وجاء الإسلام على ذلك فلم تنزل إلا في عهد علي - رضي الله عنه - فقضى فيها. وقد روى الفرضيون عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن مولود له قبل وذكر من أين يورث ؟ قال: من حيث يبول. وروي أنه أتي بخنثى من الأنصار فقال: ورثوه من أول ما يبول. وكذا روى محمد بن الحنفية عن علي ، ونحوه عن ابن عباس ، وبه قال ابن المسيب وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ، وحكاه المزني عن الشافعي. وقال قوم: لا دلالة في البول ، فإن خرج البول منهما جميعا قال أبو يوسف: يحكم بالأكثر. وأنكره أبو حنيفة وقال: أتكيله! ولم يجعل أصحاب الشافعي للكثرة حكما. وحكي عن علي والحسن أنهما قالا: تعد أضلاعه ، فإن المرأة تزيد على الرجل بضلع واحد. وقد مضى ما للعلماء في هذا في آية المواريث في ( النساء) مجودا والحمد لله. يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور تفسير. الرابعة: قال القاضي أبو بكر بن العربي: وقد أنكر قوم من رءوس العوام وجود الخنثى ، لأن الله تعالى قسم الخلق إلى ذكر وأنثى. قلنا: هذا جهل باللغة ، وغباوة عن مقطع الفصاحة ، وقصور عن معرفة سعة القدرة. أما قدرة الله سبحانه فإنه واسع عليم ، وأما ظاهر القرآن فلا ينفي وجود الخنثى; لأن الله تعالى قال: لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء فهذا عموم مدح فلا يجوز تخصيصه; لأن القدرة تقتضيه.
يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور تفسير
۞ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) قوله عز وجل: ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) وذلك أن اليهود قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه ؟ فقال: لم ينظر موسى إلى الله - عز وجل - فأنزل الله تعالى: " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا " يوحي إليه في المنام أو بالإلهام ، ( أو من وراء حجاب) يسمعه كلامه ولا يراه ، كما كلمه موسى عليه الصلاة والسلام. ( أو يرسل رسولا) إما جبريل أو غيره من الملائكة ، ( فيوحي بإذنه ما يشاء) أي: يوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن الله ما يشاء. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الشورى - الآية 50. قرأ نافع: " أو يرسل " برفع اللام على الابتداء ، " فيوحي " ساكنة الياء ، وقرأ الآخرون بنصب اللام والياء عطفا على محل الوحي لأن معناه: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي إليه أو يرسل رسولا. ( إنه علي حكيم).
لله ملك السموات والارض يهب لمن يشاء
المراد من الآية: ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا﴾
وأمَّا ما هو المراد من قوله تعالى: ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا﴾ (6) فهو انَّه تعالى قد تتعلَّق مشيئتُه بأنْ يهب لبعض عباده ذكورًا واناثًا، وذلك في مقابل من يهبهم ذكورًا دون إناث أو اناثًا دون ذكور. فقولُه: ﴿يُزَوِّجُهُمْ﴾ من المزاوجة والتي تعني الجمع، فهو تعالى يجمع لهم هبة الذكور وهبة الإناث. فالناس كما أفادت هذه الآية والتي قبلها على أحوالٍ أربعة، فمنهم من يهبُه اللهُ تعالى ذكورًا وحسب، ومنهم من يهبُهم إناثًا ولا يهبُهم ذكورًا، ومنهم من يجمعُ لهم إناثًا وذكورًا، وهم الصنفُ الثالث، ومنهم من يكون عقيماً فلا يهبُه الله تعالى ذكرًا ولا انثى. الدرر السنية. فليس معنى التزويج في الآية هو النكاح كما قد يتَوهَّم من لا معرفةَ له بسياقات الكلام العربي بل هو بمعنى الجمع والتقارن، فهو بمعنى انَّ الله تعالى يَهبُ لبعض عباده بناتٍ وبنين أي انَّه يُزاوج له في الهبة فيهبُه من كلا الجنسين. والحمد لله رب العالمين
من كتاب: شؤون قرآنية
الشيخ محمد صنقور
1- سورة الشورى / 49-50. 2- سورة الشورى / 49. 3- سورة الشورى / 48. 4- سورة الشورى / 50. 5- سورة النحل / 58.
يهب لمن يشاء اناث
واعلم أنه كلما ذكرت المشيئة لله عز وجل فإنه مقرونة بالحكمة، انتبه لهذه النقطة، يعني أن مشيئة ليست مشيئة مجردة بل هي مقرونة بالحكمة، والدليل على هذا قول الله تعالى: (( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)) أكمل: (( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)) [الإنسان:30] (( عليماً حكيماً)) بعد أن قال: (( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)) فعلم من هذا أن مشيئة الله تابعة لعلمه وحكمته، وأنه لا يشاء شيئاً مشيئة مجردة بل لا بد أن تكون مقرونة بالحكمة، وهذا في كل نص يأتيك فيه ذكر المشيئة لله فاعلم أنها مقرونة بالحكمة. ثم قال عز وجل لما ذكر خلقه سبحانه وتعالى وأنه هو الخالق له المشيئة المطلقة، ذكر شيئاً آخر وهو الشرع، لو تأملت الآيات القرآنية لوجدت أن الله تعالى يذكر الشرع قبل القدر ، اقرأ (( الرحمن * علم القرآن)) بعدها (( خلق الإنسان)) فبدأ بالشرع (( علم القرآن * خلق الإنسان)) (( اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق)) فبدأ بالقراءة، وهكذا تجد هذه القاعدة مطردة إلا أن يكون هناك سبب لتقديم الخلق على الشرع، نسأل الله تعالى أن يرحمنا وإياكم برحمته، وأن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى.
