قال المفسرون: الذي رفع درجات عن بقية الأنبياء هو محمد العربي سيد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه، وهو الذي أكرمه الله باليوم الموعود وباليوم العظيم، يوم الشفاعة العظمى، وهو الذي قال عن نفسه: ( أنا سيد ولد آدم) عليه الصلاة والسلام، وهو الذي صلى بالأنبياء والمرسلين في المسجد الأقصى ليلة الإسراء أعاده الله للإسلام، وسحق اليهود وطردهم بفضله وكرمه فقد صلى بهم إماماً؛ دلالة على أنه إمامهم وكبيرهم وسيدهم، وهذا موضع إجماع المسلمين لا يختلفون فيه. وقد حاول الزمخشري في تفسيره أن يفضل جبريل على نبينا عليه الصلاة والسلام، فرد عليه المفسرون عن قوس واحدة ووبخوه ولاموه، وقالوا: قد أتى بما لا دليل عليه، فلم يرد في جبريل لا في كتاب الله ولا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته ما يشير إلى أفضليته لا من قريب ولا من بعيد، ولكنها زلة من زلات العلماء. تفسير قوله تعالى: (والقرآن الحكيم... أجمل الأدعية المستجابة في سورة يس مكتوبة - مقال. )
قال تعالى: يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس:1-2]. يقسم الله جل جلاله بالقرآن المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم ويصفه بالحكيم، والحكيم مشتق من الحكمة، والحكمة هي الصواب، والحكيم هو: من يضع الأمور مواضعها قولاً أو فعلاً، ولا يتجاوز الصواب قط لا متكلماً ولا فاعلاً.
أجمل الأدعية المستجابة في سورة يس مكتوبة - مقال
وقال بعضهم: (يس) معناها: يا إنسان! وقال بعضهم: معناها: أيها السيد! وقال بعضهم: معناها: يا سيد البشر! وفي هذه الحالة تكون اسماً من أسماء رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال بعضهم: معناها: هي اسم من أسماء محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورووا في ذلك حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ( أنا عند الله وفي كتابه اسمي محمد وأحمد وطه ويس). وهكذا اختلف في معناها بين أن تكون اسماً لله أو اسماً لرسوله صلى الله عليه وسلم، أو يا إنسان! أو يا رجل! أو يا سيد! أو يا سيد البشر! أو يا محمد! وليس في هذا شيء يمكن أن يصار إليه؛ لأن هذا يحتاج إلى دليل، والحديث الذي رووه ليس صحيحاً حتى يعتمد دليلاً، ولو صح لأجمعوا عليه، ولما ذكروا لـ(يس) معنىً آخر. وقال الجمهور: هي كلمتان من كلمات الحروف الهجائية العربية كالم وطه، وهذه المعاني التي لا نستطيع أن نجزم بمعناها. وعلى كل فهي آية من آيات الله، وإن كانت اسماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يقول كثيرون فهي منقبة كبيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان معناها: يا سيد البشر! فتكون أعظم وأكمل وأكرم، وليس سيد البشر إلا النبي عليه الصلاة والسلام، فهو الذي قال الله عنه: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ [البقرة:253].
وهذا هو تعريف السنة النبوية، فقول النبي عليه الصلاة والسلام وشرعه سنة، فشرعه من شرع الله. فالسنة ما كان قولاً أو فعلاً أو إقراراً من رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، قال تعالى: يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [يس:1-3]، أكد الله القسم بإن المشددة. ولام الابتداء الموطئة للقسم، وهي أيمان بعضها تابع لبعض في سلك واحد، وكل ذلك لاطمئنان قلب المؤمن والمسلم ودعوة للكافر لأن يرجع عن ضلاله وشركه وتكذيبه، فيؤمن بالله رباً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، ولا نبي بعده ولا رسول. وهذا تأكيد كما طلب إبراهيم عليه السلام من ربه وهو النبي الصادق المعصوم أن يريه كيف يحيي الموتى، قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة:260] ونحن مؤمنون، ونشكر الله على أن هدانا للإيمان، ونرجو أن يثبتنا على ذلك إلى أن يحشرنا مع نبينا سيد الخلق والبشر صلى الله عليه وسلم في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله.