لقد أسس النبي محمد صلى الله عليه وسلم دولته في المدينة المنورة، وقد أخذت هذه الدولة الفتية مادتها من العمق التشريعي الإسلامي مع الاستئناس بمورث العرف السليم المتداول قبل الإسلام؛ (كالشورى وتكوين المجالس الاستشارية في الازمات والملمات، واختيار الكفء في المناصب السياسية والعسكرية وغيرها)؛ إذ إن تجذُّرَ القبيلة في نفوس المسلمين واحتوائها على عناصر إيجابية ممكن الإفادة منها في إدارة الدولة صعَّب من إلغاء وجودها.
اعمال النبي في المدينة
وفي النهاية وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة سالمـًا ؛ وذلك في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الرابعة عشر من النبوَّة، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة مهمَّة جدًّا في السيرة النبوية ، وهي مرحلة بناء الدولة الإسلامية! تعقيب على الفترة المكية
بهذه الهجرة السعيدة الناجحة تمَّت مرحلة مهمَّة ؛ بل مهمَّة جدًّا من مراحل السيرة النبوية، وهي المرحلة المكية ، بكل أحداثها وآلامها ومشاكلها، وهي مرحلة ذات طابع خاصٍّ جدًّا، بدأ الإسلام فيها غريبًا، واستمرَّ غريبًا إلى قرب نهايتها، إلى أن آمن الأنصار رضي الله عنهم. كان الاهتمام الرئيس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المرحلة هو بناء الجانب العقائدي عند الصحابة ، فلا يؤمنون بإله غير الله تعالى، ولا يتوجَّهُون بعبادة لأحد سواه، ويتوكَّلُون عليه، ويُنيبون إليه، ويرجون رحمته، ويخافون عذابه؛ إنه الإيمان العميق بربِّ العالمين، وبرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وبإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وهو كذلك الاعتقاد الجازم أن هناك يومًا سيُبْعَث فيه الخلائق أجمعون، وسيقوم فيه الناس لربِّ العالمين، يُحَاسَبُون على ما يعملون، ولن يُظْلَم في ذلك اليوم أَحَدٌ، ولن تُغْفَل الذرة والقطمير، وإنها إما الجنَّة أبدًا أو النار أبدًا.
اول عمل قام به النبي في المدينة
فالأنصار منذ اللحظة الأولى يقولون: نحن معك يا رسول الله، ونفديك بأرواحنا وبكل ما نملك. النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة. كان هذا هو حال الأنصار واستقبالهم للرسول r استقبالاً حافلاً ومشرّفًا، ينبئ عن طبيعة الأنصار ومعدنهم النفيس الغالي. وقفة مع هذه النقلة الهائلة في مسيرة الدعوة لحظة التمكين ربما تكون قريبة، ونظرة سريعة على الفترة التي سبقت الهجرة إلى المدينة المنوّرة تؤكد هذا الأمر، فمنذ ثلاث سنوات فقط كان عام الحزن، ففيه مات أبو طالب وماتت السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها، وأظلمت مكّة تمامًا وأغلق فيها باب الدعوة إلى الدرجة التي جعلت رسول الله r يخرج من مكّة سعيًا على قدميه لإيصال الدعوة إلى مكان آخر؛ لأنه لا أحد في مكّة يؤمن بعد هذا العام. وخرج رسول الله r إلى الطائف في طريق طويل وشاقّ، وتعلمون جميعًا ما حدث في الطائف، وخرج منها r وقد قُذف بالحجارة وألقي التراب على رأسه، وسُبّ بأفظع الألفاظ، ودخل r مكّة بعد ذلك في جوار مشرك هو المطعم بن عدي. فالمحلل لهذه الأحداث يجد أنه من المستحيل حقًّا في عُرف أهل الدنيا، وفي حسابات المادة أن تقوم للرسول r ولمن معه من المؤمنين المضطهدين المشردين المعذبين في داخل مكّة المكرّمة دولة ولو بعد عشر أو عشرين سنة أو ثلاثين أو حتى بعد مائة سنة، وتستطيع مراجعة الفترة المكّيّة لتعرف مدى صعوبة هذه الفترة.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، زادك الله علمًا وفهمًا وتقوى. إنّ مكان ولادة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هو مكة المكرمة، ومكان وفاته -صلّى الله عليه وسلّم- في المدينة المنوّرة، وقد تعدّدت أقوال أهل السيَر والتاريخ فيما يخص مكان ولادة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالتحديد، وفيما يأتي بعض الأقوال المروية في هذه المسألة:
قيل إنّ ولادة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كانت في دار محمد بن يوسف الثقفي أخي الحجاج، وقد كانت قبل ذلك لعقيل بن أبي طالب ثمّ باعوها أولاده لأخي الحجاج. قيل إنّ ولادة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كانت في شعب أبي طالب. وصول رسول الله إلى المدينة - العهد المكي - السيرة النبوية| قصة الإسلام. قيل إنّ ولادة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كانت في ردم بني جُمح، والله تعالى أعلم. وعلى العموم فإنّ هذه مسألة ليست مسألة تعبّدية، وممّا نصّ عليه بعض الفقهاء أنّه يجب على الولي أن يُعلّم ولده إذا ميّز أنّه -صلّى الله عليه وسلّم- ولد بمكة ومات بالمدينة.