ودواء هذا النسيان هو محاسبة النفس فيكون البر راجعاً إلى جميع ما تضمنته الأوامر السابقة من التفاصيل فهم قد أمروا غيرهم بتفاصيلها ونسوا أنفسهم عند سماعها وذلك يشمل التصديق بدين الإسلام لأنه من جملة ما تضمنته التوراة التي كانوا يأمرون الناس بما فيها. وجملة: { وتنسون أنفسكم} يجوز أن تكون حالاً من ضمير { تأمرون} أو يكون محل التوبيخ والتعجب هو أمر الناس بالبر بقيد كونه في حال نسيان ، ويجوز أن تكون الجملة معطوفة على { تأمرون} وتكون هي المقصودة من التوبيخ والتعجيب ويجعل قوله: { أتأمرون الناس} تمهيداً لها على معنى أن محل الفظاعة الموجبة للنهي هي مجموع الأمرين. وبهذا تعلم أنه لا يتوهم قصد النهي عن مضمون كلا الجملتين إذ القصد هو التوبيخ على اتصاف بحالة فظيعة ليست من شيم الناصحين لا قصد تحريم فلا تقع في حيرة من تحير في وجه النهي عن ذلك ولا في وهم من وهم فقال: إن الآية دالة على أن العاصي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر كما نقل عنهم الفخر في «التفسير» فإنه ليس المقصود نهي ولا تحريم وإنما المقصود تفظيع الحالة ويدل لذلك أنه قال في تذييلها { أفلا تعقلون} ولم يقل أفلا تتقون أو نحوه. بيان معنى قوله تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون). والأنفس جمع نفس بسكون الفاء وهي مجموع ذات الإنسان من الهيكل والروح كما هنا وباعتبار هذا التركيب الذي في الذات اتسع إطلاق النفس في كلام العرب تارة على جميع الذات كما في التوكيد نحو جاء فلان نفسه وقوله: { النفس بالنفس} [ المائدة: 45] وقوله: { تقتلون أنفسكم} [ البقرة: 85] وتارة على البعض كقول القائل أنكرت نفسي وقوله: { وتنسون أنفسكم} وعلى الإحساس الباطني كقوله: { تعلم ما في نفسي} [ المائدة: 116] أي ضميري.
فريق إحسان بحقوق الانسان ينظم إيفنت ونس حياتنا ويحتفي بكبار السن ببني سويف - صدي مصر
لا تعني الآية الكريمة أن من لا يصنع معروفاً لا يجب أن يأمر الناس به، أو أن من يرتكب منكراً لا يصح أن ينهى الناس عنه، فهو بذلك لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر وليس ارتكابه لمنكر أو عدم صناعته للمعروف مبرراً لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يأمرون الناس بالبر وينسون انفسهم. الأولى بالمسلم أن يصنع المعروف ويترك المنكر لوجه الله سبحانه وتعالى وابتغاء رضاه، إذ أن ذلك من صلاح حال المؤمن ومما فيه الخير والثواب له عند الله. ويجب على المسلم أيضاً أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى وإن كان لا يمتثل لما ينصح به، إذ أن ذلك مما أمرنا الله سبحانه وتعالى به، وقد تكون النصيحة الصادقة بترك منكر أو صنع معروف سبباً في هداية أحدهم لما أحسه من صدق في النصيحة. في كل الأحوال الأوجب على المسلم أن يصنع المعروف ويترك المنكر كما يحث الناس على ذلك، ففي ذلك ثواب عظيم له عند الله سبحانه وتعالى، كما يجعل الناس أكثر تقبلاً للنصح ويجنبه فتنة النفاق والرياء. أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتنسون أنفسكم سبب النزول
يقول الله تعالى:"أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ" (البقرة:44) صدف الله العظيم.
بيان معنى قوله تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)
الرابعة: قال إبراهيم النخعي: إني لأكره القصص لثلاث آيات ، قوله تعالى: أتأمرون الناس بالبر الآية ، وقوله: لم تقولون ما لا تفعلون ، وقوله: وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه. وقال سلم بن عمرو: ما أقبح التزهيد من واعظ يزهد الناس ولا يزهد لو كان في تزهيده صادقا أضحى وأمسى بيته المسجد إن رفض الدنيا فما باله يستمنح الناس ويسترفد والرزق مقسوم على من ترى يناله الأبيض والأسود وقال الحسن لمطرف بن عبد الله: عظ أصحابك ، فقال إني أخاف أن أقول ما لا أفعل ، قال: يرحمك الله ، وأينا يفعل ما يقول ويود الشيطان أنه قد ظفر بهذا ، فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر. وقال مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ، ما أمر أحد بمعروف ، ولا نهى عن منكر. قال مالك: وصدق ، من ذا الذي ليس فيه شيء!. الخامسة: قوله تعالى: بالبر البر هنا الطاعة والعمل الصالح. والبر: الصدق. فريق إحسان بحقوق الانسان ينظم إيفنت ونس حياتنا ويحتفي بكبار السن ببني سويف - صدي مصر. والبر: ولد الثعلب. والبر: سوق الغنم ، ومنه قولهم: " لا يعرف هرا من بر " أي لا يعرف دعاء الغنم من سوقها. فهو مشترك ، وقال الشاعر: لا هم رب إن بكرا دونكا يبرك الناس ويفجرونكا أراد بقوله " يبرك الناس ": أي يطيعونك.
وقال في آية أخرى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، فـ ابن تيمية يقول: إن الآية الأولى منسوخة بالآية الثانية، أي: مبينة ومفسرة لمعنى الآية الأولى؛ ولذا قال العلماء: إن آية السيف ليست ناسخة وإنما هي ناسئة، كما في قوله عز وجل: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا [البقرة:106]، ومعنى الكلام كما قال بعض أهل العلم: أن على المسلمين العمل بآيات الصفح والعفو في زمن الاستضعاف، والعمل بآية السيف في حال القوة والتمكين. مهاجمة المسلمين لعدوهم من غير فرض جزية، وجواز موادعة الكفار عند الضعف والحاجة
وقد سئل الإمام الشافعي: هل يجوز للمسلمين أن يهاجموا عدوهم من غير فرض جزية؟ قال: يجوز لهم هذا. بل قال الشافعي: ويجوز لهم عند الضرورة أن يعطوا المشركين مالاً إذا خشي الإمام استئصال شأفة المسلمين. يعني: دمار المسلمين دماراً نهائياً. والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى غطفان بأن يرحلوا عن المدينة مقابل أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة -إذاً: فالمسألة جائزة شرعاً- فقال سيدنا سعد بن عبادة: والله يا رسول الله! لقد كنا كفاراً وما كنا نعطيهم تمرة واحدة من ثمار المدينة، والذي بعثك بالحق لا نعطيهم إلا السيف.