من دلائل علو قدر النبي صلى الله عليه وسلم تعدد أسمائه التي تدل على كثرة خيره، وعلو مكانته وتعدد شمائله، فإن كثرة الأسماء مع حُسْنِها تدل على كثرة الصفات والمحامد التي يقوم بها المُسمَّى بتلك الأسماء، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الغاية في الكمال الإنساني فقد اختصه الله سبحانه وتعالى بتعدد أسمائه وصفاته، والتي تُظْهِر بجلاء شمائله وخصائصه التي تفضّل الله بها عليه في الدنيا والآخرة، ولا يُعرف من الكتاب والسنة نبيٌّ من الأنبياء له من الأسماء ما لنبينا صلى الله عليه وسلم. من أسماء النبي: محمد، أحمد
سمَّي الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم بـ: "محمد"، و"أحمد"، وذكر اسم محمد في عدة مواضع، منها قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144]. ومُحَّمد هو كثير الخصال التي يُحمد عليها، قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
وشقَّ له من اسمه ليُجِلّه *** فذو العرش محمود وهذا مُحَمّد
أما اسم "أحمد"، فقد ذُكِرَ في القرآن الكريم مرة واحدة في قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصف: 6].
اسماء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم
ولا شك أن في هذه الأعداد الكثير من المبالغة، فالصحيح أن أسماءه صلى الله عليه وسلم أقل من ذلك بكثير، فلا يجوز الزيادة عليها بما لم يرد في الكتاب والسنة الصحيحة، خاصة إذا كانت هذه الأسماء الغير صحيحة فيها غلو وإفراط، مثل هذه الأسماء التي وردت في بعض كتب الصوفية والتي منها: مدعو، غوث، غياث، مقيل العثرات، صفوح عن الزلات، خازن علم الله، بحر أنوارك، مؤتي الرحمة، نور الأنوار، قطب الجلالة، السر الجامع، الحجاب الأعظم. ومن أهم أسباب الخلاف في عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم أن بعض العلماء رأى كل وصف وُصِف به النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم من أسمائه، فعدَّ من أسمائه مثلا: الشاهد، المبشر، النذير، الداعي، السراج المنير، وذلك لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب:45-46]، في حين قال آخرون من أهل العلم: إن هذه أوصاف وليست أسماء أعلام، قال النووي: "بعض هذه المذكورات صفات، فإطلاقهم الأسماء عليها مجاز"، وقال السيوطي: "وأكثرها صفات". فائدة
قال ابن القيم: "وأما ما يذكره العوام أن يس وطه من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم فغير صحيح، ليس ذلك في حديث صحيح ولا حسن ولا مرسل، ولا أثر عن صحابي، وإنما هذه الحروف مثل: الم وحم والر، ونحوها".
اسماء الرسول صلي الله عليه وسلم انشوده
وقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم لنا أن نتسمى باسمه ولا نتكنى بكنيته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَسَمَّوْا باسْمِي، ولا تَكَنَّوا بكُنْيَتي، ومن رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ومن كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري. اسماء الرسول صلي الله عليه وسلم بخط الرقعه. ومع شرف وعِظم اسم "محمد" و "أحمد" والحرص على التسمي بهما فلم يصح في فضلِ التسمية بهما حديث، وأما ما يُذكر على الألسنة من حديث: "خير الأسماء ما حُمِّد وما عُبِّد"، فلا يصح كما ذكر ذلك الشيخ الألباني وغيره، وإنما الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن" رواه مسلم. والحب الصادق له صلى الله عليه وسلم يكون باتباعه والاقتداء به ظاهرا وباطنا كما قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]، وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: من الآية21]. المصدر إسلام ويب
اسماء الرسول صلي الله عليه وسلم بخط الرقعه
الخطبة الثانية
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عبدُهُ ورسولُهُ. أمَّا بعدُ: (فإنَّ خَيْرَ الحديثِ كِتابُ اللهِ، وخيرُ الْهُدَى هُدَى مُحمَّدٍ، وشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وكُلُّ بدعَةٍ ضَلالَةٌ)، و(لا إيمانَ لِمَن لا أَمانةَ لَهُ، ولا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ). اسماء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. أما بعد: مِن أسمائه صلى الله عليه وسلم: الأمين، قال صلى الله عليه وسلم: (أَنا أَمِينُ مَنْ في السَّمَاءِ) متفقٌ عليه، قال ابنُ فارس: (وكانت العَرَبُ تُسمِّيه قبلَ أنْ يُبعث الأمين، لِما عاينُوا مِن أمانتهِ وحفظه لها) انتهى، قال ابنُ القيِّم: (وأمَّا الأمينُ: فهوَ أَحَقُّ العالَمِينَ بهذا الاسْمِ، فهوَ أمينُ اللهِ على وحْيهِ ودِينِهِ، وهوَ أمينُ مَنْ في السماءِ، وأمينُ مَنْ في الأرضِ، ولهذا كانُوا يُسَمُّونَهُ قبْلَ النُّبُوَّةِ: الأمينَ. وأمَّا الضَّحُوكُ القَتَّالُ: فاسْمَانِ مُزْدَوِجانِ لا يُفْرَدُ أحَدُهُمَا عنِ الآخَرِ، فإنهُ ضَحُوكٌ في وُجُوهِ المؤمنينَ غيرُ عابسٍ ولا مُقَطِّبٍ ولا غَضُوبٍ ولا فَظٍّ، قَتَّالٌ لأعداءِ اللهِ لا تَأْخُذُهُ فيهِمْ لَوْمَةُ لائِمٍ.
