وشُبّها بخيطين: أبيض وأسود ، لأن أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق وما يمتد معه من غبش الليل ، كالخيط الممدود. قال أبو دؤاد الإيادي:
فلما أضاءت لنا سدفة ولاح من الصبح خيطٌ أنارا
وقوله: { مِنَ الْفَجْرِ} بيان للخيط الأبيض. واكتفى به عن بيان الخيط الأسود ، لأن بيان أحدهما بيان للثاني. تفسير قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم...}. وقد رفع بهذا البيان الالتباس الذي وقع أول أمر الصيام. كما روى الشيخان وغيرهما عن سهل بن سعد قال: أنزلت: { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} ولم ينزل: { مِنَ الْفَجْرِ}. وكان رجال إذا أرادوا والصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود ، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما ، فأنزل الله بعده: { مِنَ الْفَجْرِ} فعلموا إنما يعني الليل والنهار ، ورويا أيضاً. واللفظ لمسلم - عن عدي بن حاتم قال: لما نزلت: { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} قال له عدي: يا رسول الله! إني أجعل تحت وسادتي عقالين: عقالاً أبيض وعقالاً أسود ، أعرف الليل من النهار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن وسادك لعريض ، إنما هو سواد الليل وبياض النهار)).
- وقت ابتداء الصوم وانتهائه - طريق الإسلام
- تفسير قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم...}
- (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)
- تفسير والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون [ المؤمنون: 8]
- آية وتفسير: والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون
وقت ابتداء الصوم وانتهائه - طريق الإسلام
"من أتى مفطرا ، وهو شاك في طلوع الفجر فصومه صحيح ، لأن الله
سبحانه وتعالى قال: ( فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ
لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ
البقرة/187. وضد التبين الشك والظن ، فما دمنا لم يتبين لنا
فلنا أن نأكل ونشرب ، وهذه المسألة لها خمسة أقسام:
1- أن يتيقن أن الفجر لم يطلع ، مثل: أن يكون طلوع الفجر في
الساعة الخامسة ، ويكون أكله وشربه في الساعة الرابعة والنصف فصومه صحيح. وقت ابتداء الصوم وانتهائه - طريق الإسلام. 2- أن يتيقن أن الفجر طلع ، كأن يأكل الساعة الخامسة والنصف فهذا
صومه فاسد. 3- أن يأكل وهو شاك هل طلع الفجر أو لا ، ويغلب على ظنه أنه لم
يطلع ؟ فصومه صحيح. 4- أن يأكل ويشرب ، ويغلب على ظنه أن الفجر طالع فصومه صحيح. 5- أن يأكل ويشرب مع التردد الذي ليس فيه رجحان فصومه صحيح" اهـ. والله أعلم.
تفسير قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم...}
بيّن النبي صلى الله عليه وسلم فضل السحور، وأنه بركة، وأنه فرق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، كما استحب تأخير السحور حتى يكون بينه وبين الفجر قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية.
شرح حديث: (إنها بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوه)
تراجم رجال إسناد حديث: (إنها بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوه)
قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور]. هو الكوسج ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود. [عن عبد الرحمن]. هو ابن مهدي البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن شعبة]. هو ابن الحجاج ، شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الحميد صاحب الزيادي]. هو ابن دينار ، عبد الحميد بن دينار صاحب الزيادي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ، و مسلم ، و أبو داود ، و النسائي. [سمعت عبد الله بن الحارث]. هو الأنصاري البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وكلو واشربو حتي يتبين لكم الخيط الابيض. [يحدث عن رجل].
