وهذا ـ كما هو ظاهر ـ: "ذم لمن {أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} وفي ضمنه تحذير عباده عن الاغترار بهم، والوقوع في أشراكهم، فأخبر أنهم في أنفسهم {يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ} أي: يحبونها محبة عظيمة ويؤثرونها إيثار من يبذل المال الكثير في طلب ما يحبه. فيؤثرون الضلال على الهدى، والكفر على الإيمان، والشقاء على السعادة، ومع هذا {يُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} فهم حريصون على إضلالكم غاية الحرص، باذلون جهدهم في ذلك. ولكن لما كان الله ولي عباده المؤمنين وناصرهم، بيَّن لهم ما اشتملوا عليه من الضلال والإضلال، ولهذا قال: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا} أي: يتولى أحوال عباده ويلطف بهم في جميع أمورهم، وييسر لهم ما به سعادتهم وفلاحهم، {وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} ينصرهم على أعدائهم ويبين لهم ما يحذرون منهم ويعينهم عليهم. “أوَليس اللهُ بأعلمَ بما في صدور العالمين”... - Smr🌨. فولايته تعالى فيها حصول الخير، ونصره فيه زوال الشر، ثم بين كيفية ضلالهم وعنادهم وإيثارهم الباطل على الحق فقال: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} أي: اليهود وهم علماء الضلال منهم {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}... الخ تلك الجرائم التي تلطخوا بها. أيها القارئ الفطن: هؤلاء العلماء الضُلّال من أهل الكتاب صنف من أصناف الأعداء الذين حذرنا الله منهم، وإذا كان الله عز وجل يخبرنا هذا الخبر الصادق في هذه القاعدة القرآنية: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ} فحري بنا أن نتأمل جيداً فيمن وصفهم ربنا بأنهم أعداء لنا، فليس أصدق من الله قيلاً، ولا أصدق من الله حديثاً.
“أوَليس اللهُ بأعلمَ بما في صدور العالمين”... - Smr🌨
مراجع البحث
1 – د. علي محمد محمد الصّلابيّ، الإيمان بالقدر، دار ابن كثير، بيروت، ص (43: 46). 2 – البخاري، صحيح البخاري ، دار الفكر، دمشق، الطَّبعة الأولى، 1411هـ- 1991م، رقم 2660، رقم 2658. 3 – حافظ الحكمي، معارج القبول، دار ابن القيم، ط3، 1415 – 1995م، (1 / 920). 4 – السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (تفسير السعدي)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ -2000 م، (5/ 185). 5 – صديق حسن خان القنوجي، فتح البيان في مقاصد القرآن ، المكتبة العصرية، بيروت، 1412 -1992م، (3/ 172) ،(9/ 474). 6 – عبد الرحمن بن صالح المحمود، القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ومذاهب الناس فيه، دار الوطن، ط2، 1418 – 1997م، ص 56 – 57 – 58 -59. 7 – علي الكيلاني، المباحث العقدية المتعلقة بالأذكار، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة, 2007م، (2 / 880). 8 – محمد ناصر الدين الألباني، صحيح سنن ابن ماجة، مكتبة المعارف، 1417 – 1997م، (2 / 332). 9 – مسلم، صحيح مسلم، تحقيق محمَّد فؤاد عبد الباقي، دار إِحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، الطَّبعة الثانية 1972م، ك الصلاة، رقم 770. 10 – مصطفى بن العدوي، صحيح تفسير ابن كثير، دار ابن رجب للطبع والنشر والتوزيع, 2006 (3/ 605) ، (4/ 318) ، (3/ 457).
