ففعلتُ وتركتُ، ثم عاودت مرة أخرى في تأويل أرتني فيه نفسي الجواز ـ و إن كان الأمر يحتمل ـ فلما وافقتها أثّر ذلك ظلمه في قلبي؛ لخوفي أن يكون الأمر محرماً، فرأيت أنها تارةً تقوى عليّ بالترخص والتأويل، وتارةً أقوى عليها بالمجاهدة والامتناع، فإذا ترخصتُ لم آمن أن يكون ذلك الأمر محظوراً، ثم أرى عاجلاً تأثير ذلك الفعل في القلب، فلما لم آمن عليها بالتأويل،... إلى أن قال رحمه الله: فأجود الأشياء قطع أسباب الفتن، وترك الترخص فيما يجوز إذا كان حاملاً ومؤدياً إلى ما لا يجوز "(2) انتهى كلامه رحمه الله. 2 ـ ومن مجالات تفعيل هذه القاعدة ـ في مجال التعامل مع النفس ـ:
أ ـ أن مِنَ الناس مَنْ شُغف ـ عياذاً بالله ـ بتتبع أخطاء الناس وعيوبهم، مع غفلة عن عيوب نفسه ، كما قال قتادة: ـ في تفسيره لهذه الآية ـ: {بل الإنسان على نفسه بصيرة} قال: إذا شئت والله رأيته بصيراً بعيوب الناس وذنوبهم، غافلاً عن ذنوبه(3)، وهذا ـ بلا ريب ـ من علامات الخذلان، كما قال بكر بن عبدالله المزني: إذا رأيتم الرجل موكلاً بعيوب الناس، ناسيا لعيبه، فاعلموا أنه قد مُكِرَ بِهِ. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة القيامة - الآية 14. ويقول الشافعي:: بلغني أن عبدالملك بن مروان قال للحجاج بن يوسف: ما من أحد إلا وهو عارف بعيوب نفسه، فعب نفسك ولا تخبىء منها شيئاً(4)، ولهذا يقول أحد السلف: أنفع الصدق أن تقر لله بعيوب نفسك (5).
القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة القيامة - الآية 14
About Latest Posts المستشار/أحمد عبده ماهر أعمل محاميا بالنقض والمحكمة الدستورية العليا كما أني مُحَكِّمًا دوليا وباحثا إسلاميا Latest posts by أحمد عبده ماهر ( see all) الأخ الكريم Ahmed Elmahdy
تلومني لأني لا أعتبر بأن في هذه الأمة علماء، ولا فقهاء بل ولا عقلاء…. ولو ألقى معاذيره. وأعتبر بأن الفقهاء خانوا الله ورسوله وجماعة المسلمين بينما أنا أجد لي كامل الحق في تسفيه كل من سبقوني ممن تسمونهم ائمة وعلماء بل وتسفيه كل عقول الأمة….. فلقد وجدت نفسي في أمة تعتبر بأن من قالوا الآتي علماء وفقهاء وأئمة:
أن حمل المرأة يمكن أن يستمر لأربع سنوات في بطنها
جواز العدوان على الدول المجاورة واسترقاق أهلها وسبي نسائها وبيع أطفالها وقتل رجالها باسم بدعة أسموها [الفتوحات الإسلامية] تقشعر لها أبدانهم من الفخر حين يذكرونها. أنه يمكن للرجل الكبير الملتحي أن يرضع من امرأة جاره أو زميلته في العمل لتكون أما له بالرضاع فيمكنه أن يختلي بها ويرى عورتها المخففة
ويرى أئمة هذه الأمة جواز نكاح الرجل للأنثى ولو كانت بالمهد. ويرون بوجوب قتل المرتد وقتل تارك الصلاة وقتل تارك الوضوء والزكاة
ويرى الشافعي جواز أن يتزوج الرجل من ابنته من الزنا لأن ماء الزنا عنده ماء هدر لا يترتب عليه تحريم.
