كما يعالج الكثير من المفاسد والشرور التي تنتج عن بطر الأغنياء، وشدّة فقر الفقراء، قال تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ (التوبة: 103). «مياه سوهاج» تنظم حملة توعوية لترشيد الاستهلاك وعدم الإسراف. وعلى هذا الأساس كان الحثّ على الإنفاق والتصدّق ممّا يحبه الإنسان ويرغب به، قال الله تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ (آل عمران: 92). وفي الحديث عن الحسين بن علي والصادق عليه السلام "أَنَّهُمَا كَانَا يَتَصَدَّقَانِ بِالسُكَّرِ، وَيَقُولانِ إِنَّهُ أَحبُّ الأَشْيَاءِ إِلَيْنَا، وَقَدْ قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون ﴾... "(3). وفي الحديث عن أبي الطفيل قالَ: "اشـْتـَرى عـَلـِيٌّ عليه السلام ثَوْباً فَأَعْجَبَهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ: مَنْ آثَرَ عَلَى نَفْسِهِ آثَرَهُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ بِالجَنَّةِ وَمَنْ أَحَبَ شَيْئاً فَجَعَلَهُ لِلَّهِ قَالَ الله تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ قَدْ كَانَ العِبَادُ يُكَافِئُونَ فِيمَا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ وَأَنَا أُكَافِيكَ الْيَومَ بِالْجَنَّةِ" (4).
- حديث عن الاسراف في الماء
- حديث نبوي عن الاسراف
حديث عن الاسراف في الماء
وعليه فإن كل ما خلّفه الإنسان خالصاً لله تعالى، سينال حسناته في الآخرة، بل سيرى الإنسان أعماله محضرةً في ذلك اليوم الذي تزول فيه الحجب، وتكون كالفضل الدائم عليه بكل منافعها. وهذا ما يُفهم من الرواية المروية عن النبي صلى الله عليه وآله: "إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاثة: ولد صالح يدعو له، وعلم يُنتفع به بعد موته، وصدقة جارية" (8). وفي خبر هشام بن سالم: "ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، وسنّة هدى سنّها فهي يُعمل بها بعد موته، وولد صالح يدعو له" (9). حديث عن عدم الاسراف. وفي خبر آخر: "ستة يلحق المؤمن بعد وفاته: ولد يستغفر له، ومصحف يخلِّفه، وغرس يغرسه، وقليب (بئر) يحفره، وصدقة يجريها، وسنّة يؤخذ بها من بعده" (10). فالواضح من هذه الأخبار أن بعض أعمال الإنسان ينقطع وتذهب آثاره بموته، وبعضها الآخر يستمر بعد الموت. والاستمرار هنا ليس أمراً ذاتياً، بل يرتبط بما تركه الإنسان، ويمكن الاستفادة منه بشكل دائم. وقد أفتى الكثير من الفقهاء بأنّ بذل المال في بناء المسجد أو المشاركة في بنائه مع جماعة، من الصدقة الجارية لمن بذلها أو نواها عنه إذا حسنت النية، وكان هذا المال من كَسْبٍ طيّب.
حديث نبوي عن الاسراف
(1) وسائل الشيعة (الإسلامية)، الحر العاملي، ج 6، ص 258، ح 17. (2) الكافي، الشيخ الكليني، ج 8، ص 79، ح 33. (3) التفسير الصافي، الفيض الكاشاني، ج 1، ص 355. (4) م. ن. (5) تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج 2، ص 342. (6) ميزان الحكمة، الشيخ محمد الريشهري، ج 2، ص 1594. (7) وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج 9، ص 407، ح 2. (8) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 12، ص 230. (9) وسائل الشيعة (آل البيت)، م. س، ج 19، ص 171، ح14. (10) وسائل الشيعة (الإسلامية)، م. س، ج 13، ص 292، ح 5. (11) مستدرك الوسائل، م. س، ج 9، ص 42، ح10. (12) بحار الأنوار، م. س، ج 96، ص 137. (13) ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق، ص 141. (14) نهج البلاغة، الشريف الرضي، ج 4، ص 34. (15) الكافي، م. حديث نبوي عن الاسراف. س، ج 4، ص 3. (16) كنز العمال، المتقي الهندي، ج 6، ص 348. (17) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج 4، ص 105، ح 34. (18) بحار الأنوار، م. س، ج 93، ص 176. (19) م. ن، ج 75، ص 284. أضيف في:
2019-03-13
|
عدد المشاهدات:
10062
وتصرّح طائفة من الروايات بأن الصدقة تُطوّل العمر وتدفع الفقر وتزيد في الرزق، فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "البرّ والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر، ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء" (13)، وعن الإمام علي عليه السلام: "استنزلوا الرزق بالصدقة" (14). ويقصد بالآثار الأخروية للصدقة، تلك التي وَعَدَ الله بإيفائها للمتصدّقين في الآخرة، يوم لا ينفع الناس إلا أعمالهم الصالحة، كالتظلّل بظلّ الصدقة من النار، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "أرض القيامة نار، ما خلا ظلّ المؤمن فإنّ صدقته تُظلُّه"(15)، وأنها تطفئ حرّ القبور، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حرّ القبور... " (16). * صدقتا السِّرّ والعلانية
لقد حثّت الأخبار على صدقة السرّ والليل، ولكن لم يرد النهي الصريح عن صدقة العَلَن والنهار، بل ورد الحثُّ عليها أيضاً. حديث عن الاسراف في الماء. ولعلّ ذلك فيه إشارة إلى كون الصدقة ذات أبعاد اجتماعية وتربوية. قال الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ صدقة الليل تطفئ غضب الربّ، وتمحو الذنب العظيم، وتهوّن الحساب، وصدقة النهار تثمر المال، وتزيد في العمر" (17)، وقال عليه السلام: "إنّ صدقة النهار تميث (تذيب) الخطيئة كما يميث الماء الملح، وإنّ صدقة الليل تطفئ غضب الربّ جلّ جلاله" (18)، وقال عليه السلام أيضاً: "لا تتصدّق على أعين الناس ليزكُّوك؛ فإنّك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك، ولكن إذا أعطيت بيمينك فلا تُطلع عليها شمالك؛ فإنّ الذي تتصدّق له سرّاً يجزيك علانية... " (19).