منذ الصغر، نتعلق بالحكايات وعوالمها السحرية العابرة للزمان والمكان، نستقي منها خبرات حياتية ويتشكل وعينا الإنساني ومعرفتنا بماضي البشرية السحيق. وقد اغتنت الديانات الإبراهيمية الثلاث بقصص تحتل مكانة مهمة في الثقافة الشرقية، نحفظها عن ظهر قلب، وتتجذر في وجداننا. تجسيد الأنبياء والرسل في الأعمال الفنية محظور. هذه القصص المقدسة تثير اهتمام المبدعين على نحو خاص، لما تحمله في بنيتها من عناصر درامية جذّابة، ولكنهم يعجزون عن تناولها بحرية تجنباً للمُساءلة القانونية والمجتمعية، فضلاً عن أن تجسيد الأنبياء والرسل في الأعمال الفنية محظور بحكم قضائي في مصر. يصبح الخيال هنا ملاذاً من القيود المفروضة على العملية الإبداعية، ويلجأ الفنانون إلى تضمين إشارات ورموز تفتح الباب أمام التأويلات والقراءات المتعددة للنصوص، بحيث تخلق صلات بين الماضي والحاضر، دون الالتزام بالمثالية المطلوبة في مثل هذه الموضوعات. شيخي شعيب لن أقول لك وداعا. تستدعي الذاكرة تجارب سينمائية لمخرجين استلهموا قصص الأنبياء في أفلامهم، مثل داود عبد السيد ويوسف شاهين، لكن هناك أيضاً مسلسلات خاض صُنّاعها في هذه المنطقة الشائكة بعمق وذكاء، آخرها مسلسل "جزيرة غمام"، الذي كتبه عبد الرحيم كمال، وأخرجه حسين المنباوي.
شيخي شعيب لن أقول لك وداعا
والموتُ حقٌّ علىٰ كلِّ العِبادِ فما
حَيٌّ بباقٍ، ويبقَى الواحدُ الأحدُ
«إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطعَ عمَلُه إلَّا مِن ثلاثٍ: صدقةٍ جارية، أو عِلْمٍ يُنْتفَعُ به، أو وَلَدٍ صالحٍ يَدْعُو له» [أخرجَه مسلم]. فعمَلُ الأستاذِ باقٍ إلىٰ يومِ القيامة، لا يَنقطِعُ حتَّىٰ يَرِثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ علَيْها، وهو خيرُ الوارثِين.
رجل أمة!: العلامة محمد أحمد الدالي
بيد أن عقل الفتى شعيب المتوثِّب، لم يركُنْ إلى الاقتصار عليهما، ودمشق تعجُّ وقتئذٍ بالعُلماء، فقادته قدماه ذاتَ يومٍ إلى الجامع الأموي، والتقى فيه الشيخ أديب الكلَّاس ـ وهو من أترابه ـ فسمع منه درسًا في النَّحْو غير الذي اعتاد سماعه، درسًا يفيضُ بالعلم والفهم، ثم عَرَف فيما عرف أن يَنْبوع هذا العلم هو العلَّامة الشيخ محمد صالح فرفور، فانتظمَ بين طلَّابه في جامع فتحي في حيِّ القيمرية العريق، لتبدأ مرحلةٌ مهمَّةٌ من حياته. فهو الآن يدرُسُ العلوم الإسلامية من فِقْهٍ وتفسير ونحو وعقيدة وَفْق منهجٍ محدَّد، فتتسع مدارُكه، ويتنامى مع الأيام عِلْمُه، ومع تناميه يبزُغُ في عقله السُّؤال، والسُّؤال قرينُ العلم لا يفارقه، فينتقل شعيبٌ من التلقِّي إلى الحوار والتفكير فيما يتلقَّاه، وهنا يصطدمُ بصخرة التَّقليد، وتبدأ مأساتُه، وهي مأساةُ كلِّ طالب علمٍ نابه يسعى في العلم إلى منتهاه، أنْ يصبحَ منهجًا للتفكير، لا وعاءً للحِفْظ، فيتمرَّد، متسلِّحًا بغلوِّ الشباب وغُلَوائه، ويُفْضي به تمرُّدُه إلى الانفصال عن شيخه، فإذا به في العَرَاء مع الحياة وجهًا لوجه، ولا مُعينَ له. في تلك الأيام تبدأُ رحلتُه الطويلة وحيدًا نحو الصَّواب والفهم السَّليم، ويعزِّزُ هذا الفهم عملُهُ في مجال التَّعليم، ثم عملُهُ في المكتب الإسلامي لتحقيق التُّراث.
