وليس في الذنوب أفسد للقلب من فاحشة الشرك، وفاحشة العشق ولهما خاصية في بعد القلب من الله فإنهما من أعظم الخبائث فإذا انصبغ القلب بهما بعد ممن هو طيب وكلما ازداد خبثاً ازداد من الله بعدا. يقول ابن القيم: «ولا ريب ان العشق الذي يقدم العاشق رضا معشوقه على رضا ربه بأنه من أعظم الشرك، وكثير من العشاق يصرح بأنه لم يبق في قلبه موضع لغير معشوقه البتة. رابعاً: من الأسباب: كثرة الأكل والشبع المفرط أو أكل الحرام، وأما الصوم فانه يضيق مجاري الشيطان ويسد عليه طرقه والشبع يطلقها ويوسعها قال تعالى: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين» ولا تسرفوا أي لا تأكلوا حراما، وقيل لا تأكلوا من الحلال فوق الحاجة. شرح حديث لاَ تُصَاحِب إِلاَّ مُؤْمِنًا، وَلاَ يَأْكُل طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِي. الخامس: كثرة النوم: قال أحد العلماء: إن كثرة النوم تميت القلب وتقل البدن وتضيع الوقت وتورث كثرة الغفلة والكسل ومنه المكروه ومنه الضار غير النافع للبدن. وبعد عرض أسباب مرض القلوب لعلنا نتكلم عن العلاج لها فنقول أولاً:
من أراد علاج قلبه فعليه بالتوحيد الخالص قال تعالى: «قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء» وأما الظالمين المعرضين فلا يزيدهم إلا خسارا قال أحد العلماء: لا سعادة للقلب ولا لذة نعيم وصلاح إلا أن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده وهو معبوده وغاية مطلوبه واحب اليه من كل ما سواه.
شرح حديث لاَ تُصَاحِب إِلاَّ مُؤْمِنًا، وَلاَ يَأْكُل طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِي
كثيراً ما نسمع ونردد قول الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه... فكل قرين بالمقارن يقتدي
وهو لطرفة بن العبد من معلقته المشهورة التي يقول في مطلعها:
لخَوْلَةَ أطلال ببرقةَ ثَهْمَدِ تلوحُ كباقي الوشم في ظاهر اليَد
والبيت يجري مجرى الأمثال لشهرته، ويفوقها بوضوح دلالته، وبالغ حكمته، سواء في جانبه الإيجابي أو السلبي. أما الجانب الإيجابي فيه، فإنه ناصع مشرق مشرف، فإن من كان مقارناً ومجالساً للأخيار، فإنه يصبح خيراً مفيداً نافعاً بسبب مجالسة أولئك الأخيار، فاقتدى بهم ورقى بمجالستهم إلى مصاف الأبرار، وما صار العلماء والفقهاء والمُفتون والمحدثون والأدباء والمؤرخون.. ما صاروا كذلك إلا بمجالسة أولئك الذين سميناهم. أما الجانب السلبي فهو مظلم سيئ السمعة والصيت، فإن ذلكم الذي قارن ولازم وجالس من فيه سوء وشر، ينعكس كل ذلك عليه، ويعرف به، ويسجل في الصحائف المظلمة، وقد كان بوسعه أن لا يكون كذلك، لكنه أوتي من حيث لا يحتسب. وأصل هذه الحكمة الحديث الشريف المخرج في الصحيحين من حديث أبي موسى، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال «إنما مثل الجليس الصالح، والجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة».
أما إذا هجم الضيف فإن الإنسان يكرم الضيف بما يليق بمقامه، ويدعوه إذا كان فاجرًا أو كافرًا يدعوه إلى الخير ينصح له، يدعوه إلى طاعة الله والاستقامة على دينه إن كان فاسقًا، يدعوه إلى الإسلام إن كان كافرًا، وقد جاء وفد ثقيف إلى النبي ﷺ في المدينة وهم كفار فأكرمهم ودعاهم إلى الله حتى أسلموا، فالضيف له شأن آخر. وكذلك قد يدعى الإنسان إلى وليمة فيجتمع بأناس لا خير فيهم فلا يضره ذلك؛ لكونه لم يقصد صحبتهم، وإنما جمعه معهم الطعام كما يجمعه معهم السوق والمساجد ونحو ذلك، وهم فساق. فالحاصل أن الشيء الذي ينهى عنه هو أن يتخذ الفاجر أو الكافر صاحبًا وصديقًا يأكل طعامه ويزوره ويتزاور معه ونحو ذلك، أما ما قد يعرض للإنسان من مجيء الضيف إليه، أو اتصاله بغير مسلم لدعوته إلى الله، أو لشراء حاجة منه، فقد اشترى النبي ﷺ من الكفرة واشترى من اليهود حاجات عليه الصلاة والسلام، وقد دعاه اليهود فأكل طعامهم، وأحل الله لنا طعامهم، فهذه أمور ينبغي أن يعلمها المؤمن، وأن تكون منه على بينة حتى لا ينهى عما أذن الله فيه، وحتى لا يحرم ما أحل الله ، والله المستعان. نعم.