» { { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ}} أي بعلامة الحاجة: رثاثة أثوابهم، وصفرة وجوههم، والسيما هي العلامة التي لا يطلع عليها إلا ذوو الفراسة؛ وكم من إنسان سليم القلب ليس عنده فراسة، ولا بُعد نظر يخدع بأدنى سبب؛ وكم من إنسان عنده قوة فراسة، وحزم، ونظر في العواقب يحميه الله سبحانه وتعالى بفراسته عن أشياء كثيرة. ان تبدوا الصدقات فنعما هى. كما قال الله عز وجل: { { ولتعرفنهم في لحن القول}} [محمد: 30]. { { لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً}} إن وقع منهم سؤال، فإنما يكون بتلطف وتستر لا بإلحاح، ومن خصائص الإسلام في هذا الباب أنه كما أدب الأغنياء في طريقة الإنفاق فقد أدب الفقراء في طريقة الأخذ، ففيه تعريض بالملحفين في السؤال. وقد كان من جملة ما بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه [منهم ثوبان]: ألا يسألوا الناس شيئاً؛ حتى إن الرجل ليسقط سوطه من على بعيره، فينزل، فيأخذه ولا يقول لأخيه: أعطني إياه؛ كل هذا بعداً عن سؤال الناس. { { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ}} أعيد التحريض على الإنفاق فذكر مرة رابعة { { فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ}} كناية عن الجزاء عليه لأن العلم يكنى به عن أثره كثيرا، أي فهو لا يضيع أجره إذ لا يمنعه منه مانع بعد كونه عليما به، لأنه قدير عليه.
الباحث القرآني
وظاهر أن ذلك كان لتشاغلهم بالعيد وصلاة العيد, وهذا لا يتحقق في المشركين. { { لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ}} عيقوا عن أعمالهم لأجل سبيل الله وهو الهجرة أو الجهاد أو أشباهه { { لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ}} عاجزون عن التجارة لقلة ذات اليد أو سائر العمل لعاهة أو قلة حيلة { { يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ}} أي الجاهل بحالهم، وفيه التنبيه على أنه ينبغي للإنسان أن يكون فطناً ذا حزم، ودقة نظر؛ لأن الله وصف هذا الذي لا يعلم عن حال هؤلاء بأنه جاهل؛ فينبغي للإنسان أن يكون ذا فطنة، وحزم، ونظر في الأمور { { أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ}} تكلف العفاف، وهو النزاهة عما يليق.
{ إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فهو خير لكم } - Youtube
جملة: (إن تبدوا... وجملة: (نعمّا هي) في محلّ رفع خبر مقدّم للمبتدأ (هي). والجملة الاسميّة: (هي... ) في محلّ جزم جواب الشرط الجازم جاءت الفاء في الخبر. وجملة: (إن تخفوها) لا محلّ لها معطوفة على جملة إن تبدوا.. وجملة: (تؤتوها) لا محلّ لها معطوفة على جملة تخفوها. وجملة: هو خير لكم في محلّ جزم جواب الشرط الجازم الثاني مقترنة بالفاء. وجملة: (يكفّر) لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: (اللّه... ) خبير لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: (تعملون) لا محلّ لها صلة الموصول الاسمي أو الحرفيّ (ما). الصرف: (نعمّا)، بكسر العين على الأصل لأن فعله من باب فرح، وقد يأتي بسكون العين بنقل حركتها إلى النون- وهي الكسرة- وقد تبقى النون مفتوحة على الأصل. (تخفوها)، فيه حذف الهمزة وإعلال بالحذف، كما في (تبدوا). (تؤتوها)، فيه حذف الهمزة وإعلال بالحذف، كما في (تبدوا). (الفقراء)، جمع فقير، صفة مشبهة من (فقر) الثلاثي وزنه فعيل والجمع فعلاء بضمّ الفاء. ان تبدوا الصدقات فنعم هي. (سيئاتكم)، جمع سيئة، وزنه فيعلة، وفيه إعلال بالقلب أصله سيوئة من ساء يسوء، اجتمعت الواو والياء في الكلمة وجاءت الأولى ساكنة، قلبت الواو ياء وأدغمت مع الياء الثانية (الآية 81).
إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ - خالد سعد النجار - طريق الإسلام
وقد حصل بمجموع هذه المرات الأربع من التحريض ما أفاد شدة فضل الإنفاق بأنه نفع للمنفق، وصلة بينه وبين ربه، ونوال الجزاء من الله، وأنه ثابت له في علم الله. { { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً}} جملة مستأنفة تفيد تعميم أحوال فضائل الإنفاق بعد أن خصص الكلام بالإنفاق.. إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ - خالد سعد النجار - طريق الإسلام. فهم يعمون الأوقات والأحوال بالصدقة لحرصهم على الخير، وتقديم الليل على النهار، والسر على العلانية يدل على تلك أفضلية صدقة السر. { { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}} وهذا بشارة للمنفقين بطيب العيش في الدنيا فلا يخافون اعتداء المعتدين لأن الله أكسبهم محبة الناس إياهم، ولا تحل بهم المصائب المحزنة إلا ما لا يسلم منه أحد مما هو معتاد في إبانه. وفيه أيضا أن الإنفاق يكون سبباً لشرح الصدر، وطرد الهم والغم. أما انتفاء الخوف والحزن عنهم في الآخرة فقد علم من قوله: { { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ}}. جمع وترتيب د/ خالد سعد النجار [email protected]
* * * القول في تأويل قوله: وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ قال أبو جعفر: اختلف القراء في قراءة ذلك. فروي عن ابن عباس أنه كان يقرؤه: ( وتكفر عنكم) بالتاء. ومن قرأه كذلك. فإنه يعني به: وتكفر الصدقات عنكم من سيئاتكم. * * * وقرأ آخرون: ( وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ) بالياء، بمعنى: ويكفر الله عنكم بصدقاتكم، على ما ذكر في الآية من سيئاتكم. * * * وقرأ ذلك بعد عامة قراء أهل المدينة والكوفة والبصرة، ( ونكفر عنكم) بالنون وجزم الحرف، يعني: وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء نكفر عنكم من سيئاتكم= بمعنى: مجازاة الله عز وجل مخفي الصدقة بتكفير بعض سيئاته بصدقته التي أخفاها. * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءات في ذلك عندنا بالصواب قراءة من قرأ: ( ونكفر عنكم) بالنون وجزم الحرف، على معنى الخبر من الله عن نفسه أنه يجازي المخفي صدقته من التطوع ابتغاء وجهه من صدقته، بتكفير سيئاته. وإذا قرئ كذلك، فهو مجزوم على موضع " الفاء " في قوله: " فهو خير لكم ". لأن " الفاء " هنالك حلت محل جواب الجزاء. { إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فهو خير لكم } - YouTube. * * * فإن قال لنا قائل: وكيف اخترت الجزم على النسق على موضع " الفاء " ، وتركت اختيار نسقه على ما بعد الفاء، وقد علمت أن الأفصح من الكلام في النسق على جواب الجزاء الرفع، وإنما الجزم تجويزه ؟ (13).
فقال القرآن "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبِل المشرِق والمغرِب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب. وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون" ﴿177 البقرة﴾. فالصدق طمأنينة ونجاة في الدنيا والأخرة، فأوصانا الرسول ﷺ في حديث شريف "تَحَرَّوُا الصَّدقَ وَإنَّ رَأَيتُم أَنَّ فِيهِ النَّجاةَ فَإنَّ فِيهِ الهَلَكَةَ". وكما قال الله في آيات عن الصدق في القرآن الكريم "قَالَ اللَّهُ هَذَا صِدقُهُم لَهُم جَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتيِهَا الأَنهّارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدَّا رَّضِيَ اللّهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ". كذلك الحديث النبوي الشريف قال: إنَّ الصًّدقَ يَهدِي إلَى البِرَّ، وَإنَّ البِرَّ يَهدِي إلَى الجَنَّةِ. وإن الرجل ليتحرى الصدق حتى يكتب عند الله عز وجل صديقا، وإن الكذب يهدي إلَى الفجورِ. وإن الفجور يهدي إلَى النار، وإن الرجل ليتحَرى الكذب حتى يكتب عند اللًّه كذابا". ثمرات الصدق
هكذا تباع النبي ﷺ، وتحقيق العبادة لله والإخلاص له.