• وكانَ الأستاذُ عالِمًا بمقاييسِ العربيَّةِ بصيرًا بها، محقِّقًا [مُدقِّقًا]، لو رآهُ الخليلُ لَسُرَّ به، وقالَ له: مَرحبًا بزائرٍ لا يُمَلُّ! ولا يزالُ في النَّاسِ عِلْمٌ ما بقيَ فيهم مِثْلُ الأستاذ. • وعَرَفْتُ فيما عَرَفْتُ أنَّه كانَ مَنْكُوبًا في غيرِ قليلٍ ممَّنْ أحسنَ إليهم، ما فعلَ لهم إلَّا الخيرَ، وضَنُّوا عليهِ بالوَفاء، بل إنَّ فيهِم مَنْ أساءَ إليه وتنكَّرَ له، ومنهُم مَنْ أصابَ به اليومَ عِلاجَ ذاتِ نَفْسِه! عَرَفْتُ منهُم مَنْ عَرَفْتُ، وحدَّثَني بحديثٍ كثير.. كانَ وفيًّا يُحسِنُ الظَّنَّ بالنَّاس، فيُخْلِفُه ظَنُّه في كثير! ما معنى اسم شيخة. ﴿ مَّنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَاۤءَ فَعَلَیۡهَاۗ ﴾ [فُصِّلت: 46]. وأقامَتْ طائفةٌ على الوَفاءِ له؛ تلقَّوْا عنه، وكَسَبُوا بعِلْمِه ومَعرفتِه ما كَسَبُوا. • وما زالَ الأستاذُ يَنْبُوعَ عِلْمٍ عِدٍّ، يَنْشُرُ العِلْمَ، وزكاةُ العِلْمِ نَشْرُه: فمِنْه ما وَعَتْه صُدُورُ الخاصَّةِ مِن أصحابِه وتلامِذَتِه، ومنه ما بَثَّه فيما نَشَرَه وفيما لم يَنْشُرْه منَ النُّصُوص، وفيما كَتبَه مِن مقالات، ومنه ما قيَّدَه على الكُتُبِ الَّتي حَوَتْها مَكْتبتُه، وذهبَ بموتِه عِلْمٌ كثير.
معنى الحديث
يأتي معنى الحديث لغةً بأنّه التجديد في الأمور ويُطلق على النطق بالكلام ما قلّ منه وما كثر لأنّه دائم التجديد وجمعه أحاديث، أمّا اصطلاحًا فهو كلّ ما جاء به الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- قولًا وفعلًا وصفةً أو ما تخلّق به وكان من صفاته وطباعه، أو ما أمر به المسلمين وما نهاهم عنه، ونظرًا لأهمية حديث رسول الله في بناء المجتمع الإسلامي وشرح تعاليم الإسلام كاملة أخذ الصحابة -رضوان الله عليهم- على عاتقهم مهمة حفظ أحاديث النبيّ الكريم ونقلها إلى سائر المسلمين بكلّ صدقٍ وأمانة، وكان من توجيهاته -عليه الصلاة والسلام- "حديث من أحدث في أمرنا" والذي سيأتي هذا المقال على شرح معناه.
حديث من احدث في امرنا هذا ما ليس منه
من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ
عن أمِّ المؤمنين أم عبدالله عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ))؛ [رواه البخاري ومسلم]، وفي رواية لمسلم: ((من عمِل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ)).
من احدث في امرنا هذا
هذه هي القضية التي تناولها الحديث ، وأراد أن يسلط الضوء عليها ، فكان بمثابة المقياس الذي يُعرف به المقبول من الأعمال والمردود منها ، مما جعل كثيرا من العلماء يولون هذا الحديث اهتماماً ودراسةً ، ويعدّونه أصلا من أصول الإسلام. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه) ، إنه النهي عن كل طريقة مخترعة في الدين ، والتحذير من إدخال شيء ليس فيه من الأمور العباديّة ؛ ولذلك قال هنا: ( في أمرنا) ، فأمر الله: هو وحيه وشرعه ، كما قال الله تعالى: { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} ( الشورى: 52). وعليه: فإن كل عبادة لا بد أن تكون محكومة بالشرع ، منقادة لأمره ، وما سوى ذلك فإنه مردود على صاحبه ، ولو كان في نظره حسنا ، إذ العبرة في قبول العمل عند الله أن يكون صواباً موافقاً لأمره ، وهذا الاعتبار يدلّ عليه قول الله تعالى: { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} ( الكهف: 110) ، يقول الفضيل بن عياض: " إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا ، ولا يقبله إذا كان خالصا له إلا على السنة ". وفي ضوء ذلك ، فليس أمام المكلّف سوى أحد طريقين لا ثالث لهما: طريق الوحي والشرع ، وطريق الضلال والهوى.
كما أن المتابعة للنبي «ص» لا تحقق إلا إذا وافقت العبادة الشرعَ في ستة أمور: وليعلم أن المتابعة لا تتحقق إلا إذا كان العمل موافقاً للشريعة في أمور ستة: سببه، وجنسه، وقدره، وكيفيته، وزمانه، ومكانه. أولاً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في سببه: وذلك بأن يفعل الإنسان عبادة لسبب لم يجعله الله تعالى سبباً مثل: لو أن أحداً أحدث عيداً لانتصار المسلمين في بدر، فإنه يرد عليه، لأنه ربطه بسبب لم يجعله الله ورسوله سبباً. ثانياً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في الجنس، فلو تعبّد لله بعبادة لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة، مثال ذلك: لو أن أحداً ضحى بفرس - ولو كانت تساوي ملايين -، فإن ذلك مردود عليه لأن الأضاحي لا تصح إلا ببهيمة الأنعام. ثالثاً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في القدر: فلو تعبد شخص لله عزّ وجل بقدر زائد على الشريعة لم يقبل منه، كمن يزيد في عدد ركعات الصلاة، أو يزيد على العدد المحدد شرعاً لذكر من الأذكار، بحيث يكون العدد فيه مقصوداً، وكمن يغسل أعضاء الوضوء أربع مرات. رابعاً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في الكيفية: كمن يسجد قبل أن يركع، فصلاته باطلة مردودة، أو ينكس في رمي الجمار، ونحو ذلك، فعبادته مردودة؛ لأنها لم توافق الشريعة في الكيفية.