وقد مضى في مقدمة الكتاب ما ينبغي أن يتخلق به قارئ القرآن. يرجون تجارة لن تبور قال أحمد بن يحيى: خبر إن يرجون. ﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)يقول تعالى ذكره: إن الذين يقرءون كتاب الله الذي أنزله على محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (وَأَقَامُوا الصَّلاةَ) يقول: وأدوا الصلاة المفروضة لمواقيتها بحدودها، وقال: وأقاموا الصلاة بمعنى: ويقيموا الصلاة. ص1147 - كتاب تفسير القرآن الكريم اللهيميد من الفاتحة إلى النساء - ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قآئمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخ - المكتبة الشاملة. وقوله ( وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) يقول: وتصدقوا بما أعطيناهم من الأموال سرًّا في خفاء وعلانية جهارًا، وإنما معنى ذلك أنهم يؤدون الزكاة المفروضة، ويتطوعون أيضًا بالصدقة منه بعد أداء الفرض الواجب عليهم فيه. وقوله (يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) يقول تعالى ذكره: يرجون بفعلهم ذلك تجارة لن تبور: لن تكسد ولن تهلك، من قولهم: بارت السوق إذا كسدت وبار الطعام. وقوله (تِجَارَةً) جواب لأول الكلام.
ان الذين يتلون كتاب الله Mp3
[ ص: 422] وقال عقبة بن صهبان سألت عائشة عن قول الله - عز وجل -: ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) الآية ، فقالت: يا بني كلهم في الجنة ، أما السابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة ، وأما المقتصد فمن اتبع أثره من أصحابه حتى لحق به ، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلكم ، فجعلت نفسها معنا. وقال مجاهد ، والحسن ، وقتادة: فمنهم ظالم لنفسه وهم أصحاب المشئمة ، ومنهم مقتصد وهم أصحاب الميمنة ، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله هم السابقون المقربون من الناس كلهم. وعن ابن عباس قال: السابق: المؤمن المخلص ، والمقتصد: المرائي ، والظالم: الكافر نعمة الله غير الجاحد لها ، لأنه حكم للثلاثة بدخول الجنة فقال: " جنات عدن يدخلونها ". وقال بعضهم: يذكر ذلك عن الحسن ، قال: السابق من رجحت حسناته على سيئاته ، والمقتصد من استوت حسناته وسيئاته ، والظالم من رجحت سيئاته على حسناته. وقيل: الظالم من كان ظاهره خيرا من باطنه ، والمقتصد الذي يستوي ظاهره وباطنه ، والسابق الذي باطنه خير من ظاهره. ان الذين يتلون كتاب الله mp3. وقيل: الظالم من وحد الله بلسانه ولم يوافق فعله قوله ، والمقتصد من وحد الله بلسانه وأطاعه بجوارحه ، والسابق من وحد الله بلسانه وأطاعه بجوارحه وأخلص له عمله.
ان الذين يتلون كتاب الله وأقامو الصلاة
﴿ كَفَرُوا بِهِ ﴾ أي: كذبوا به وجحدوه، وأنكروا رسالته صلى الله عليه وسلم، وكذبوا ما جاء به من الوحي من عند الله؛ بغيًا منهم وحسدًا للعرب، وقد نهاهم الله عز وجل عن ذلك بقوله: ﴿ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ﴾ [البقرة: 41]. قال ابن القيم [3]: "فهذه حجة أخرى على اليهود في تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا يحاربون جيرانهم من العرب في الجاهلية ويستنصرون عليهم بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل ظهوره، فيفتح لهم وينصرون، فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به، وجحدوا نبوته، فاستفتاحهم به وجحد نبوته مما لا يجتمعان، فإن كان استفتاحهم به لأنه نبي كان جحد نبوته محالًا، وإن كان جحد نبوته كما يزعمون حقًّا كان استفتاحهم به باطلًا، فإن كان استفتاحهم به حقًا فنبوته حق، وإن كانت نبوته كما يقولون باطلًا فاستفتاحهم به باطل، وهذا مما لا جواب لأعدائه عنه البتة". فكان قيام الحجة عليهم أشد من وجهين: الأول: كون القرآن مصدقًا لما معهم من كتب الله، والثاني: كونهم من قبل يستفتحون على الذين كفروا ببعثته صلى الله عليه وسلم ومعرفتهم له. إن الذين يتلون كتاب ه. ﴿ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ أي: فحقت لعنة الله ووجبت على الكافرين، وهي طردهم وإبعادهم عن رحمته.
إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة
ووجه الشبه مشابهة ترتب الثواب على أعمالهم بترتب الربح على التجارة. والمعنى: ليرجوا أن تكون أعمالهم كتجارة رابحة. والبوار: الهلاك. وهلاك التجارة: خسارة التاجر. فمعنى { لن تبور} أنها رابحة. و { لن تبور} صفة { تجارة}. والمعنى: أنهم يرجون عدم بوار التجارة. فالصفة مناط التبشير والرجاء لا أصل التجارة لأن مشابهة العمل الفظيع لعمل التاجر شيء معلوم.