وقال أبو عبيد: المراد بالخيط الأسود الليل وبالخيط الأبيض الفجر الصادق, والخيط اللون, وقيل المراد بالأبيض أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود, وبالأسود ما يمتد معه من غبش الليل شبيها بالخيط, قاله الزمخشري. قال: وقوله: ( من الفجر) بيان للخيط الأبيض, واكتفى به عن بيان الخيط الأسود لأن بيان أحدهما بيان للآخر. قال: ويجوز أن تكون " من " للتبعيض لأنه بعض الفجر, وقد أخرجه قوله: ( من الفجر) من الاستعارة إلى التشبيه, كما أن قولهم رأيت أسدا مجاز فإذا زدت فيه من فلان رجع تشبيها. ثم قال: كيف جاز تأخير البيان وهو يشبه العبث لأنه قبل نزول ( من الفجر) لا يفهم منه إلا الحقيقة وهي غير مرادة, ثم أجاب بأن من لا يجوزه - وهم أكثر الفقهاء والمتكلمين - لم يصح عندهم حديث سهل, وأما من يجوزه فيقول ليس بعبث لأن المخاطب يستفيد منه وجوب الخطاب ويعزم على فعله إذا استوضح المراد به. حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود. انتهى. ونقله في التجويز عن الأكثر فيه نظر كما سيأتي, وجوابه عنهم بعدم صحة الحديث مردود ولم يقل به أحد من الفريقين لأنه مما اتفق الشيخان على صحته وتلقته الأمة بالقبول, ومسألة تأخير البيان مشهورة في كتب الأصول, وفيها خلاف بين العلماء من المتكلمين وغيرهم, وقد حكى ابن السمعاني في أصل المسألة عن الشافعية أربعة أوجه: الجواز مطلقا عن ابن سريج والإصطخري وابن أبي هريرة وابن خيران, والمنع مطلقا عن أبي إسحاق المروزي والقاضي أبي حامد والصيرفي, ثالثها جواز تأخير بيان المجمل دون العام.
ابن كثير: وقوله: ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) أي: إذا اؤتمنوا لم يخونوا ، بل يؤدونها إلى أهلها ، وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك ، لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان ". القرطبى: قوله تعالى: والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون قرأ الجمهور ( لأماناتهم) بالجمع. وابن كثير بالإفراد. والأمانة والعهد يجمع كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولا وفعلا. وهذا يعم معاشرة الناس ، والمواعيد ، وغير ذلك ؛ وغاية ذلك حفظه والقيام به. والأمانة أعم من العهد ، وكل عهد فهو أمانة فيما تقدم فيه قول أو فعل أو معتقد. آية وتفسير: والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون. الطبرى: يقول تعالى ذكره: ( وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ) التي ائتمنوا عليها ( وَعَهْدِهِمْ) وهو عقودهم التي عاقدوا الناس ( رَاعُونَ) يقول: حافظون لا يضيعون، ولكنهم يوفون بذلك كله. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار إلا ابن كثير: ( وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ) على الجمع. وقرأ ذلك ابن كثير: " لأمانَتِهِم " على الواحدة. والصواب من القراءة في ذلك عندنا: (لأَمَانَاتِهِمْ) لإجماع الحجة من القراء عليها.
(والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)
عربى - التفسير الميسر: والذين هم حافظون لكل ما اوتمنوا عليه موفون بكل عهودهم
تفسير والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون [ المؤمنون: 8]
ولقد جاءت هذه الصفات بعد استثناء منقطع يكون فيه تسد فيه الأداة » إلا » مسد الأداة » لكن » ،ويكون ما بعدها إخبار. وما قبل أسلوب الاستثناء المنقطع كان عبارة عن ذكر صفتي الهلع والجزع المتأصلتين في طبيعة الإنسان كلما مسه شر ، ولا تنفكان عنه إلا إذا توفرت فيه الصفات الواردة ما بعد الاستثناء المنقطع مما مر ذكره.
آية وتفسير: والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون
وقيل إنَّهم يرثون من الكفَّارِ منازلهم فيها حيث فوَّتُوها على أنفسِهم لأنَّه تعالى خلقَ لكلِّ إنسان منزلًا في الجنَّةِ ومنزلًا في النَّارِ. {هُمْ فِيهَا} أي في الفردوسِ. والتَّأنيثُ لأنَّه اسمٌ للجنَّةِ أو لطبقتهم العُليا وهو البستان الجامعُ لأصناف الثَّمرِ. رُوي أنَّه تعالى بَنَى جنَّة الفِردوسِ لبنةً من ذهبٍ ولَبنةً من فضَّةٍ وجعلَ خلالَها المسكَ الأذفرَ، وفي روايةٍ ولبنةً من مسكٍ مذريَ وغرسَ فيها من جيِّدِ الفاكهةِ وجيِّدِ الرَّيحانِ. {خالدون} لا يخرجُون منها أبدًا والجملة إمَّا مستأنفةٌ مقرِّرةٌ لما قبلها وإمَّا حالٌ مقدَّرةٌ من فاعل يرثون أو مفعولهِ إذ فيها ذِكرُ كلَ منهما. تفسير والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون [ المؤمنون: 8]. ومعنى الكلامِ لا يموتُون ولا يخرجون منها. اهـ.. قال الألوسي: {والذين هُمْ لأماناتهم وَعَهْدِهِمْ راعون}. قائمون بحفظها وإصلاحها، وأصل الرعي حفظ الحيوان إما بغذائه الحافظ لحياته أو بذب العدو عنه، ثم استعمل في الحفظ مطلقًا. والأمانات جمع أمانة وهي في الأصل مصدر لكن أريد بها هنا ما ائتمن عليه إذ الحفظ للعين لا للمعنى وأما جمعها فلا يعين ذلك إذ المصادر قد تجمع كما قدمنا غير بعيد، وكذا العهد مصدر أريد به ما عوهد عليه لذلك، والآية عند أكثر المفسرين عامة في كل ما ائتمنوا عليه وعوهدوا من جهة الله تعالى ومن جهة الناس كالتكاليف الشرعية والأموال المودعة والايمان والنذور والعقود ونحوها، وجمعت الأمانة دون العهد قيل لأنها متنوعة متعددة جدًا بالنسبة إلى كل مكلف من جهته تعالى ولا يكاد يخلو مكلف من ذلك ولا كذلك العد.