لذلك فالإنسان المؤمن يستطيع
أن يوصي بشيء من الخير في وصيته للأبوين حتى ولو كانا من الكافرين، ونحن نعرف أن
حدود الوصية هي ثلث ما يملكه الإنسان والباقي للميراث الشرعي. أما إذا كانا من
المؤمنين فنحن نتبع الحديث النبوي الكريم: "لا وصية لوارث" رواه
البيهقى فى سننه والدارقطنى عن جابر. وفي الوصية يدخل إذن الأقرباء الضعفاء غير الوارثين، هذا هو المقصود من الاستطراق
الاجتماعي. والحق حين ينبه عباده إلى الوصية في أثناء الحياة بالأقربين الضعفاء،
يريد أن يدرك العباد أن عليهم مسئولية تجاه هؤلاء. ومن الخير أن يعمل الإنسان في
الحياة ويضرب في الأرض ويسعى للرزق الحلال ويترك ورثته أغنياء بدلاً من أن يكونوا
عالة على أحد. قول الله تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا} - YouTube. عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "جاء النبي صلى الله عليه وسلم
يعودني، وأنا بمكة، قال: يرحم الله بن عفراء، قلت: يا رسول الله أوصي بمالي كله؟
قال: لا قلت: فالشطر؟ قال: لا. قلت الثلث؟ قال: فالثلث، والثلث كثير، إنك إن تدع
ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" رواه البخارى
ومسلم واحمد والنسائى. وإذا رزق الله الإنسان بالعمل خيراً كثيراً فإياك أيها الإنسان أن تقصر هذا الخير
على من يرثك.
قول الله تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا} - Youtube
أي أن المؤمن مأمور بأن يكتب وصيته وهو صحيح، ولا ينتظر وقت حدوث الموت ليقول هذه
الوصية. والحق يوصي بالخير لمن؟ "للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين". والحق يعلم عن عباده أنهم يلتفتون إلى أبنائهم وقد يهملون الوالدين، لأن الناس تنظر
إلى الآباء والأمهات كمودعين للحياة، على الرغم من أن الوالدين هما سبب إيجاد
الأبناء في الحياة، لذلك يوصي الحق عباده المؤمنين بأن يخصصوا نصيبا من الخير
للآباء والأمهات وأيضا للأقارب. كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت. وهو سبحانه يريد أن يحمي ضعيفين هما: الوالدين
والأقرباء. وقد جاء هذا الحكم قبل تشريع الميراث كانوا يعطون كل ما يملكون لأولادهم، فأراد
الله أن يخرجهم من إعطاء أولادهم كل شيء وحرمان الوالدين والأقربين. وقد حدد الله
من بعد ذلك نصيب الوالدين في الميراث، أما الأقربون فقد ترك الحق عباده تقرير أمرهم
في الوصية.
قال ابن عمر ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا وعندي وصيتي. والآيات والأحاديث بالأمر ببر الأقارب والإحسان إليهم ، كثيرة جدا. وقال عبد بن حميد في مسنده: أخبرنا عبيد الله ، عن مبارك بن حسان ، عن نافع قال: قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله تعالى: يا ابن آدم ، ثنتان لم يكن لك واحدة منهما: جعلت لك نصيبا في مالك حين أخذت بكظمك; لأطهرك به وأزكيك ، وصلاة عبادي عليك بعد انقضاء أجلك ". وقوله: ( إن ترك خيرا) أي: مالا. قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وأبو العالية ، وعطية العوفي ، والضحاك ، والسدي ، والربيع بن أنس ، ومقاتل بن حيان ، وقتادة ، وغيرهم. ثم منهم من قال: الوصية مشروعة سواء قل المال أو كثر كالوراثة ومنهم من قال: إنما يوصي إذا ترك مالا جزيلا ثم اختلفوا في مقداره ، فقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، أخبرنا سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال: قيل لعلي ، رضي الله عنه: إن رجلا من قريش قد مات ، وترك ثلاثمائة دينار أو أربعمائة ولم يوص. قال: ليس بشيء ، إنما قال الله: ( إن ترك خيرا). قال: وحدثنا هارون بن إسحاق الهمداني ، حدثنا عبدة يعني ابن سليمان عن هشام بن عروة ، عن أبيه: أن عليا دخل على رجل من قومه يعوده ، فقال له: أوصي ؟ فقال له علي: إنما قال الله تعالى: ( إن ترك خيرا الوصية) إنما تركت شيئا يسيرا ، فاتركه لولدك.