الحمد لله. حديث ( أنا الحاشر تحشر الناس على قدمي) هو مما اتفق عليه الشيخان ، ولفظ كامل
الحديث أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( إِنَّ لِي
أَسْمَاءً أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو
اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى
قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ) رواه البخاري (4896) ومسلم (2354)
فأما قوله: أنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي فمعناه على أثري أي أنه
يحشر قبل الناس ، وهو موافق لقوله في الرواية الأخرى: يُحشر الناس على عقبي. ويحتمل أن يكون المراد بالقدم الزمان ، أي وقت قيامي على قدمي بظهور علامات الحشر ،
إشارة إلى أنه ليس بعده نبي. أسماء النبي صلى الله عليه وسلم سماه الله بها - الإسلام سؤال وجواب. هذا مجمل ما ذكره الحافظ في الفتح ( 6 / 557). وقال ابن القيم في زاد المعاد ( 1 / 94) فكأنه بعث ليحشر الناس. ثانياً: قولك: إن الله يسمى "بالحاشر" غير صحيح ؛ لأن أسماء الله تعالى توقيفية ،
لا مجال للعقل فيها ، والواجب الوقوف على ما ورد في الكتاب والسنة ، فلا يزاد فيها
ولا ينقص:
1. لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله من الأسماء فوجب الوقوف في ذلك على النص
لقوله تعالى: ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء:36)
وقال تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا
وَمَا بَطَنَ والإثم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ
مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا
تَعْلَمُونَ) (لأعراف:33)
2.
ثم رواه عن الحاكم، عن الأصم، عن عباس الدورى، عن يحيى بن معين، حدثنا عقبة المجدر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبى ﷺ. قال: "ما زالت قريش كاعة حتى توفى أبو طالب". وقد روى الحافظ أبو الفرج ابن الجوزى بسنده عن ثعلبة بن صغير، وحكيم بن حزام أنهما قالا: لما توفى أبو طالب وخديجة - وكان بينهما خمسة أيام - اجتمع على رسول الله ﷺ مصيبتان، ولزم بيته وأقل الخروج، ونالت منه قريش ما لم تكن تنال ولا تطمع فيه، فبلغ ذلك أبا لهب فجاءه فقال: يا محمد امض لما أردت وما كنت صانعا إذ كان أبو طالب حيا فاصنعه، لا واللات لا يوصل إليك حتى أموت. موت الحسن بن علي بن ابي طالب. وسبَّ ابن الغيطلة رسول الله ﷺ فأقبل إليه أبو لهب فنال منه، فولى يصيح يا معشر قريش صبا أبو عتبة، فأقبلت قريش حتى وقفوا على أبى لهب فقال: ما فارقت دين عبد المطلب، ولكنى أمنع ابن أخى أن يضام حتى يمضى لما يريد. فقالوا: لقد أحسنت وأجملت ووصلت الرحم، فمكث رسول الله ﷺ كذلك أياما يأتى ويذهب لا يعرض له أحد من قريش، وهابوا أبا لهب إذ جاء عقبة بن أبى معيط وأبو جهل إلى أبى لهب فقالا له: أخبرك ابن أخيك أين مدخل أبيك؟
فقال له أبو لهب: يا محمد أين مدخل عبد المطلب؟
قال: "مع قومه".
وقفة مع حديث وفاة أبي طالب
الحمد لله، والصلاة والسَّلام على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وبعد: فعن سعيد بن المسيب، عن أبيه رضي الله عنهما قال: "لما حضرتْ أبا طالب الوفاةُ، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبدالله بن أبي أُميَّة بن المُغِيرَة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عمِّ، قُلْ: لا إله إلا الله؛ كلمةً أشهدُ لكَ بها عند الله))؛ فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أُميَّة: "يا أبا طالب، أترغبُ عن مِلَّةِ عبدالمطَّلِب؟".