وإنه لمن الاستخفاف والاستهانة بالمسؤولية أن يتقدم إلى أمانة تمثيل الشعب من لا يستطيع ذلك إما لجهله الفاضح أو لقلة خبرته وعلمه بهذه المسؤولية الخطيرة أو لسبق إصراره على التفريط فيها ، واتخاذها مطية أو وسيلة لطلب عرض الدنيا الزائل وحكمه حكم السحت المحرم. ومن الاستخفاف والاستهانة بهذه الأمانة الخطيرة ألا يقوم بأمانة الشهادة من يصوتون على من يرشحون أنفسهم لتقلدها، وهم يعلمون علم اليقين أنهم غير أهل لها ، والأدهى من ذلك أن يحصلوا مقابل أصواتهم على رشى لا تسمن ولا تغني من جوع ، وهي سحت يأكلونه ويطعمونه أهلهم. والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون. وبناء على ما مر بنا يجدر بالمترشحين للانتخابات المقبلة والمصوتين على حد سواء أن ينأوا بأنفسهم عن ارتكاب الإثم فيها عن ظلم وجهالة إن كانوا حقا مصلين محافظين ودائمين على صلاته ، صلاة لا يراؤون فيها ، وكان في أمولهم حق معلوم للسائل والمحروم ، وكانوا يصدقون بيوم الدين ويشفقون على أنفسهم منه ، وكانوا لفروجهم حافظين ، وكانوا لأماناتهم وعهدهم راعين ، وكانوا بشهادتهم قائمين. اللهم إنا نسألك الإخلاص في أداء الصلاة والمحافظة والدوام عليها ، ونسألك الحرص على حق السائل والمحروم في أموالنا ، ونسألك الصدق في التصديق بيوم الدين ، ونسالك حفظ الفروج ، ونسألك رعاية الأمانات والعهود ، ونسألك القيام بالشهادة على الوجه الذي يرضيك ، وترضى به عنا يا رب العالمين.
ولذا عدت الخيانة في الأمانة من آيات النفاق في الحديث المشهور. {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} أي: يحافظون عليها. وذلك أن لا يسهوا عنها ويؤدّوها في أوقاتها، ويقيموا أركانها، ويوكلوا نفوسهم بالاهتمام بها وبما ينبغي أن تتم به أوصافها. وليس هذا تكريرًا لما وصفهم به أولًا. فإن الخشوع في الصلاة، غير المحافظة عليها. وتقديم الخشوع اهتمامًا به. حتى كأن الصلاة، لا يعتد به بدونه، أو لعموم هذا له. وفي تصدير الأوصاف وختمها بأمر الصلاة، تعظيم لشأنها. {أُولَئِكَ} أي: الجامعون لهذه الأوصاف: {هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} أي: الجنة: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أي: لا يخرجون منها أبدًا. قال الشنقيطي: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)}. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من صفات المؤمنين المفلحين الوارثين الفردوس: أنهم راعون لأماناتهم وعهدهم: أي محافظون على الأمانات، والعهود. والأمانة تشمل: كل ما استودعك الله، وأمرك بحفظه، فيدخل فيها حفظ جوارحك من كل ما لا يرضي الله، وحفظ ما ائتمنت عليه من حقوق الناس، والعهود أيضًا تشمل: كل ما أخذ عليك العهد بحفظه، من حقوق الله، وحقوق الناس.