ادعاء الإيمان عند النصر
{وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} وذلك في ما يحصل عليه المؤمنون من انتصارات على مستوى قوّة الدعوة، عندما يرتاح الموقف، ويبتعد عن أجواء الاضطهاد والتنكيل. وقد فسّرها البعض بالنصر الذي حصل للمسلمين فيما بعد الهجرة، لأنهم لم يحصلوا على أيّ موقعٍ للقوّة قبل ذلك، مما يمكن أن يعبّر عنه بالنصر، بل كانوا في موقع الضعف، حيث اضطر البعض منهم للهجرة إلى الحبشة. وعلى ضوء ذلك، فإن الآية تكون مدنية لا مكية، على خلاف المعروف المشهور من ذلك وهو قريبٌ، مع إمكان إثارة ملاحظةٍ معينة، وهي أن الآية كانت تعالج النماذج في نطاق الجوّ العام لحركة الدعوة في حياة الناس المنافقين بين واقع الضعف وواقع القوّة، لا في نطاق الحالات الخاصة، لنبحث عن النموذج في داخل مرحلة معينةٍ من خلال أفرادها، والله أعلم. الله أعلم بما في الصدور
{أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ} فلا يخفى عليه منهم شيءٌ. فكيف يتحدثون مع المؤمنين بأنهم كانوا معهم، وأنهم المخلصون لعقيدة الإيمان وللمجتمع المؤمن، والله يعلم بما في صدورهم من عقيدة النفاق التي تظهر الإيمان وتبطن الكفر؟!
والأصل في أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري. قال القرطبي: "يعنى بالمعروف هنا: ما ليس بمنكرٍ ولا معصية". وقال السعدي: "هذا الحديث قيَّد في كل من تجب طاعته من الولاة، والوالدين، والزوج، وغيرهم، فإن الشارع أمر بطاعة هؤلاء، وكل منهم طاعته فيما يناسب حاله، وكلها بالمعروف، فإن الشارع ردَّ الناس في كثير مما أمرهم به إلى العرف والعادة، كالبر والصلة والعدل، والإحسان العام، فكذلك طاعة من تجب طاعته، وكلها تُقيَد بهذا القيْد، وأن من أمر منهم بمعصية الله بفعل محرم أو ترك واجب، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله". وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على المرءِ المسلم السمْع والطاعة فيما أحبّ وكَرِه إلا أن يُؤْمَر بمعصية، فإن أُمِرَ بمعصية فلا سَمْع ولا طاعة) رواه مسلم. ومن المواقف النبوية الدالة على أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ما رواه البخاري في صحيحه عن عليّ رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً وأمَّر عليهم رجلًا فأوقد ناراً وقال: ادخلوها، فأرادوا أن يدخلوها وقال آخرون: إنما فررنا منها، فذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة، وقال للآخرين: لا طاعة في المعصية، إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري.
الحكم على حديث: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»
قال الشنقيطي في كتاب أضواء البيان: أن تكرر الفعل بالنسبة لله وللرسول ، ولم يكرره بالنسبة لأولي الأمر، لأن طاعتهم لا تكون استقلالًا ، بل تبعًا لطاعة الله ، وطاعة رسوله ، كما في الحديث: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. المواقف النبوية الدالة على الحديث:
ومن المواقف النبوية الدالة على أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ما رواه البخاري في صحيحه عن عليّ كرم الله وجهه ، أن النبي صلّ الله عليه وسلم ، بعث جيشاً وأمَّر عليهم رجلًا ، فأوقد ناراً ، وقال: ادخلوها ، فأرادوا أن يدخلوها وقال آخرون: إنما فررنا منها ، فذكروا للنبي صلّ الله عليه وسلم ، فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة ، وقال للآخرين: لا طاعة في المعصية ، إنما الطاعة في المعروف.. رواه البخاري.
وقال ابن كثير في قول الله تعالى: { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}(الإسراء: 23) "أي: لا تسمعهما قولاً سيئاً، حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ { وَلَا تَنْهَرْهُمَا} أي: ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح". طاعة الزوجة لزوجها:
الزوجة مأمورة بطاعة زوجها، وبطاعة والديها، وهذه الطاعة ـ للزوج والوالدين ـ طاعة مقيدة، فإنّ وجوب طاعتهم مقيّد بأن لا يكون في معصية، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا طاعةَ لأحدٍ فِي مَعْصِية الله، إِنما الطّاعة فِي المعروف)، قال المناوي في فيض القدير: "( لا طاعة لأحد) من المخلوقين كائناً منْ كان، ولو أباً أو أما أو زوجاً ( في معصية الله)، بل كل حق وإن عظم ساقط إذا جاء حق الله، ( إنما الطاعة في المعروف) أي: فيما رضيه الشارع واستحسنه، وهذا صريح في أنه لا طاعة في محرم فهو مقيد للأخبار المطلقة". ومع عدم طاعة الزوجة لزوجها في معصية الله ينبغي أن تكون طائعة له في المعروف، مؤدية حقوقه عليها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا صلَّتِ المرأةُ خَمْسَها، وصامت شهرها (رمضان) ، و حصَّنَتْ فرْجَها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخُلي الجنة من أيّ أبواب الجنة شِئتِ) رواه ابن حبان وصححه الألباني ، وقال صلى الله عليه وسلم: ( لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) رواه ابن ماجه و البيهقي وصححه الألباني.
