فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " مُرْهُ فلْيَتَكلَّمْ، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه " أخرجه البخاري. قال الحافظ: وفيه أن كل شيء يتأذى به الإنسان مما لم يرد بمشروعيته كتاب أو سنة كالمشي حافياً، والجلوس في الشمس، ليس هو من طاعة الله، فلا ينعقد به النذر. 3/ عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل وعندها امرأة، قال: " مَن هذه؟ "، قالت: فلانة، تذكر من صلاتها، قال: " مَهْ! عليكم بما تطيقون، فوالله لا يملُّ الله حتى تملُّوا! "، وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه. أخرجه البخاري ومسلم. قال ابن حجر: عليكم بما تطيقون: أي اشتغلوا من الأعمال بما تستطيعون المداومة عليه، فمنطوقه يقتضي الأمر بالاقتصار على ما يُطاق من العبادة، ومفهومه يقتضي النهي عن تكلف ما لا يطاق. ولقد وردت أحاديث تبين مآل مَن غلا، وأنه صائر إلى الهلاك، بل يرد ذلك مكرراً ثلاث مرات في حديث واحد، مما يفيد عظم الأمر وخطره، فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " هلك المتنطعون " قالها ثلاثاً. فاستقم كما أمرت ومن تاب. أخرجه مسلم. قال النووي: هلك المتنطعون، أي المتعمقون المغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.
- فاستقم كما امرت ومن تاب معك
- فاستقم كما امرت ولا تتبع
- فاستقم كما أمرت ومن تاب
فاستقم كما امرت ومن تاب معك
فقالَ: " نعم ". فقلتُ له: ما الذي شيبَك منها؟! قصصُ الأنبياءِ وهلاكُ الأممِ؟! فقال: " لا، ولكن قولَه: ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)". فالاستقامةُ هي الثباتُ على دينِ اللهِ تعالى قولاً واعتقاداً وعملاً، في السراءِ والضراءِ، وفي اليسرِ والعسرِ، وفي القوةِ والضَّعْفِ، وفي الصحةِ والمرضِ، وعدمُ التنازلِ عنه أبداً. القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة هود - الآية 112. عبادَ اللهِ: إن الاستقامةَ على الصراطِ المستقيمِ هي أقصرُ الطرقِ إلى جنةِ اللهِ تعالى، ولكنه ليسَ بالأمرِ الهيِّنِ، ففي الطريقِ تحويلاتٌ، وعليه عَقَباتٌ، فَعَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ -رضيَ اللهُ عنهما- قَالَ: كُنَّا عِندَ النَّبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- فَخَطَّ خَطًّا، وَخَطَّ خَطَّينِ عَن يَمِينِهِ، وَخَطَّ خَطَّينِ عَن يَسَارِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ في الخَطِّ الأَوسَطِ فَقَالَ: "هَذَا سَبِيلُ اللهِ"، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ). وقفَ على الطريقِ أعدى الأعداءِ متهدداً ومتوعداً بإخراجِك منه مُتبعاً جميعَ الوسائلِ، ويأتيك من كلِ الاتجاهاتِ: ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)، ومن أعظمِ طرقِ إغواءِ الشيطانِ: تحسينُ القبيحِ، وتقبيحُ الحَسَنِ.
فاستقم كما امرت ولا تتبع
إن المنهجية الإسلامية تقوم دائماً على ما يمكن أن نسميه بـ (الحلول المركبة) ؛ إذ إن هناك من النصوص والأحكام ما يرفع الوتيرة الروحية للمسلم ، كما إن هناك ما يزيد في بصيرته ، وهناك ما يدعوه إلى الصبر والجلد ، وهناك ما يحفزه على تحسين ظروف عيشه وأدائه ، ولا بد أن نمح الفاعلية لكل ذلك حتى يمكن تجسيد المنهج الرباني في حياة الناس. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الشورى - الآية 15. إن الفكر مهما كان قويّاً ، وإن الوعي النقدي مهما كان عظيماً ، فإن سلوك الناس لن يتغير كثيراً ما لم تنشأ ظروف وأوضاع جديدة تحملهم حملاً على التحول إلى سلوك الطريق الأقوم والأرشد. ويؤسفني القول: إننا لم نستطع إلى الآن أن نبلور نظرية إصلاحية إسلامية معاصرة ومتعمقة في تلمس شروط الاستجابة والظروف الصحيحة والمثلى لها ، إلى جانب تلمس مجمل الحساسيات والترابطات والتداعيات التي تشكل المناخ المطلوب لقيام حياة إسلامية راشدة. إن جل اهتمامنا ينصب على بيان ما يجب عمله ، أما البرامج والكيفيات والإجراءات والأطر والسياسات التي يجب اتباعها وتأسيسها من أجل تحويل المبدأ إلى واقع معيش.. فإنها لا تلقى ما تستحقه من اهتمام ومتابعة ، والخبرات لدينا في ذلك ما زالت ضئيلة ، بل إن هناك مَن يستوحش من الخوض في غمار مثل هذا النوع من البحث ، ويعد التعمق في ذلك ضرباً من (الاستغراب) أو الجنوح نحو المادية!
فاستقم كما أمرت ومن تاب
ومن هنا نفهم أنَّ الإسلام عقيدة وسلوك، إن صحت العقيدة صح السلوك، وإنْ فسدت العقيدة فسد السلوك، وإن اختلت العقيدة اختل السلوك، فأي عقيدة مغلوطة يعتقدها المرء فلابد من أن تُظهِر على سلوكه انحرافًا.
أما من يسلك دروب المعاصي والفجور ، ويتبع مغريات الأهواء والشهوات فإنه يظل يتوجس خيفة من سوء العاقبة ، لكنه لا يعرف شكل العقوبة ، ولا طريقة نزولها ولا توقيتها ؛ ليكون الشك والغموض والخوف عاجل جزائه ، ومقدمةً للبلاء الذي ينتظره ، ثم تكون الخيبة الكبرى والخسارة العظمى!! إن هناك فترة سماحات تطول أو تقصر بين الانحراف وعواقبه وهذا هو الذي جعل الابتلاء تامّاً ، كما أنه هو الذي جرّأ أهل المعاصي على التماري في غيهم ، لكن العاقل الحصيف ينظر دائماً إلى الأمام ويتحسس ما هو آتٍ ، ويضغط على واقعة من أجل السلامة في مستقبله.