إسلام ويب - تفسير البغوي - سورة القيامة - تفسير قوله تعالى " بل الإنسان على نفسه بصيرة "- الجزء رقم8
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " هلا تركتموه " وقال أبو داود والنسائي: ليتثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأما لترك حد فلا. وهذا كله طريق للرجوع وتصريح بقبوله. وفي قوله - عليه السلام -: " لعلك قبلت أو غمزت " إشارة إلى قول مالك: إنه يقبل رجوعه إذا ذكر وجها. القاعدة الرابعة: (بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) - عمر بن عبد الله المقبل - طريق الإسلام. الخامسة: وهذا في الحر المالك لأمر نفسه ، فأما العبد فإن إقراره لا يخلو من أحد قسمين: إما أن يقر على بدنه ، أو على ما في يده وذمته; فإن أقر على ما في بدنه فيما فيه عقوبة من القتل فما دونه نفذ ذلك عليه. وقال محمد بن الحسن: لا يقبل ذلك منه; لأن بدنه مستغرق لحق السيد ، وفي إقراره إتلاف حقوق السيد في بدنه; ودليلنا قوله - صلى الله عليه وسلم -: من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله ، فإن من يبد لنا صفحته نقم عليه الحد. المعنى أن محل العقوبة أصل الخلقة ، وهي الدمية في الآدمية ، ولا حق للسيد فيها ، وإنما حقه في الوصف والتبع ، وهي المالية الطارئة عليه; ألا ترى أنه لو أقر بمال لم يقبل ، حتى قال أبو حنيفة: إنه لو قال سرقت هذه السلعة أنه لم تقطع يده ويأخذها المقر له. وقال علماؤنا: السلعة للسيد ويتبع العبد بقيمتها إذا عتق; لأن مال العبد للسيد إجماعا ، فلا يقبل قوله فيه ولا إقراره عليه ، لا سيما [ ص: 96] وأبو حنيفة يقول: إن العبد لا ملك له ولا يصح أن يملك ولا يملك ، ونحن وإن قلنا إنه يصح تملكه.
ولو ألقى معاذيره
وبيانه في مسائل الفقه. وللعبد حالتان في الإقرار: إحداهما في ابتدائه ، ولا خلاف فيه على الوجه المتقدم. والثانية في انتهائه ، وذلك مثل إبهام الإقرار ، وله صور كثيرة وأمهاتها ست:
الصورة الأولى: أن يقول له عندي شيء ، قال الشافعي: لو فسره بتمرة أو كسرة قبل منه. والذي تقتضيه أصولنا أنه لا يقبل إلا فيما له قدر ، فإذا فسره به قبل منه وحلف عليه. الصورة الثانية: أن يفسر هذا بخمر أو خنزير أو ما لا يكون مالا في الشريعة: لم يقبل باتفاق ولو ساعده عليه المقر له. الصورة الثالثة: أن يفسره بمختلف فيه مثل جلد الميتة أو سرقين أو كلب ، فإن الحاكم يحكم عليه في ذلك بما يراه من رد وإمضاء ، فإن رده لم يحكم عليه حاكم آخر غيره بشيء ، لأن الحكم قد نفذ بإبطاله ، وقال بعض أصحاب الشافعي: يلزم الخمر والخنزير ، وهو قول باطل. وقال أبو حنيفة: إذا قال له علي شيء لم يقبل تفسيره إلا بمكيل أو موزون ، لأنه لا يثبت في الذمة بنفسه [ ص: 94] إلا هما. وهذا ضعيف; فإن غيرهما يثبت في الذمة إذا وجب ذلك إجماعا. الصورة الرابعة: إذا قال له: عندي مال قبل تفسيره بما لا يكون مالا في العادة كالدرهم والدرهمين ، ما لم يجئ من قرينة الحال ما يحكم عليه بأكثر منه.
