النسخ في كلام العرب على وجهين:
أحدهما: النقل، كنقل كتاب من آخر، وعلى هذا يكون القرآن كله منسوخاً، أي من اللوح المحفوظ، وإنزاله إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وهذا لا مدخل له في هذه الآية، ومنه قوله تعالى: { إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} (الجاثية:29)، أي: نأمر بنسخه وإثباته. الثاني: الإبطال والإزالة، وهو المقصود هنا، وهو منقسم في اللغة إلى قسمين: الأول: إبطال الشيء وزواله وإقامة آخر مقامه، ومنه نسختِ الشمس الظل: إذا أذهبته وحلت محله، وهو معنى قوله تعالى: { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها}. الثاني: إزالة الشيء دون أن يقوم آخر مقامه، كقولهم: نسخت الريح الأثر، ومن هذا المعنى قوله تعالى: { فينسخ الله ما يلقي الشيطان} (الجاثية:29)، أي: يزيله فلا يتلى ولا يثبت في المصحف بدله. وتأسيساً على ما تقدم، عرَّف العلماء (النسخ) بأنه: إزالة ما قد استقر من الحكم الشرعي بخطاب شرعي متأخر، بمعنى أن ينـزل حكم شرعي، ثم يأتي حكم آخر ينسخ الحكم المتقدم. المسألة الثانية: الذي عليه جمهور العلماء أن (النسخ) إنما هو مختص بالأوامر والنواهي، وأن الأخبار لا يدخلها النسخ لاستحالة الكذب على الله تعالى. المسألة الثالثة: قد يرد في الشرع أخبار ظاهرها الإطلاق والاستغراق، ويرد تقييدها في موضع آخر، فيرتفع ذلك الإطلاق، كقوله تعالى: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} (البقرة:186)، فهذا الحكم ظاهره خبر عن إجابة كل داع على كل حال، لكن قد جاء ما قيده في موضع آخر، كقوله سبحانه: { فيكشف ما تدعون إليه إن شاء} (الأنعام:41)، فقد يظن البعض أن هذا من باب النسخ في الأخبار، وليس كذلك، بل هو من باب الإطلاق والتقييد، بمعنى أن قوله سبحانه: { فيكشف ما تدعون إليه إن شاء} مقيد لإطلاق قوله سبحانه: { أجيب دعوة الداع إذا دعان}، وليس ناسخاً له.
- مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ - ملتقى الشفاء الإسلامي
- صفحة الشيخ محمد حسان - ما ننسخ من اية أو ننسها نات بخير
- تفسير: ما ننسخ من آية او ننسها - مقال
مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ - ملتقى الشفاء الإسلامي
۞ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) قال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس: ( ما ننسخ من آية) ما نبدل من آية. وقال ابن جريج ، عن مجاهد: ( ما ننسخ من آية) أي: ما نمح من آية. وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( ما ننسخ من آية) قال: نثبت خطها ونبدل حكمها. حدث به عن أصحاب عبد الله بن مسعود. وقال ابن أبي حاتم: وروي عن أبي العالية ، ومحمد بن كعب القرظي ، نحو ذلك. وقال الضحاك: ( ما ننسخ من آية) ما ننسك. وقال عطاء: أما ( ما ننسخ) فما نترك من القرآن. وقال ابن أبي حاتم: يعني: ترك فلم ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم. وقال السدي: ( ما ننسخ من آية) نسخها: قبضها. وقال ابن أبي حاتم: يعني: قبضها: رفعها ، مثل قوله: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة. وقوله: " لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثا ". وقال ابن جرير: ( ما ننسخ من آية) ما ينقل من حكم آية إلى غيره فنبدله ونغيره ، وذلك أن يحول الحلال حراما والحرام حلالا والمباح محظورا ، والمحظور مباحا. ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة.
