واعلم أنه لما انقضت هذه الواقعة قال إبراهيم: ( إني ذاهب إلى ربي) ونظير هذه الآية قوله تعالى: ( وقال إني مهاجر إلى ربي) [ العنكبوت: 26] وفيه مسائل:
المسألة الأولى: دلت هذه الآية على أن الموضع الذي تكثر فيه الأعداء تجب مهاجرته ، وذلك لأن إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه ، مع أن الله سبحانه خصه بأعظم أنواع النصرة ، لما أحس منهم بالعداوة الشديدة هاجر من تلك الديار ، فلأن يجب ذلك على الغير كان أولى. المسألة الثانية: في قوله ( وقال إني ذاهب إلى ربي) قولان:
الأول: المراد منه مفارقة تلك الديار ، والمعنى إني ذاهب إلى مواضع دين ربي. قوله: ( إني ذاهب إلى ربي ) وقوله: ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) هل يحتاج إلى تأويل ؟ - الإسلام سؤال وجواب. والقول الثاني: قال الكلبي: ذاهب بعبادتي إلى ربي ، فعلى القول الأول المراد بالذهاب إلى الرب هو الهجرة من الديار ، وبه اقتدى موسى حيث قال: ( كلا إن معي ربي سيهدين) [ الشعراء: 62]. وعلى القول الثاني: المراد رعاية أحوال القلوب ، وهو أن لا يأتي بشيء من الأعمال إلا لله تعالى ، كما قال: ( وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض) [ الأنعام: 79] قيل: إن القول الأول أولى ؛ لأن المقصود من هذه الآية بيان مهاجرته إلى أرض الشأم ، وأيضا يبعد حمله على الهداية في الدين ؛ لأنه كان على الدين في ذلك الوقت إلا أن يحمل ذلك على الثبات عليه ، أو يحمل ذلك على الاهتداء إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة في أمر الدين.
قوله: ( إني ذاهب إلى ربي ) وقوله: ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) هل يحتاج إلى تأويل ؟ - الإسلام سؤال وجواب
قال إني ذاهب الى ربي سيهدينِ - YouTube
إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ
وقد أجمع أهل السنة على أن الصفات كلها محمولة على الحقيقة دون المجاز. قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: " أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز ، إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك ولا يحدّون فيه صفة محصورة. وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج: فكلهم ينكرها، ولا يحمل شيئاً منها على الحقيقة. ويزعمون أن من أقر بها مشبه. وهم عند من أثبتها: نافون للمعبود. والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله ، وهم أئمة الجماعة والحمد لله" انتهى من "التمهيد" (7/ 145). فالدليل على منع التأويل أمور:
أنه مترتب على قول عظيم البطلان ، وهو أن ظواهر نصوص الصفات توهم التشبيه. أن التأويل خلاف الأصل، ولا يصح إلا مع وجود القرينة، والقرينة عند المؤولة هي الاستحالة العقلية ، أي استحالة اتصاف الله بالوجه واليدين والنزول، وهذا من أعظم الطعن في كتاب الله، وفي بلاغ النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يصف الله نفسه بما هو محال، وكيف لا يبين النبي صلى الله عليه وسلم لأمته هذا المحال. [ وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين ] تلاوة عذبه للشيخ ناصر القطامي - YouTube. وانظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (262799). ثانيا:
قوله تعالى: (إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ) الصافات/99، مفسر في موضع آخر، وهو قوله تعالى: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) العنكبوت/26.
[ وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين ] تلاوة عذبه للشيخ ناصر القطامي - Youtube
فالذهاب هنا هو الهجرة، والهجرة كانت لأرض الشام، كما قال سبحانه: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/71 ، والقرآن يفسر بعضه بعضا. ثم إنه لا استحالة في أن يذهب إبراهيم إلى ربه حقيقة، كما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكما رفع الله عيسى إليه. غير أنه غير مراد في هذه الآية ، بل هي واضحة المعنى ، بينتها الآيات الأخرى. والتأويل كما قدمنا فرع عن استحالة الحمل على الحقيقة، فلا تأويل هنا بالمعنى الاصطلاحي المتأخر، وإنما هو تفسير للنص بما ورد في نص آخر بما يزيده بيانا ووضوحا. ثالثا:
قوله تعالى: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا) مريم/85 لا تأويل فيه، وهو على ظاهره، فإن المتقين يحشرون إلى الله، ويلقونه، ويزورونه، ويرونه!! وأي استحالة في هذا ؟! إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ. وأي حرمان: أن يؤول مثلُ هذا النص المشتمل على أعظم كرامة لأهل الإيمان ؟! قال ابن كثير رحمه الله: " يخبر تعالى عن أوليائه المتقين، الذين خافوه في الدار الدنيا، واتبعوا رسله وصدقوهم فيما أخبروهم، وأطاعوهم فيما أمروهم به، وانتهوا عما عنه زجروهم: أنه يحشرهم يوم القيامة وفدا إليه. والوفد: هم القادمون ركبانا، ومنه الوفود ، وركوبهم على نجائب من نور، من مراكب الدار الآخرة، وهم قادمون على خير موفود إليه، إلى دار كرامته ورضوانه...
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا ابن خالد، عن عمرو بن قيس الملائي، عن ابن مرزوق: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال: يستقبل المؤمن عند خروجه من قبره أحسن صورة رآها، وأطيبها ريحا، فيقول: من أنت؟ فيقول: أما تعرفني؟ فيقول: لا ، إلا أن الله قد طيب ريحك ، وحسن وجهك.
وفي قوله: سيهدين على هذا القول تأويلان: أحدهما سيهدين إلى الخلاص منها. الثاني: إلى الجنة. وقال سليمان بن صرد وهو ممن أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -: لما أرادوا إلقاء إبراهيم في النار جعلوا يجمعون له الحطب ، فجعلت المرأة العجوز تحمل على ظهرها وتقول: أذهب به إلى هذا الذي يذكر آلهتنا ، فلما ذهب به ليطرح في النار قال إني ذاهب إلى ربي. فلما طرح في النار قال: حسبي الله ونعم الوكيل فقال الله تعالى: يا نار كوني بردا وسلاما فقال أبو لوط وكان ابن عمه: إن النار لم تحرقه من أجل قرابته مني. فأرسل الله عنقا من النار فأحرقه. الثانية: قوله تعالى: رب هب لي من الصالحين لما عرفه الله أنه مخلصه دعا الله ليعضده بولد يأنس به في غربته. وقد مضى في [ آل عمران] القول في هذا. وفي الكلام حذف ، أي: هب لي ولدا صالحا من الصالحين ، وحذف مثل هذا كثير. فبشرناه بغلام حليم أي إنه يكون حليما في كبره ، فكأنه بشر ببقاء ذلك الولد; لأن الصغير لا يوصف بذلك ، فكانت البشرى على ألسنة الملائكة كما تقدم في [ هود]. ويأتي أيضا في [ الذاريات].
نايف حمدان / طلبت المستقر بكل ارض. - YouTube
قصيدة طلبت المستقر بكل أرض لـ الحلاج - موسوعة حروف
إسماعيل بن القاسم بن سويد العنزي ، أبو إسحاق ولد في عين التمر سنة 130هـ/747م، ثم انتقل إلى الكوفة، كان بائعا للجرار، مال إلى العلم والأدب ونظم الشعر حتى نبغ فيه، ثم انتقل إلى بغداد، واتصل بالخلفاء، فمدح الخليفة المهدي والهادي وهارون الرشيد. أغر مكثر، سريع الخاطر، في شعره إبداع، يعد من مقدمي المولدين، من طبقة بشار بن برد وأبي نواس وأمثالهما. كان يجيد القول في الزهد والمديح وأكثر أنواع الشعر في عصره.
طَلَبتُ المُستَقَرَّ بِكُلِّ أَرضٍ
فَلَم أَرَ لي بِأَرضٍ مُستَقَرّا
وَذُقتُ مِنَ الزَمانِ وَذاقَ مِنّي
وَجَدتُ مَذاقَهُ حُلواً وَمُرّا
أَطَعتُ مَطامِعي فَاِستَعبَدَتني
وَلَو أَنّي قَنَعتُ لَكُنتُ حُرّا
نوع المنشور:
المنشور السابق
تعودت مس الضر حتى
المنشور التالي
وطائر حل أرض الشام أقلقه