا، وَأَنَّهُ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ، حديث رقم: 144.
[4] أخرجه البخاري برقم/ 32- باب علامة المنافق, ومسلم برقم / 89 - بَاب بَيَانِ خِصَالِ الْمُنَافِقِ. [5] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1 / 42).
تفسير قوله تعالى:
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾
سورة (البقرة) الآية: (8)
إعراب مفردات الآية [1]:
(الواو) عاطفة أو استئنافية (من) حرف جرّ (الناس) مجرور به وعلامة الجرّ الكسرة، والجارّ والمجرور متعلّقان بمحذوف خبر مقدّم "يجوز أن يكون الجارّ والمجرور نعتا لمنعوت محذوف هو مبتدأ أي: بعض الناس من يقول". (من) اسم موصول مبنيّ على السكون في محلّ رفع مبتدأ مؤخّر " ويجوز أن يكون (من) نكرة موصوفة في محلّ رفع مبتدأ أي: فريق يقول: والجملة بعده نعت له. ". (يقول) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (آمنّا) فعل ماض مبني على السكون و(نا) ضمير متّصل في محلّ رفع فاعل. (باللّه) جارّ ومجرور متعلّق (بآمنّا). (الواو) عاطفة (باليوم) جارّ ومجرور معطوف على الأول متعلّق ب (آمنّا). إعراب ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين. (الآخر) نعت ل (اليوم) مجرور مثله. (الواو) حاليّة (ما) نافية تعمل عمل ليس (هم) ضمير منفصل في محلّ رفع اسم ما. (الباء) حرف جرّ زائد (مؤمنين) مجرور لفظا منصوب محلّا خبر ما، وعلامة الجرّ الياء لأنه جمع مذكّر سالم. اهـ. روائع البيان والتفسير:
• ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾
فسر ابن العثيمين - رحمه الله - الآية إجمالاً فقال:
قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ ﴾: ﴿ من ﴾ للتبعيض؛ أي: وبعض الناس؛ ولم يصفهم الله تعالى بوصف.