القلق في اللغة هو الانزعاج والحركة وعدم الاستقرار في مكان واحد. والقلق في الاصطلاح هو "حالة نفسيّة وفسيولوجيّة تتركّب من تضافر عناصر إدراكيّة وجسديّة وحسيّة لخلق شعور غير سارّ يرتبط عادةً بعدم الارتياح والخوف والتردّد". والقلق في الواقع سمة ملازمة لحياة الإنسان المعاصر، والإنسان العربي، بشكل خاص، لما ينوء تحته من أعباء، ويخضع له من ضغوط، ويصطدم به من خيبات. فكيف إذا كان شاعراً مرهف الحس، حادّ المزاج، شفيف الروح كبدر شاكر السيّاب؟ والشعراء يلازمهم القلق، عبر العصور. ألم يقل أبو الطيّب المتنبّي، منذ أحد عشر قرناً:
على قلق كأنّ الريح تحتي أوجّهها جنوباً أو شمالا؟
"القلق في شعر بدر شاكر السياب" (دار نلسن) كتاب للناقد اللبناني فيصل طالب يتناول فيه ظاهرة القلق في حياة السّيّاب وشعره. في العتبة، أحسن الباحث الاختيار، مرّتين اثنتين؛ الأولى، حين اختار السيّاب حقلاً لبحثه، فأنا لا أعرف شاعراً شكّلت حياته مادّةً لشعره مثله. شبكة شعر - المتنبي - على قَلَقٍ كأنّ الرّيحَ تَحْتِي أُوَجّهُها جَنُوباً أوْ شَمَالاً. والثانية، حين اختار القلق، ضمن هذا الحقل، محوراً للبحث. فالقلق هو محرّك الإبداع، عبر العصور، ولولاه لما كان إبداع. وبذلك، يكون قد اجتهد فأصاب، وكان له الأجران. في المتن، أحسن البحث مرّات ومرّات، وبالدّخول إليه من الباب الأوّل الذي يشغل خمساً وثلاثين صفحةً أي ما نسبته 12 في المئة من البحث، يرصد طالب، في أربعة فصول، مصادر القلق السيّابي، الذاتيّة منها والموضوعيّة، استناداً إلى حياة الشّاعر وشعره، ما يجعل من هذا الباب عتبةً كبيرةً ندخل منها إلى صلب البحث.
- جريدة الرياض | على قلق كأن الريح تحتي
- شبكة شعر - المتنبي - على قَلَقٍ كأنّ الرّيحَ تَحْتِي أُوَجّهُها جَنُوباً أوْ شَمَالاً
جريدة الرياض | على قلق كأن الريح تحتي
ويخلص، على مستوى الصّورة الشّعريّة، إلى أنّ ارتقاء السّيّاب بالصّورة من الوظيفة التّزيينيّة إلى الوظيفة الرؤيويّة - الإبداعيّة التي تعبّر عن الرّؤيا الشّعريّة وتغذّي القصيدة لم يحل دون انعكاس القلق تضخيماً للصّورة ما ينحدر بوظيفتها إلى التّهويل والمبالغة. ويأتي إكثار الشّاعر من الصّور المعبّر عنها بجمل اعتراضيّة ليعكس نوعاً من الاضطراب النّفسيّ لديه. استطاع فيصل طالب بلغته المتينة الجميلة، وثقافته المتنوّعة، ومهاراته البحثيّة، ومنهجيّته العلميّة الصارمة، أن يضيف إلى مكتبة السّيّاب البحثيّة بحثاً رصيناً آخر يضاف إلى البحوث المرجعيّة في هذا الباب، وأن يرفع الظّلم عن شاعر كبير ظلمته الحياة، وأنصفه الشعر، وجعلنا نحبّ القلق متى كان طريقاً للإبداع.
شبكة شعر - المتنبي - على قَلَقٍ كأنّ الرّيحَ تَحْتِي أُوَجّهُها جَنُوباً أوْ شَمَالاً
خاطبها بلهجة ممتعضة:
- كلامك جارح، يمكنك القول أنك لا
تقرئين، ولا تردي عليّ بما قلت. - قلت لك: صاحب المكتبة غير موجود،
ويمكنك أن تعود مرة أخرى. - قولي إنك لا تقرئين. - نعم. أنا لا أقرأ، أميّة.. ألديك أيّ
اعتراض؟! تدخلت زميلتها لتهدئة الأوضاع. انسحب من أمام دكان الكتب كسيرًا،
تتكوم في قلبه كلّ المشاعر السوداء...
لمح صديقه الشاعر ينتظره
في المقهى، ناوله نسخة من الكتاب
وهو يحسّ بأنّ هناك من يشاركه فرحه بوليده البكر..
- اكتب أيّ شيء، لو متّ بعد أسبوع تبقى
كلمتك..
- ماذا أكتب؟ لا أعرف ما سأكتب..
- اكتب أيّ شيء، ضروري..
هذا الصباح، استيقظ - ومن دون منبه-
على الساعة السادسة صباحًا،أحس بنشاطٍ غريبٍ يدب في جسده المتعب..
- أفكر في الذهاب إلى الثانوية. - ربما يطلبون منك نسخا مجانية. - لا أدري..!! التقى أستاذ مادة الفلسفة بشاربه الكث
الأشبه بشارب نيتشه وهو يستقل سيارته أمام البوابة يتكلم مع أحدهم، والتلاميذ
غارقون في تفاصيل الانخراط والدخول المدرسي، مد له يده:
- أستاذ عبد الله ، كيف الحال؟
لمح الفرح يرقص في عيني الأستاذ، لم
يصدق أنه يمكن أن يتذكره بعد عشر سنوات من الغياب، سأله عن أحواله، و فرح حين
عانقت عينا الأستاذ كتابه، بادره قائلا:
- أعرف حبك القديم للّغة العربية.
كأيّ شيء مستغنى عنه، تستخدم في ما
بعد لأغراض أخرى. الفكرة مطروقة لهذا تغاضى عنها، ومزق
المسودة...
فكّر في الكتاب الذي استنزف كل
مدخراته، في الرواية المشرقيّة المقرّرة على التلاميذ- والتي سيقرأونها رغمًا
عنهم- وثمنها الخرافيّ وعدد الطبعات التي لم يحلم بها أيّ كاتب عربي من قبل.. في
حين تصفرّ أغلفة الكتب وأوراقها خلف واجهات مكتبات كئيبة...
كل هذه الهواجس تدفعه دفعًا إلى البحث
عن أيّ تعيسٍ سيّء الحظ يفجّر في وجهه غيظ وتعب يومه..
اخترق صدره الهواء الرطب داخل مقر
الجريدة. مازح السكرتيرة:
- لحسن الحظ أنّي لم أجدك عصرًا..
كان يفكر وهو في طريقه إلى الجريدة أن
يقول لها: " هاتِ النسخة، لا أريد أن يكتب عنها أحد ولا بيعها.. اغربوا عن وجهي
جميعا..!! ". - قلت لكَ صباحًا: تعامل ببرود مع كل
شيء.. صحتك أغلى من كل شيء. انشغل مع صاحب الجريدة في حديث عن
مشاكل الطباعة، ونفقات التنقل وأشياء أخرى ، وعده بأن يطّلع رئيس التحرير على
الكتاب، ولن يكتب عنه أيّ شيء قبل الاطلاع عليه. داعب دواخله بعض الأمل، وأحس ببعض
الحيوية. مساء، تناول هاتفه الجوّال:
-
أهلا، مساء الخير. كيف الحال؟
جاءه الصوت متثائبا:
كم الساعة الآن؟!