وبمثل هذه الحجة استدل الفاروق على اليهود حين قالوا له: أرأيت قولكم وجنة عرضها السماوات والأرض فأين النار ؟ فقالوا له: لقد نزعت بما في التوراة. ونبه تعالى بالعرض على الطول لأن الغالب أن الطول يكون أكثر من العرض ، والطول إذا ذكر لا يدل على قدر العرض. جنة عرضها السموات والارض. قال الزهري: إنما وصف عرضها ، فأما طولها فلا يعلمه إلا الله; وهذا كقوله تعالى: متكئين على فرش بطائنها من إستبرق فوصف البطانة بأحسن ما يعلم من الزينة ، إذ معلوم أن الظواهر تكون أحسن وأتقن من البطائن. وتقول العرب: بلاد عريضة ، وفلاة عريضة ، أي واسعة; قال الشاعر: كأن بلاد الله وهي عريضة على الخائف المطلوب كفة حابل وقال قوم: الكلام جار على مقطع العرب من الاستعارة; فلما كانت الجنة من الاتساع والانفساح في غاية قصوى حسنت العبارة عنها بعرض السماوات والأرض; كما تقول للرجل: هذا بحر ، ولشخص كبير من الحيوان: هذا جبل. ولم تقصد الآية تحديد العرض ، ولكن أراد بذلك أنها أوسع شيء رأيتموه. وعامة العلماء على أن الجنة مخلوقة موجودة: لقوله أعدت للمتقين وهو نص حديث الإسراء وغيره في الصحيحين وغيرهما. وقالت المعتزلة: إنهما غير مخلوقتين في وقتنا ، وإن الله تعالى إذا طوى السماوات والأرض ابتدأ خلق الجنة والنار حيث شاء; لأنهما دار جزاء بالثواب والعقاب ، فخلقتا بعد التكليف في وقت الجزاء; لئلا تجتمع دار التكليف ودار الجزاء في الدنيا ، كما لم يجتمعا في الآخرة.
- خطبة حول قوله تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) - خطب الجمعة - حامد إبراهيم
- "وجنة عرضها كعرض السماوات والأرض".. إذا كان عرضها أوسع مما نعرف فما طولها؟
- هذا ثواب الكاظمين الغيظ والعافين علي الناس .. جنة عرضها السماوات والأرض بانتظارهم
خطبة حول قوله تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) - خطب الجمعة - حامد إبراهيم
قال: " وكذلك النار تكون حيث شاء الله عز وجل ". وهذا يحتمل معنيين: أحدهما: أن يكون المعنى في ذلك: أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار ألا يكون في مكان ، وإن كنا لا نعلمه ، وكذلك النار تكون حيث يشاء الله عز وجل ، وهذا أظهر كما تقدم في حديث أبي هريرة ، عن البزار. الثاني: أن يكون المعنى: أن النهار إذا تغشى وجه العالم من هذا الجانب ، فإن الليل يكون من الجانب الآخر ، فكذلك الجنة في أعلى عليين فوق السماوات تحت العرش ، وعرضها كما قال الله ، عز وجل: ( كعرض السماء والأرض) [ الحديد: 21] والنار في أسفل سافلين. هذا ثواب الكاظمين الغيظ والعافين علي الناس .. جنة عرضها السماوات والأرض بانتظارهم. فلا تنافي بين كونها كعرض السماوات والأرض ، وبين وجود النار ، والله أعلم.