ففي الحديث: إن النار لن تمتلئ حتى يضع الجبار فيها قدمه ، فتقول قط قط. وأما الجنة فيبقى منها فينشئ الله لها خلقا آخر. الثانية: قال ابن العربي: إن الله تعالى لعموم قدرته وشديد قوته يخلق الخلق ابتداء من غير شيء ، وبعظيم لطفه وبالغ حكمته يخلق شيئا من شيء لا عن حاجة ، فإنه قدوس عن الحاجات سلام عن الآفات ، كما قال القدوس السلام ، فخلق آدم من الأرض وخلق حواء من آدم وخلق النشأة من بينهما منهما مرتبا على الوطء كائنا عن الحمل موجودا في الجنين بالوضع ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة ، أذكرا وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل آنثا. وكذلك في الصحيح أيضا: إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه الولد أعمامه وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه الولد أخواله. يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور. قلت: وهذا معنى حديث عائشة لا لفظه خرجه مسلم من حديث عروة بن الزبير عنها أن امرأة قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء ؟ فقال: ( نعم) فقالت لها عائشة: تربت يداك وألت ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: دعيها وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك. إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه.
ومن أراد أن يكون مخلصاً لله -عز وجل- فليعمل بعمل الرسول، وطاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- واجبة؛ فلكل سور القرآن الكريم فضل وأجر، وإن لم يكن لها فضل عظيم؛ لما حرص رسولنا الكريم على قراءتها، فمن البركة أن نتبع نهجه بها. [١٢]
المراجع ↑ جعفر شرف الدين ، الموسوعة القرآنيه خصائص السور ، صفحة 56-59. بتصرّف. ↑ ابن عاشور ، التحرير والتنوير ، صفحة 204. بتصرّف. ↑ سعيد حوى، الاساس في التفسير ، صفحة 4347. بتصرّف. ↑ الواحدي، اسباب النزول ت زغلول ، صفحة 361-364. بتصرّف. ↑ سورة السجدة، آية:16
↑ سورة السجدة، آية:18
↑ جعفر شرف الدين، الموسوعة القرآنيه خصائص السور ، صفحة 55. التفريغ النصي - تفسير سورة السجدة (تابع) الآية [15] - للشيخ أحمد حطيبة. بتصرّف. ↑ سورة السجدة، آية:15
↑ سورة السجدة، آية:1-2
↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:4873، صحيح. ↑ ابن عاشور، التحرير والتنوير ، صفحة 205. بتصرّف.
سورة السجدة تفسير
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين. قال الله عز وجل في سورة السجدة: إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:15-17]. تفسير سوره السجده السعدي. آيات السجود في القرآن خمسة عشر آية، هذه الآيات ورد في بعضها الأمر بالسجود في ثلاث مواضع وفي باقي القرآن إشارة إلى السجود أو إخبار عن حال المؤمنين في سجودهم لله سبحانه وتعالى. وقد ذكرنا أن جمهور العلماء على أن هذه الآيات يستحب السجود عندها إذا سمعها الإنسان أو إذا قرأها القارئ سواء في الصلاة أو في غير الصلاة. فالذي يقرأ سواء كان في الصلاة أو في غير الصلاة يستحب له أن يسجد، والذي يستمع إذا قصد الاستماع فيسجد مع القارئ، وإذا كان في الصلاة وجب عليه أن يتابع الإمام في السجود.
أخرج أبو عبيد، وابن الضريس من مرسل المسيب بن رافع أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «تجيء الم تنزيل - وفي رواية - الم السجدة، يوم القيامة لها جناحان، تظل صاحبها وتقول: لا سبيل عليه لا سبيل عليه». وأخرج الدارمي، والترمذي ، وابن مردويه عن طاوس قال: (الم السجدة، وتبارك الذي بيده الملك، تفضلان [ ص: 116] على كل سورة في القرآن بستين حسنة)، وفي رواية عن ابن عمر: (تفضلان ستين درجة على غيرهما من سور القرآن). وأخرج أبو عبيد في فضائله، وأحمد، وعبد بن حميد، والدارمي ، والترمذي ، والنسائي ، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن جابر قال: «كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ (الم تنزيل السجدة، وتبارك الذي بيده الملك»
وأخرج ابن مردويه، عن ابن عمر قال: «قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من قرأ تبارك الذي بيده الملك، والم تنزيل السجدة، بين المغرب والعشاء الآخرة، فكأنما قام ليلة القدر».