القاعدة الرابعة: (بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) - عمر بن عبد الله المقبل - طريق الإسلام
ب ـ ومن مواضع تطبيق هذه القاعدة: أن ترى بعض الناس يجادل عن نفسه في بعض المواضع ـ التي تبين فيها خطؤه ـ بما يعلم في قرارة نفسه أنه غير مصيب، كما يقول ابن تيمية: في تعليقه على هذه الآية: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} فإنه يعتذر عن نفسه بأعذار ويجادل عنها، وهو يبصرها بخلاف ذلك(6). ج ـ ومن دلالات هذه القاعدة الشريفة:
أن يسعى المرء إلى التفتيش عن عيوبه، وأن يسعى في التخلص منها قدر الطاقة، فإن هذا نوع من جهاد النفس المحمود، وأن لا يركن الإنسان إلى ما فيه من عيوب أو أخطاء، بحجة أنه نشأ على هذا الخلق أو ذاك، أو اعتاد عليه، فإنه لا أحد من الناس لا أعلم منك بنفسك وعيوبها وأخطائها وذنوبها، وما تسره من أخلاق، أو تضمره من خفايا النوايا. وإليك هذا النموذج المشرق من حياة العلامة ابن حزم:، حيث يقول ـ في تقرير هذا المعنى ـ:
"كانت فيَّ عيوب، فلم أزل بالرياضة واطلاعي على ما قالت الأنبياء صلوات الله عليهم، والأفاضل من الحكماء المتأخرين والمتقدمين ـ في الأخلاق وفي آداب النفس ـ أعاني مداواتها، حتى أعان الله عز وجل على أكثر ذلك بتوفيقه ومنّه، وتمام العدل ورياضة النفس والتصرف بأزمة الحقائق هو الإقرار بها، ليتعظ بذلك متعظ يوماً إن شاء الله.
وقال الضحاك: ولو أرخى ستوره، وأهل اليمن يسمون الستر: المعذار. والصحيح قول مجاهد وأصحابه، كقوله [تعالى]: { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [ الأنعام: 23] وكقوله [سبحانه] { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [ المجادلة: 18]. وقال العوفي، عن ابن عباس: { وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} هي الاعتذار ألم تسمع أنه [سبحانه] قال: { لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} [ غافر: 52] وقال [تعالى] { وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ} [ النحل: 87]
{ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} [ النحل: 28] وقولهم [الظالمين] { وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} والله أعلم
الحافظ ابن كثير رحمه الله
تفسير ابن كثير
موازين فقه النّفس مقاديرها، ووحدكَ تعلم ميزان نفسكَ وتعرف بها مقاديرها وتدرك حجمها "بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ" ، فلا يضرّك حينها قادحٌ ولا ينفعك مادحٌ، فإذا فقهتها ألجمتها فألزمتها الأدب، فلا أنتَ تُغالي حين التّعالي ولا أنتَ تسرفُ حين السقوط وتسعى لتبتغي بينهما سبيلاً. ولن ينفعك لفقه ميزان نفسك كتُبًا قرأتها أو أحاديث ونصُوص سمعتها ممّا رُوِيَ من مواقف وقصَصٍ فيها حثٌّ وترغيب على ما يُزكِّي النفس، وأخرى فيها تنفيرٌ وترهيب ممّا يُوردها مواردَ ومزالق لا تُحمَد حتّى تخبَرَ بنفسك وتُجرّب، حتّى تُبصر بقلبك قبل عينيْك، فتعي وتتعلّم، فتكفّ نفسك عمّا يؤذيها وتُقبل بها على ما ينفعها ويبلّغها مقامات أهل الآخرة قبل مقامات أهل الدنيا. فمهما نصحوك واستنصحوا لك لن تنتفع ما لم يكُن معك ميزانٌ أو إن أنكرتَ حاجتك إليه أصلاً، ولربّما تأخذك العزّة بالإثم فتغترّ وتستكبر وتتجبّر، فتكون كالذين قال فيهم الله سبحانه وتعالى: "مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ… صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ".
إنما النَّجوى من الشيطان
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهدِه الله، فلا مضلَّ له، ومَن يُضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا. أمَّا بعد:
أيُّها الأحبة الكرام، ونحن نستعدُّ في هذه الأشهر لاستقبال شهر رمضان، ونراجع آيات القرآن، وإذا بنا نَجد أنَّ في القرآن الكريم أعظمَ العِبَر، وأعمقَ الدروس، وكأنَّنا لم نقرأ الآيات من قبلُ، ولم نَحفظها منذ زمن؛ إذ إنَّ هذا يدُلُّ على عِظَم هذه المعجزة، وعلى فضل هذا الكتاب، فيدعونا كلُّ هذا لأَنْ نعودَ إلى كتاب ربِّنا من جديد، على الأقل أنْ نعلمَ، وبالنية الخالصة لله - تعالى - سنطبق فنعمل. وأنا أقرأ آيات المجادلة استوقفَتْني آياتُها، استوقفني فيها أنَّ الكلامَ عن التناجي أخذ لُبَّ ما فيها، وصار جُلَّ محورها، ثُمَّ استوقفني تَكرار كلام ربنا عن الموضوع، فكانت الآياتُ وهي تتكلم عن التناجي الذي يقصد به الكلام بالسر، وتتكرر هذه الآيات وتتوالى، وهذا إنْ دَلَّ على شيء، فإنَّما يدل على أهمية الموضوع ومكانته، وفي الوقت نفسه رأيت أنَّنا عن هذا الأمر في سُبات، فلا تكاد تجد مجلسًا من مجالسنا إلاَّ ما رَحِمَ ربي إلاَّ وهو واقع في هذه المعصية، غير متدارك لها.
إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام
القول في تأويل قوله تعالى: ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( 10))
يقول - تعالى ذكره -: إنما المناجاة من الشيطان ، ثم اختلف أهل العلم في النجوى التي أخبر الله أنها من الشيطان - أي ذلك هو - فقال بعضهم: عني بذلك مناجاة المنافقين بعضهم بعضا. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد ، عن قتادة قوله: ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا) كان المنافقون يتناجون بينهم ، وكان ذلك يغيظ المؤمنين ، ويكبر عليهم ، فأنزل الله في ذلك القرآن: ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا)... القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة المجادلة - الآية 10. الآية. [ ص: 242]
وقال آخرون بما حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قول الله - عز وجل - ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله) قال: كان الرجل يأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأله الحاجة ، ليرى الناس أنه قد ناجى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يمنع ذلك من أحد. قال: والأرض يومئذ حرب على أهل هذا البلد ، وكان إبليس يأتي القوم فيقول لهم: إنما يتناجون في أمور قد حضرت ، وجموع قد جمعت لكم وأشياء ، فقال الله: ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا)... إلى آخر الآية.
إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة المجادلة - القول في تأويل قوله تعالى " إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله "- الجزء رقم23
وهذا نحو قوله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان. [ ص: 35] وقرأ نافع وحده " ليحزن " بضم الياء وكسر الزاي فيكون " الذين آمنوا " مفعولا. وقرأه الباقون بفتح الياء وضم الزاي مضارع حزن فيكون " الذين آمنوا " فاعلا وهما لغتان. وجملة وليس بضارهم إلخ معترضة. وضمير الرفع المستتر في قوله " بضارهم " عائد إلى الشيطان. إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة المجادلة - القول في تأويل قوله تعالى " إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله "- الجزء رقم23. والمعنى: أن الشيطان لا يضر المؤمنين بالنجوى أكثر من أنه يحزنهم. فهذا كقوله تعالى لن يضروكم إلا أذى أو عائد إلى النجوى بتأويله بالتناجي ، أي ليس التناجي بضار المؤمنين لأن أكثره ناشئ عن إيهام حصول ما يتقونه في الغزوات. وعلى كلا التقديرين فالاستثناء بقوله إلا بإذن الله استثناء من أحوال. والباء للسببية ، أي إلا في حال أن يكون الله قدر شيئا من المضرة من هزيمة أو قتل. والمراد بالإذن أمر التكوين. وانتصب شيئا على المفعول المطلق ، أي شيئا من الضر. ووقوع شيئا وهو ذكره في سياق النفي يفيد عموم نفي كل ضر من الشيطان ، أي انتفى كل شيء من ضر الشيطان عن المؤمنين ، فيشمل ضر النجوى وضر غيرها ، والاستثناء في قوله تعالى إلا بإذن الله من عموم " شيئا " الواقع في سياق النفي ، أي لا ضرا ملابسا لإذن الله في أن يسلط عليهم الشيطان ضره فيه ، أي ضر وسوسته.
إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ | تفسير ابن كثير | المجادلة 10
وهذا الضر هو المعبر عنه بالسلطان في قوله تعالى في شأن الشيطان { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلاّ من اتّبعك من الغاوين} أي فلك عليه سلطان. وهذه التصاريف الإلهية جارية على وفق حكمة الله تعالى وما يعلمه من أحوال عباده وسرائرهم وهو يعلم السر وأخفى. ولهذا ذيل بقوله: { وعلى الله فليتوكل المؤمنون} لأنهم إذا توكلوا على الله توكلاً حقاً بأن استفرغوا وسعهم في التحرز من كيد الشيطان واستعانوا بالله على تيسير ذلك لهم فإن الله يحفظهم من كيد الشيطان قال تعالى: { ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [ الطلاق: 3]. ويجوز أن يكون عموم { شيئاً} مراداً به الخصوص ، أي ليس بضارّهم شيئاً مما يوهمه تناجي المنافقين من هزيمة أو قتل إلا بتقدير الله حصول هزيمة أو قتل. والمعنى: أن التناجي يوهم الذين آمنوا ما ليس واقعاً فأعلمهم الله أن لا يحزنوا بالنجوى لأن الأمور تجري على ما قدره الله في نفس الآمر حتى تأتيهم الأخبار الصادقة. وتقديم الجار والمجرور في قوله تعالى: { وعلى الله فليتوكل المؤمنون} للاهتمام بمدلول هذا المتعلق.
القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة المجادلة - الآية 10
وعن ابن عباس: بأمره. وعلى الله فليتوكل المؤمنون أي: يكلون أمرهم إليه ، ويفوضون جميع شئونهم إلى عونه ، ويستعيذون به من الشيطان ومن كل شر ، فهو الذي سلط الشيطان بالوساوس ابتلاء للعبد وامتحانا ولو شاء لصرفه عنه. الثانية: في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الواحد. وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن يحزنه فبين في هذا الحديث غاية المنع وهي أن يجد الثالث من يتحدث معه كما فعل ابن عمر ، ذلك أنه كان يتحدث مع رجل فجاء آخر يريد أن يناجيه فلم يناجه حتى دعا رابعا ، فقال له وللأول: تأخرا وناجى الرجل الطالب للمناجاة. خرجه الموطأ. وفيه أيضا التنبيه على التعليل بقوله: من أجل أن يحزنه أي: يقع في نفسه ما يحزن لأجله. وذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره ، أو أنه لم يروه أهلا ليشركوه في حديثهم ، إلى غير ذلك من ألقيات الشيطان وأحاديث النفس. وحصل ذلك كله من بقائه وحده ، فإذا كان معه غيره أمن ذلك ، وعلى هذا يستوي في ذلك كل الأعداد ، فلا يتناجى أربعة دون واحد ولا عشرة ولا ألف مثلا ؛ لوجود ذلك المعنى في حقه ، بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأوقع ، فيكون بالمنع أولى.
اكسب ثواب بنشر هذا التفسير