تعتقد أنقرة أن الولايات المتحدة تبحث عن اليونان بديلا عن تركيا وتسعى لتطويقها من الجبهة الغربية. على المدى المنظور، ستُحاول أنقرة والغرب التركيز على مجالات التعاون وربما محاولة معالجة بعض الخلافات الرئيسية. مع ذلك، فإن العلاقات الجديدة التي يُمكن أن تُنتجها التحولات العالمية الراهنة، لن تكون على غرار الفترات الماضية لاعتبارين رئيسيين: أولاً، إن التعريف الكلاسيكي للشراكة التركية الغربية التي بدأت مع انضمام أنقرة إلى حلف الناتو كان دافعه الرئيسي الخشية من الاتحاد السوفياتي، لكنّ نظرة تركيا إلى روسيا اليوم مختلفة عما كانت عليه في الماضي. بن جار الله للتسوق. ثانيا، تدفع نزعة تركيا نحو تحقيق الاستقلال الإستراتيجي في سياستها الخارجية عن الغرب إلى تخفيف اعتمادها عليه في كثير من المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية.
بن جار الله للتسوق
تُتيح الحرب فرصة لإعادة تشكيل العلاقات التركية الغربية من منظور يوازن ما بين حاجة كلا الطرفين لبعضهما بعضا في مواجهة التحديات الجيوسياسية المستجدة وبين حاجة أنقرة إلى الحفاظ على علاقتها مع روسيا. بالنسبة لتركيا، العضو في الناتو والتي قامت بعمل توازن دقيق بين كييف وموسكو، فإن الحرب تفرض خيارات صعبة. على المدى القصير، تستطيع أنقرة مواصلة هذا التوازن مع التركيز على تعويم نفسها بوصفها وسيطا بين روسيا وأوكرانيا. لكنّ هذه القدرة ستتقلص كلما طال أمد الحرب التي سيُحدد مسارها مستقبل احتفاظ أنقرة بهذا التوازن. من شأن دعم الناتو القوي والموحد لأوكرانيا، إلى جانب الانتكاسات العسكرية الروسية، أن يوفّر أفضل فرصة لتعزيز التزام أنقرة تجاه أوكرانيا وتجاه الحلف. ستبقى تركيا حليفا قويا لحلف الناتو، لكنّ علاقتها بالولايات المتحدة لا تزال تُشكل عائقا كبيرا أمام تناغمها مع سياسات الناتو. تؤدي سياسات روسيا التوسعية إلى خلق حالة من عدم اليقين بالنسبة لتركيا التي لديها الآن حافز أكثر من أي وقت مضى لرأب الصدع مع حلفائها في الناتو لا سيما الولايات المتحدة. منذ تولى الرئيس بايدن السلطة، اقترحت أنقرة تشكيل لجنة مشتركة مع واشنطن لحل الأزمة الناجمة عن شراء تركيا منظومة "إس-400" الروسية وإخراجها من مشروع تصنيع مقاتلات "إف-35" الأميركية.
وبينما سعى الأتراك والغربيون إلى التعايش مع خلافاتهم وإدارتها بدلاً من معالجتها، جاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليقلب الحسابات الجيوسياسية لجميع دول العالم بمن فيها تركيا وأوروبا والولايات المتحدة. بقدر ما أحدثت الحرب تحوّلات كبيرة في أولويات أوروبا والولايات المتحدة ودفعتها إلى التركيز على التحديات الأمنية الجديدة التي يُمثلها التهديد الروسي في أوروبا الشرقية، بقدر ما سلّطت الضوء بشكل أكبر على أهمية تركيا بالنسبة للغرب والعكس. في الواقع، ترى تركيا في صعود الصين وروسيا مقابل تراجع الغرب فرصةً لتعزيز الاستقلال الإستراتيجي في السياسة الخارجية عن الغربيين أكثر منه تهديدا لها. هذا الاختلاف في النظرة إلى العالم خلق بيئة مليئة بالتحديات بالنسبة لأنقرة والغرب. فمن جانب، استفادت موسكو من توتر العلاقات التركية الغربية خلال النصف الثاني من العقد الماضي، وسعت إلى زيادة الشقاق بين أنقرة والغرب. ومن جانب آخر، أصبحت تركيا تعتمد بشكل مفرط على روسيا في تأمين مصالحها. إذ تعتمد أنقرة على تفاهماتها مع موسكو في شمالي سوريا لضمان عدم تعريض وجودها العسكري للخطر، ولدى البلدين أيضا انتشار عسكري مشترك في قره باغ في إطار قوات حفظ السلام لضمان عملية السلام بين أذربيجان وأرمينيا بعد الحرب الأخيرة.