ولقد غفَل هؤلاء عن أنَّ الله يَسمع سِرَّهم ونجواهم، وأنَّ الله علاَّمُ الغيوب، ولقد غاب عنهم أنَّ الله – سبحانه – يُثِيب أصحابَ القلوب الطيِّبة، الذين في قلوبهم رِقَّة ورَأفة ورحمة للمؤمنين، ويرْحم الله من عباده الرُّحماءَ ويثيبهم. إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ-آيات قرآنية. كما غاب عن أصحابِ الجنة الذين يُدبِّرون ويُخطِّطون لحرمان الضعفاء والمساكين – أنَّ الجزاء مِن جنس العمل؛ فمَن أكرَمَ الناس أكرَمه الله، ومَن حرَمَهم حرَمه الله، ومَن منعهم الخير منعه الله، فجزاءُ سيِّئةٍ سيئةٌ مثلُها. قال تعالى: (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) ، نعم وهم نائمون جاء الأمرُ الإلهي بتدمير جميع ثمار ذلك البُستان، ﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ ، قيل: إنَّ سيدنا جبريل – عليه السلام – اقتلعها، وقيل: أصابتها آفةٌ سماوية، وقيل: أنَّ الله أرسل عليها نارًا من السماء فاحترقت. وقال ابن عبَّاس – رضي الله عنهما – ﴿ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾: "صارتِ الجنة محترقةً كالليل المظلِم". وهكذا تحولت الجنة في لحظات قليلة من جنة خضراء يانعة بالثمار ، إلى سوداء مظلمة ملآى بالحطام.
اصحاب الجنة - انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة اذ اقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون - سورة القلم - - Youtube
{ { فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ}} أي: عذاب نزل عليها ليلًا { { وَهُمْ نَائِمُونَ}} فأبادها وأتلفها { { فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ}} أي: كالليل المظلم، ذهبت الأشجار والثمار، هذا وهم لا يشعرون بهذا الواقع المؤلم. ولهذا تنادوا فيما بينهم، لما أصبحوا يقول بعضهم لبعض: { { أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ}} [ { فَانْطَلَقُوا}} قاصدين له { { وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ}} فيما بينهم، ولكن بمنع حق الله، { { لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ}} أي: بكروا قبل انتشار الناس، وتواصوا مع ذلك، بمنع الفقراء والمساكين، ومن شدة حرصهم وبخلهم، أنهم يتخافتون بهذا الكلام مخافتة، خوفًا أن يسمعهم أحد، فيخبر الفقراء. اصحاب الجنة - انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة اذ اقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون - سورة القلم - - YouTube. { { وَغَدَوْا}} في هذه الحالة الشنيعة، والقسوة، وعدم الرحمة { { عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ}} أي: على إمساك ومنع لحق الله، جازمين بقدرتهم عليها. { { فَلَمَّا رَأَوْهَا}} على الوصف الذي ذكر الله كالصريم { { قَالُوا}} من الحيرة والانزعاج. { { إِنَّا لَضَالُّونَ}} [أي: تائهون] عنها، لعلها غيرها. فلما تحققوها، ورجعت إليهم عقولهم قالوا: { { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}} منها، فعرفوا حينئذ أنه عقوبة.
تفسير قوله تعالى: إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ
ا لخطبة الأولى ( قصة أَصْحَابِ الْجَنَّةِ دروس وعبر)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ-آيات قرآنية
(قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون) من هذا الموقف نهتدي إلى بصيرة هامة ينبغي لطلائع التغيير الحضاري ورجال الإصلاح أن يدركوها ويأخذوا بها في تحركهم إلى ذلك الهدف العظيم، وهي: إن المجتمعات والأمم حينما تضل عن الحق وتتبع النظم البشرية المنحرفة، تصير إلى
الحرمان، وتحدث في داخلها هزة عنيفة (صحوة) ذات وجهين، أحدهما القناعة بخطأ المسيرة السابقة، والآخر البحث عن المنهج الصالح. وهذه خير فرصة لهم يعرضوا فيها الرؤى والأفكار الرسالية، ويوجهوا الناس اليها. تفسير قوله تعالى: إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ. من هذه الفرصة إستفاد أوسط اصحاب الجنة، بحيث حذر أخوته من أخطائهم، وأرشدهم إلى سبيل الصواب. (قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين* فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون* قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين* عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون). وقصة هؤلاء شبيه بقوله تعالى: ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ)) قيل: هذا مثل مضروب لأهل مكة.