تفسير قوله تعالى:
﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ... ﴾
قوله: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 89]. ذكر عز وجل في الآيتين السابقتين استكبار بني إسرائيل عن اتباع ما جاءهم من الحق على لسان موسى عليه السلام والأنبياء بعده إلى عيسى عليه السلام وتكذيبهم وقتلهم لهم، ثم أتبع ذلك بذكر كفرهم بالقرآن الكريم؛ مكابرة منهم وبغيًا وحسدًا، وتكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم- كما هو ديدنهم مع أنبيائهم.
( اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ {15} أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ). أي يجازيهم على استهزائهم فسمّى جزاء الاستهزاء استهزاء كقوله تعالى: (وجزاؤا سيئة سيئة مثلها) الشورى/ آية40 وقوله: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) البقرة/ آية194 فسمى جزاء السيئة سيئة وجزاء الاعتداء اعتداء، وإن لم يكن الجزاء في الحقيقة سيئة أو اعتداء، وإنما هو استعمال مجازي حسب لغة العرب. واستئناف قوله تعالى: (يستهزئ بهم) من غير عطف في غاية القوة، فهو الذي يستهزئ بهم الاستهزاء الأبلغ، ولما كانت نكالات الله بهم تنزل عليهم ساعة فساعة قيل الله يستهزئ بهم للاستمرار ولم يقل سبحانه الله مستهزئ كما قالوا إنما نحن مستهزئون ليكون النكال لهم أشد. يخادعون الله والذين آمنوا. لذلك جاءت الآية بأنهم يعمهون ي ضلالتهم أي يتمادون في كفرهم وضلالهم ويترددون حيارى لا يجدون إلى المخرج منه سبيلاً. ثمّ بيّن سبحانه أن المنافقين قد اشتروا الضلالة بدلاً من الهدى (2) فخسروا الدنيا بخسران تجارتهم، وخسروا الآخرة بخسران هدايتهم وذلك هو الخسران المبين
ــــــــــــــــ
(1) البخاري: 2803، مسلم: 1771.
هل يخادعون الله واللذين آمنوا !!؟ولكن لا يخدعون إلا أنفسهم وهم يعلمون - Youtube
إن دعوتنا لا تخرج عن الأمر الإلهي للناس وما جاء في القرآن الكريم من دعوة الله للناس بممارسة الرحمة والتعامل بالعدل ونشر السلام بين الناس والإحسان والرأفة للضعفاء ومساعدة الفقراء والمساكين. هل هذا هو الذي يعترض عليه المتشبثين بالتراث بعيدا عن كتاب الله.. فهل يخطئ من يدعو الناس إلى إتباع آيات الله في كتابه الكريم؟، وهل يمكن أن ينتشر الإسلام وتمارس العبادات والالتزام بالمنهاج الإلهي والتشريعات والأخلاقيات القرآنية بدون الاسترشاد بالآيات وإتباع كلام الله وعظاته ومحرماته التي ستكون المنهج الذي سيحاسب عليه الناس يوم القيامة تأكيدًا لقوله سبحانه مخاطباً رسوله بقوله (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم / وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون)، ذلك تنبيه للرسول وللناس بأنهم سيسألون يوم القيامة. هل أطلعوا الله واتبعوا قرآنه كما أمر فسيكون الحكم كما قال سبحانه ( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يخشى / ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى / قال لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا / قال كذلك أتتك آياته فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) فللإنسان حق اختيار أحد الطريقين.. إما يختار طريق الله وكتابه طريق الحق، وإما يختار طريق الشيطان طريق الباطل ويتحمل نتيجة قراره.. هل يخادعون الله واللذين آمنوا !!؟ولكن لا يخدعون إلا أنفسهم وهم يعلمون - YouTube. فإما جنة وإما نار، والله في كتابه لا يكره الناس على الإيمان ومنحهم حق الاختيار والسلام.
نواصل، اليوم، الوقوف مع كلام الإمام القرطبى فى تفسيره المعروف بـ"الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآى الفرقان"، ونقرأ ما قاله فى تفسير سورة البقرة فى الآية التاسعة: (يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ). قال علماؤنا: معنى: (يُخادِعُونَ اللَّه) أي يخادعونه عند أنفسهم وعلى ظنهم. وقيل: قال ذلك لعملهم عمل المخادع. وقيل: في الكلام حذف، تقديره: يخادعون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن الحسن وغيره. وجعل خداعهم لرسوله خداعا له، لأنه دعاهم برسالته، وكذلك إذا خادعوا المؤمنين فقد خادعوا الله. ومخادعتهم: ما أظهروه من الايمان خلاف ما أبطنوه من الكفر، ليحقنوا دماءهم وأموالهم، ويظنون أنهم قد نجوا وخدعوا، قاله جماعة من المتأولين. وقال أهل اللغة: أصل المخدع في كلام العرب الفساد، حكاه ثعلب عن ابن الاعرابي. وأنشد:
أبيض اللون لذيذ طعمه ** طيب الريق إذا الريق خدع
قلت: فـ (يُخادِعُونَ اللَّهَ) على هذا، أي يفسدون إيمانهم وأعمالهم فيما بينهم وبين الله تعالى بالرياء. وكذا جاء مفسرا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ما يأتي.