ومن طحالبه وأشنياته يستخرج الدواء وتصنّع الأدوية وهو مصدر الغيوم والأمطار وملطف للبيئة صيفاً وشتاء وفيه منافع عظيمة بعضها نعلمها وبعضها لا نعلمها وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول: ﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59] ويقول سبحانه وتعالى ﴿ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [النمل: 63]. عباد الله:
مثلما جعل الله البحر مريحاً للنفس والنظر ومصدراً للرزق والكسب وطريقاً آمناً للسفر والتنقل فإن يكون أحياناً هائجاً ثائراً ومصدراً من مصادر القلق والخطر والهلاك. تتلاطم أمواجه وتنبعث بأمر الله عواصفه وأهواله وتتحرك رياحه وتضطرب أحواله وتتغير ألوانه وتشتد ظلماته وتتكثف سحبه واضطراباته حتى يعرف الناس أنه لا ملجأ لهم من الله إلا إليه ولا منقذ لهم ولا مخلص إلا هو سبحانه وتعالى.
من آيات الله في البحار للصف الخامس
إن البحر آية عظيمة من آيات الله ومخلوقا كبيراً من مخلوقاته ضرب الله به المثل في التوسع والتعمق والامتداد فقال: ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ [الكهف: 109] وقال: ﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [لقمان: 27]. ومن رحمة الله أنه وزع البحار والأنهار بين البشرية جمعاء حتى يجد سكان كل بلد ما يكفيهم ويكون مصدراً من مصادر رزقهم وغذائهم يقول الله ﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [النمل: 61]. البحر فيه أسرار كثيرة وعجائب غريبة وثروات دفينة ومخلوقات عجيبة يبهر الإنسان بجماله ويحير العقل بسعته وامتداده فهو آية من آيات الله العظمى وخلقاً من مخلوقاته الكبرى ونعمة من نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى يقول الله سبحانه وتعالى ﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الجاثية: 12].
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى خلق البحار، وأودعها أسراراً تدل على عظمته سبحانه وتعالى، منها ما علمنا، ومنها ما لم نعلم، ولا يزال علماء الفلك يكتشفون أسراراً يظنون أنهم لم يسبقوا إليها، فإذا بالقرآن قد ذكرها قبل خمسة عشر قرناً، وهذا يحمل المنصف منهم والعاقل اللبيب على الإيمان بالله تعالى وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه يعلم أن الإمكانات التي توصل بها إلى هذه المعلومات لم تكن متوفرة لدى النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكن هناك مخبر له عنها سوى ربه سبحانه وبحمده. وأما المكابر المعاند، فلا تنفع فيه الآيات البينات، ولا المعجزات الباهرات، كما قال الله تعالى: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا [الأنعام:25]. آيات الله في البحار. وللشيخ الزنداني حفظه الله كلام مفيد حول هذه الآية وأمثالها يقول: قال تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ). المرجان: هذا نوع من الحلي لا يوجد إلا في البحار المالحة، فقوله تعالى: (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) أي: أن البحرين المذكورين مالحان، فالآية تتكلم عن بحر يخرج منه مرجان، وبحر آخر يخرج منه مرجان.