قيل: كانت هذه الجنة من أعناب. والصرم: قطع الثمرة وجذاذها. ومعنى { مُصبحين} داخلين في الصباح أي في أوَائل الفجر. قراءة سورة القلم
ابن كثير: وقوله "ولا تبخسوا الناس أشياءهم" أي لا تنقصوهم أموالهم "ولا تعثوا في الأرض مفسدين" يعني قطع الطريق كما قال في الآية الأخرى "ولا تقعدوا بكل صراط توعدون". القرطبى: لا يوجد تفسير لهذه الأية الطبرى: ( وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) يقول: ولا تنقصوا الناس حقوقهم في الكيل والوزن. ( وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ) يقول: ولا تكثروا في الأرض الفساد. قد بيَّنا ذلك كله بشواهده, واختلاف أهل التأويل فيه فيما مضى, فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. ابن عاشور: وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) ، والبخس: النقص والذم. الباحث القرآني. وتقدم في قوله: { ولا يبخس منه شيئاً} في سورة البقرة ( 282) ونظيره في سورة الأعراف. وقد تقدم نظير بقية الآية في سورة هود. ومن بخس الأشياء أن يقولوا للذي يعرض سلعة سليمة للبيع: إن سلعتك رديئة ، ليصرف عنها الراغبين فيشتريها برُخص.
الباحث القرآني
خلق الله سبحانه وتعالى الناس كى يصنعوا مجتمعا يعمل وينتج، هذا المجتمع أساسه المعاملات بين الجميع، ولذا وجدت المصالح التى تربط الناس ببعضهم، وفى البدء كانت المجاورة فى السكن ثم حدث تبادل للسلع قبل أن يظهر البيع والشراء، ومعه ظهرت سلوكيات طيبة وأخرى رديئة فعرف الناس العدل وعرفوا الغش أيضًا. يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة الشعراء على لسان سيدنا شعيب، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، "وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ" وحسب المفسرين أن سيدنا شعيب جاء فى قوم كانت أبرز ذنوبهم الغش فى الميزان، فإن كانوا هم من يشترى أخذوا حقهم كاملا وزادوا فيه، وإن كانوا هم من يبيعون غشوا فى الموازين وأكلوا حق الناس. وللأسف البخس بكل معانيه موجود، ويحدث فى أقل المعاملات وفى أكبرها، فعندما تذهب لشراء شىء ما، فإنك عادة كما يقولون فى العامية "تحاول أن تخسف بها الأرض" فتقلل منها وتحاول إثبات أنها خاسرة وأنها لا تساوى شيئا، وذلك من أجل خفض سعرها والتقليل من ثمنها، وإن تم ذلك شعرت فى داخلك بانتصار كأنك أتيت فعلا حسنا، ولا تعرف بأنك خنت نفسك تماما. ومعنى "وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ" أى لا تنقصوا الناس شيئًا من حقوقهم، والنقصان فى سياق الآية مرتبط بالميزان والكيل والبيع والشراء، ولكن يمكن تعميم المعنى الكريم فنفهم من ذلك أنه دعوة لعدم التقليل من الإنسان نفسه، من قيمته وشخصه، حيث يحلو للبعض أن يهاجم الآخرين وأن يسلبهم حقوقهم المادية والمعنوية، خاصة إذا كان فى وضع أفضل، فيذهب به غرور الدنيا مذهبًا صعبًا، فيأكل حق أخيه ولو منحه جزءا منه يظن فى نفسه أنه متفضل عليه.
وسرعان ما يختلف اتجاه الرياح ، فيصبح الأخ الناصح أو القائد المحنك أو الصادق المخلص جباناً ، أو بخيلاً أو صاحب مصالح بل قد يصبح عميلاً أو منافقاً... إلى آخر ما يجود به قاموس (عمى الألوان) من الأوصاف الشنيعة والاتهامات المقذعة ، ويصبح اللقاء بين الحميمين العدوين ضربا من المستحيل مع أن نظرة متأنية منصفة في ساعة إنابة لله جل وعز كفيلة بتبديد الغيوم وإذابة الثلوج. وإنما يحدث مثل هذا لخلل في التربية الاجتماعية وأسلوب التلقي وغياب المناهج والمعايير الدقيقة التي يتحاكم إليها المتنازعون ، وما غابت المناهج النيرة إلا كان البديل هو الاتهام وسوء الظن وطمس الحقوق. 3-قد يحدث أن يسوق الله طالب علم إلى أحد المدرسين فيأخذ عنه بعض ما عنده من العلم في بعض الفنون ، ويشعر الطالب في بعض الأحيان أن ما عند هذا الشيخ في تخصص ما لا ينقع الغلة ، ولا يروي الصادي فيتجه إلى شيخ آخر يلتمس ما عنده ، وهنا يشعر الأستاذ الأول أن ما فعله هذا الطالب فيه نوع من إساءة الأدب وعدم الوفاء بل قد يشعر أن هذا الطالب يوحي بأن ما عند الشيخ في هذا الفن ضئيل الفائدة وحينئذ يبدأ تقطيب الوجه ، والتصريح والتلميح والإشادة بأقران ذلك الطالب الذين يمثلون الأدب والوفاء والعبقرية ، ثم تكون الجفوة والقطيعة.