&Quot;وجنة عرضها كعرض السماوات والأرض&Quot;.. إذا كان عرضها أوسع مما نعرف فما طولها؟
فالآياتُ لم تتصدَّ لتحديد موقع الجنَّة كما أنَّها لم تتصدَّ لتحديد موقع النَّار، ولم نجد في الروايات ما يُمكن الاعتماد عليه في تحديد موقع النَّار. خطبة حول قوله تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) - خطب الجمعة - حامد إبراهيم. ولعل منشأ السؤال عن موقع النار هو توهُّم أنَّ الجنَّة إذا كانت تستوعبُ السماوات والأرض فإنَّه لن يبقى موقعٌ تكون فيه النَّار إلا أنَّ هذا التوهُّم خاطئ، لأنَّ قدرة الله جلَّ وعلا مُطلقة لا يحدُّها شيء، فكما خلَقَ السماواتِ والأرض فإنَّه قادر على أنْ يخلق مثلهن قال تعالى: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ / إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ / فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (9). والحمد لله رب العالمين
من كتاب: شؤون قرآنية
الشيخ محمد صنقور
1- سورة آل عمران / 133. 2- حقائق التأويل للشريف الرضي ص240، تفسير مجمع البيان -الشيخ الطبرسي- ج2 / ص389، معاني القرآن -النحاس- ، أفاد انَّ استعمال العرض في السعة معروف في اللغة واستشهد بما روي عن النبي (ص) انه قال للمهزومين يوم أحد (لقد ذهبتهم فيها عريضة) يعني واسعة وأنشد أهل اللغة (كأن بلاد الله وهي عريضة) ج1 / ص275، تفسير السمرقندي -أبو الليث السمرقندي- ج1 / ص271، تفسير الثعلبي -الثعلبي- ج9 / ص244، تفسير السمعاني -السمعاني- ج1 / ص357، زاد المسير -ابن الجوزي- ج2 / ص29.
هذا ثواب الكاظمين الغيظ والعافين علي الناس .. جنة عرضها السماوات والأرض بانتظارهم
الدار نبهت كذلك إلي ، إن الذين يسارعون إلى مغفرة الله لهم فهم الذين كتبهم الله سبحانه وتعالى من عباده المتقين الذين أعد لهم الجنة وهيأها وجهزها ومن أول صفات المتقين أنهم ينفقون أموالهم فى السراء أي فى سبيل الله وعلى أي حال وأي وقت. واعتبرت فتوي الدار ، أن العفو من صفات المحسنين، ويقول الله تعالى {وَ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ * وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} مشيرة إلي أن عباد الله الصالحين تترقرق الرحمة في قلوبهم، يتعاملون مع الكون وكأنه حي مدرك، ويتعاملون معه برفق، عبد من عباد الرحمن؛ يمشي على الأرض هونًا، ويعتذر لخلق الله، ويقدر حالهم من الجهل والجهالة «وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا» يسلمون من الناس، ويسلم الناس منهم بصبرهم وحلمهم؛ فلا يعتدون عليهم بمثل ما يعتدى عليهم بل إنهم يصبرون لله وبالله. اجر من تحمل ألم الصبر بل أن الله تعالي بين لنا أجر الصابرين وجزاء من تحمل ألم الصبر، يصبرون لله رب العالمين وهم قادرون على الرد، وقادرون على رد العدوان بالعدوان، بل إنه قد أبيح لهم ذلك، ولكن الله رقى حالهم، وجعل الصبر أحلى وأعلى «وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا» خاطبوهم بالجهل بشأنهم وما هم عليه، أو بالجهالة عليهم والتطاول في الخطاب، إلا أنهم لا يواجهونهم إلا بالسلام، فالقول السلام يشمل الفعل السلام، فهم- رحمة بهم- يحلمون عليهم، وكأنهم يسدون عليهم موارد الفساد، وكأنهم يسدون عليهم موارد النزاع والخصام
عليه كرهاً وقد شدت بتسمير يداه فذاك المركب الملعون حقاً فدسه لا تبسه إذ تراه يهان عليه رب الخلق طراً وتعبده؟ فإنك من عداه فإن عظمته من أجل أن قد حوى رب العباد وقد علاه فهلا للقبور سجدت طراً لضم القبر ربك في حشاه؟ فياعبد المسيح أفق فهذا بدايته وهذا منتهاه ------------------------------------------------------------------------------