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق - Youtube
يُحكى أنه كان أحمد بن طولون حاكم مصر ، متحليًا بالعدل مع تجبره وسفكه للدماء ، وكان يجلس للمظالم ، وينصف المظلوم من الظالم. العباس وأبيه:
حكى أن ولده العباس استدعى بمغنية ، وهو يشرب الخمر صباحًا ، فلقيها بعض صالحي مصر ومعها غلامٌ ، يحمل عودها فكسره ، فدخل العباس إلى أبيه وأخبره بذلك ، فأمر بإحضار ذلك الرجل الصالح … فلما حضر إليه قال: أنت الذي كسرت العود ؟ قال: نعم ، قال: أفعلمت لمن هو ؟ قال: نعم ، قال: أما أكرمته لي ؟. لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق:
فقال: أأكرمه لك بمعصية الله ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ؟ فأطرق أحمد عند ذلك ، ثم قال: كل منكر رأيته فغيّره ، وأنا ورائك.. فهذا الرجل الصالح لمّا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، عملاً بقول الله سبحانه تعالى ، في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ) صدق الله العظيم.. الآية 110 من سورة آل عمران ، فقدّم طاعة الله على طاعة المخلوق ، نجّاه الله وأكرمه وجعل المخلوق يحبه ويكرمه. فليست هناك طاعة مطلقة إلا لله تعالى ورسول الله صل الله عليه وسلم ، فإن أمر إنسان إنساناً آخر بمعصية فلا طاعة له ، عملاً بقول الله سبحانه تعالى ، في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).. صدق الله العظيم.. الآية 59 من سورة النساء.
لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق
طفلة صغيرة من بيت محافظ
تعود لأمها من المدرسة ذات يوم...
وعليها سحابة حزن وكأبه وهم وغم فتسألها أمها عن سبب ذلك فتقول:
إن مدرستي هددتني بالطرد من المدرسة إن جئت مرة أخرى بمثل هذه الملابس الطويلة. فتقول الأم ولكنها الملابس التي يريدها الله جل وعلا
فتقول الطفلة: لكن المدرسة لا تريدها. قالت الأم: المدرسة لا تريد والله يريد فمن
تطيعين إذا ؟
الذي خلقك وصورك وأنعم عليك أم مخلوقا
لا يملك ضرا ولا نفعا. فقالت الطفلة بفطرتها السليمة:
لا... بل أطيع الله وليكن ما يكون
وفي اليوم الثاني تلبس تلك الملابس
وتذهب بها إلى المدرسة... فلما رأتها المعلمة انفجرت غاضبة
تؤنب تلك الفتاة التي تتحدى إرادتها... ولا تستجيب لطلبها...
ولا تخاف من تهديدها ووعيدها أكثرت عليها من الكلام
ولما زادت المعلمة في التأنيب والتبكيت
ثقل الأمر على الطفلة البريئة المسكينة فانفجرت في بكاء عظيم شديد مرير أليم أذهل المعلمة! ثم كفكفت دموعها وقالت كلمة حق تخرج من فمها كالقذيفة تقول:
والله لا أدري من أطيع أنتِ أم هو
قالت المعلمة ومن هو ؟! قالت: الله رب العلمين الذي خلقني وخلقك وصورني وصورك
أأطيعك فألبس ما تريدين وأغضبه هو أم أطيعه وأعصيك أنتِ!
ص42 - كتاب فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الأولى - الاختلاف في اللحية - المكتبة الشاملة
وفي الحَديثِ: أنَّ الدُّعاةَ مَنوطٌ بهم تَذْكيرُ الوُلاةِ، والنُّصحُ لهم بما فيه طاعةُ اللهِ، ومَصْلَحةُ العِبادِ.
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد:
فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية. من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،... ) وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد. من هـــــــــــنا