ومن عظيم رفع ذكره أن اسمه مقترن باسم الله تعالى في كلمة الإسلام وهي كلمة الشهادة. الم نشرح لك صد ووضعنا عنك وزرك مكرر. وروي هذا التفسير عن النبيء - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي سعيد الخدري عند ابن حبان وأبي يعلى ، قال السيوطي: وإسناده حسن ، وأخرجه عياض في الشفا بدون سند. والقول في ذكر كلمة ( لك) مع ( ورفعنا) كالقول في ذكر نظيرها مع قوله: ( ألم نشرح). وإنما لم يذكر مع ( ووضعنا عنك وزرك) للاستغناء بقوله: ( عنك) فإنه في إفادة الإبهام ثم التفصيل مساو لكلمة ( لك) [ ص: 413] وهي في إفادة العناية به تساوي كلمة ( لك) ؛ لأن فعل الوضع المعدى إلى الوزر يدل على أن الوضع عنه فكانت زيادة ( عنك) إطنابا يشير إلى أن ذلك عناية به نظير قوله ( لك) الذي قبله ، فحصل بذكر ( عنك) إيفاء إلى تعدية فعل ( وضعنا) مع الإيفاء بحق الإبهام ثم البيان.
تفسير سورة الم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك - صحيفة البوابة
والوزر: الحرج ، ووضعه: حطه عن حامله ، والكلام تمثيل لحال إزالة الشدائد والكروب بحال من يحط ثقلا عن حامله ليريحه من عناء الثقل. والمعنى: أن الله أزال عنه كل ما كان يتحرج منه من عادات أهل الجاهلية التي لا تلائم ما فطر الله عليه نفسه من الزكاء والسمو ، ولا يجد بدا من مسايرتهم عليه ، فوضع عنه ذلك حين أوحى إليه بالرسالة ، وكذلك ما كان يجده في أول بعثته من ثقل الوحي فيسره الله عليه بقوله: ( سنقرئك فلا تنسى) إلى قوله: ( ونيسرك لليسرى). إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة الانشراح - قوله تعالى ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك - الجزء رقم31. و ( أنقض): جعل الشيء ذا نقيض ، والنقيض: صوت صرير المحمل والرحل ، وصوت عظام المفاصل ، وفرقعة الأصابع ، وفعله القاصر من باب نصر ويعدى بالهمزة. وإسناد ( أنقض) إلى الوزر مجاز عقلي ، وتعديته إلى الظهر تبع لتشبيه المشقة بالحمل ، فالتركيب تمثيل لمتجشم المشاق الشديدة بالحمولة المثقلة بالإجمال تثقيلا شديدا حتى يسمع لعظام ظهرها فرقعة وصرير ، وهو تمثيل بديع لأنه تشبيه مركب قابل لتفريق التشبيه على أجزائه. ووصف الوزر بهذا الوصف تكميل للتمثيل بأنه وزر عظيم. واعلم أن في قوله: ( أنقض ظهرك) اتصال حرفي الضاد والظاء وهما متقاربا المخرج ، فربما يحصل من النطق بهما شيء من الثقل على اللسان ولكنه لا ينافي الفصاحة ، إذ لا يبلغ مبلغ ما يسمى بتنافر الكلمات ، بل مثله مغتفر في كلام الفصحاء.
إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة الانشراح - قوله تعالى ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك - الجزء رقم31
[ ص: 431]
وحكى البغوي ، عن ابن عباس ومجاهد: أن المراد بذلك: الأذان. يعني: ذكره فيه ، وأورد من شعر حسان بن ثابت:
أغر عليه للنبوة خاتم من الله من نور يلوح ويشهد وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن: أشهد وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
وقال آخرون: رفع الله ذكره في الأولين والآخرين ، ونوه به ، حين أخذ الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا به ، وأن يأمروا أممهم بالإيمان به ، ثم شهر ذكره في أمته فلا يذكر الله إلا ذكر معه. وما أحسن ما قال الصرصري رحمه الله:
لا يصح الأذان في الفرض إلا باسمه العذب في الفم المرضي
ألم نشرح لك صد ووضعنا عنك وزرك - YouTube