قال العلامة الشنقيطي - رحمه الله - في أضواء البيان (3/ 178): "بيَّن جل وعلا في هذه الآية الكريمة تثبيته لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وعصمته له من الركون إلى الكفار، وأنه لو ركَن إليهم لأذاقه ضعف الحياة، وضعف الممات". رَبِّ لا تَكِلْنِي الى نفسي طَرْفَة عَيْن | كوكب الفوائد- فلسطين. فامتن الله - عز وجل - عليه صلى الله عليه وآله وسلم بتثبيته على الحق، كما امتن عليه عز وجل - أيضًا - بعصمته من الشر، وهو عدم الإجابة لداعيهم،كما دلت الآية على أن الله - عز وجل - يحب من عباده أن يتفطنوا لإنعامه عليهم، ولا سيما عند وجود أسباب الشر، بالعصمة منه، والثبات على الإيمان، وأنه مفتقر إليه، وهو بدون ذلك هالكٌ لا محالة. فصار المعنى لهذه الكلمات: ((ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدًا)) واضحًا، وهو كما قال بعضهم: "إنك إن تكِلْني إلى نفسي، تكِلْني إلى ضعف وعورة، وذنب وخطيئة، وإني لا أثق إلا برحمتك؛ فاغفر لي ذنوبي كلها، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وتُبْ عليَّ إنك أنت التواب الرحيم". وفي بيان معناه - أيضًا - يقول العلامة السندي - رحمه الله - في حاشيته على سنن ابن ماجه عند الحديث رقم: (1168): "أي: تولَّ أمري وأصلِحْه فيمن توليت أمورهم، ولا تكِلْني إلى نفسي". ويقول المناوي - رحمه الله - في التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 11): "أي: لا تفوِّض أمري إلى نفسي لحظة قليلة قدر ما يتحرك البصر".
رَبِّ لا تَكِلْنِي الى نفسي طَرْفَة عَيْن | كوكب الفوائد- فلسطين
مشهد التوفيق والخذلان
قال الامام ابن القيم في "مدارج السالكين ":
" التوفيق هو أن لا يكلك الله إلى نفسك ، والخذلان هو أن يخلي بينك وبين نفسك ، فالعبيد متقلبون بين توفي قه وخذلانه ، بل العبد في الساعة الواحدة ينال نصيبه من هذا وهذا ، فيطيعه ويرضيه ، ويذكره ويشكره بتو فيقه له ثم يعصيه ويخالفه ويسخطه ويغفل عنه بخذلانه له ، فهو دائر بين توفيقه وخذلانه.
فهم على قسمين لا ثالث لهما البتة:
الأول: الموفق له. والثاني: المخذول عنه. وبقدر قربهما من هذا تحقيقًا وعدمًا تكون سعادتهما وتوفيقهما، أو العكس. ولعمر الله، ما مُنِح عبد منحة أعظم ولا أفضل ولا أجلَّ من منحة أن يحفظه الله - عز وجل - ويكلأه ويسدده، ويفوقه ويصلحه، ويثبته على ذلك. فإياك إياك أن تعتمد على ذكائك أو على حفظك، أو على فهمك أو على ضبطك، ولكن توكَّلْ على الله - عز وجل - وقُلْ: حسبي الله ونعم الوكيل؛ لأنه متى وكل العبد إلى نفسه فقد وكل إلى ضعف وضَيْعة، وفقر وفاقة، وعجز وعَوْرةٍ، ويكون بذلك قد دنا وقرب من كل شر، وتباعد عن كل خير. قال الطحاوي - رحمه الله -: (ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين، ومن استغنى عن الله طرفة عين، فقد كفر، وصار مِن أهل الحَيْن)..
ولذلك قال السعدي في الوسائل المفيدة للحياة السعيدة - في هذا الدعاء وأضرابه -: "ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور: استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به...
فإذا لهج العبد بهذا الدعاء، الذي فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي، بقلب حاضر، ونية صادقة، مع اجتهاده فيما يحقق ذلك - حقَّق اللهُ له ما دعاه ورجاه وعمل له، وانقلب همه فرحًا وسرورًا".