صفحة الشيخ محمد حسان - ما ننسخ من اية أو ننسها نات بخير
: والفرق بين النسخ والبداء أن النسخ تحويل العبادة من شيء إلى شيء قد كان حلالا فيحرم ، أو كان حراما فيحلل. وأما البداء فهو ترك ما عزم عليه ، كقولك: امض إلى فلان اليوم ، ثم تقول لا تمض إليه ، فيبدو لك العدول عن القول الأول ، وهذا يلحق البشر لنقصانهم. وكذلك إن قلت: ازرع كذا في هذه السنة ، ثم قلت: لا تفعل ، فهو البداء. الخامسة: اعلم أن الناسخ على الحقيقة هو الله تعالى ، ويسمى الخطاب الشرعي ناسخا تجوزا ، إذ به يقع النسخ ، كما قد يتجوز فيسمى المحكوم فيه ناسخا ، فيقال: صوم رمضان ناسخ لصوم عاشوراء ، فالمنسوخ هو المزال ، والمنسوخ عنه هو المتعبد بالعبادة المزالة ، وهو المكلف. السادسة: اختلفت عبارات أئمتنا في حد الناسخ ، فالذي عليه الحذاق من أهل السنة أنه إزالة ما قد استقر من الحكم الشرعي بخطاب وارد متراخيا ، ، وزادا: لولاه لكان السابق ثابتا ، فحافظا على معنى النسخ اللغوي ، إذ هو بمعنى الرفع والإزالة ، وتحرزا من الحكم العقلي ، وذكر الخطاب ليعم وجوه الدلالة من النص والظاهر والمفهوم وغيره ، وليخرج القياس والإجماع ، إذ لا يتصور النسخ فيهما ولا بهما. وقيدا بالتراخي ، لأنه لو اتصل به لكان بيانا لغاية الحكم لا ناسخا ، أو يكون آخر الكلام يرفع أوله ، كقولك: قم لا تقم.
تفسير: ما ننسخ من آية او ننسها - مقال
السابعة: المنسوخ عند أئمتنا أهل السنة هو الحكم الثابت نفسه لا مثله
وقال السدي: ( نأت بخير منها أو مثلها) يقول: نأت بخير من الذي نسخناه ، أو مثل الذي تركناه. وقال قتادة: ( نأت بخير منها أو مثلها) يقول: آية فيها تخفيف ، فيها رخصة ، فيها أمر ، فيها نهي.
وإن كان النسخ إلى أخف، كما في نسخ مصابرة الواحد للعشرة في القتال، بمصابرته لاثنين فقط، وكما في نسخ وجوب قيام الليل إلى الندب، فالخيرية في هذا بالتخفيف على الأمة مع تمام الأجر. وإن كان النسخ إلى مساوٍ ومماثل كما في نسخ التوجه إلى بيت المقدس بالتوجه إلى الكعبة فالخيرية في هذا بالاستسلام لأمر الله- عز وجل- وتمام الانقياد له. ﴿ أَوْ مِثْلِهَا ﭝ ﴾ في الخيرية، من حيث العمل والأجر وغير ذلك، أو مثلها في العمل، وإن كان خيراً منها في العاقبة والأجر. وفي الآية إشارة إلى أن المنسوخ لابدَّ له من بدل مقارن له، مرتبط به ارتباط الشرط بجوابه. فما ينسخه الله- عز وجل- من الآيات، أو ينسئه نبيه صلى الله عليه وسلم، أو يؤخره فلا ينسخه، أو يؤخر نزوله فلا ينزله يأت بخير منه أو مثله عملاً وثواباً وغير ذلك، ديناً ودنيا وأخرى. والبدل الذي هو خير من المنسوخ أو مثله قد يكون هو الناسخ نفسه، وقد يكون هو وغيره مما يأتي به الله عز وجل. ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ الهمزة للاستفهام التقريري في هذا الموضع والذي بعده، و"أنَّ" للتوكيد في هذا الموضع والذي يليه، أي: قد علمت ﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.