وفاة أبي طالب - بوابة السيرة النبوية
وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنَّ عبدالله بن أبي أُمَيَّة بن المُغِيرَة قد أسلم، وحَسُنَ إسلامه في آخِر حياته [2] ، أما أبو جهل الطاغية المعروف، فقد قُتِلَ يومَ بدرٍ على الكفر. وفاة أبي طالب - بوابة السيرة النبوية. وفي هذا الحديث فوائدُ كثيرةٌ، من ذلك: أولاً: أنه لا يجوز الاستغفار للمشركين، ولا الدعاء لهم بالمغفرة والرَّحمة، ودخول الجنة، والنجاة من النار. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "زار النبيُّ صلى الله عليه وسلم قبرَ أُمِّه، وأبكى مَنْ حَوْلَهُ"، فقال: ((استأذنتُ ربِّي في أن أستغفر لها، فلم يُؤذَن لي، واستأذنتُه في أن أزور قبرَها؛ فأذِن لي، فزوروا القبورَ؛ فإنها تُذكِّر الموتَ)) [3]. وقد نهى تعالى نبيَّه والمؤمنين عن الاستغفار لمَنْ مات مشركًا، ولو كان قريبًا أو حبيبًا، قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التوبة: 113]. كما بيَّن - سبحانه وتعالى - أنَّ الاسْتِغفار لهم لا ينفعهم، ولا يَقبله الله مِن صاحبه، قال تعالى: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 80].
قريش تؤذى النبى بعد موت عمه أبى طالب.. ما يقوله التراث الإسلامى - اليوم السابع
والله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله الله في
الصلاة فإنها عمود دينكم، والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم فإنه إن
ترك لم تناظروا، والله الله في شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار. والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، والله الله في
الزكاة فإنها تطفئ غضب الرب، والله الله في ذمة نبيكم لا تظلمن بين ظهرانيكم. قريش تؤذى النبى بعد موت عمه أبى طالب.. ما يقوله التراث الإسلامى - اليوم السابع. والله الله في أصحاب نبيكم فإن رسول الله أوصى
بهم، والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معاشكم، والله الله فيما ملكت
أيمانكم فإن آخر ما تكلم به رسول الله أن قال:
« أوصيكم بالضعيفين نسائكم وما ملكت أيمانكم ». الصلاة الصلاة لا تخافن في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغى
عليكم، وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله. ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولي الأمر شراركم ثم
تدعون فلا يستجاب لكم، وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع
والتفرق، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الآثم والعدوان واتقوا الله
إن الله شديد العقاب. حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ عليكم نبيكم، أستودعكم الله وأقرأ عليكم
السلام ورحمة الله. ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض، في شهر رمضان سنة أربعين.
فخرج إليهما فقال: قد سألته فقال: مع قومه. فقالا: يزعم أنه فى النار. فقال: يا محمد أيدخل عبد المطلب النار؟
فقال رسول الله ﷺ: "ومن مات على ما مات عليه عبد المطلب دخل النار"
فقال: أبو لهب، والله لا برحت لك إلا عدوا أبدا وأنت تزعم أن عبد المطلب فى النار، واشتد عند ذلك أبو لهب وسائر قريش عليه. قال ابن إسحاق: وكان النفر الذين يؤذون رسول الله ﷺ فى بيته: أبو لهب، والحكم بن أبى العاص بن أمية، وعقبة بن أبى معيط، وعدى بن الحمراء، وابن الأصداء الهذلى - وكانوا جيرانه - لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبى العاص. وكان أحدهم - فيما ذكر لى - يطرح عليه رحم الشاة وهو يصلي، وكان أحدهم يطرحها فى برمته إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول الله ﷺ حجرا يستتر به منهم إذا صلى، فكان إذا طرحوا شيئا من ذلك يحمله على عود، ثم يقف به على بابه، ثم يقول: «يا بنى عبد مناف أى جوار هذا؟» ثم يلقيه فى الطريق. قلت: وعندى أن غالب ما روى مما تقدم من طرحهم سلا الجزور بين كتفيه وهو يصلي. كما رواه ابن مسعود وفيه أن فاطمة جاءت فطرحته عنه وأقبلت عليهم فشتمتهم، ثم لما انصرف رسول الله ﷺ دعا على سبعة منهم كما تقدم. وكذلك ما أخبر به عبد الله بن عمرو بن العاص من خنقهم له عليه السلام خنقا شديدا حتى حال دونه أبو بكر الصديق قائلا: أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله؟
وكذلك عزم أبى جهل - لعنه الله - على أن يطأ على عنقه وهو يصلى فحيل بينه وبين ذلك، وما أشبه ذلك كان بعد وفاة أبى طالب، والله أعلم.
بعد موت أبى طالب وجد سيدنا محمد نفسه، فى موقف صعب، فقد كانت قريش تتحين هذه الفرصة كى تؤذى النبي، فما الذى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك؟
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ بن كثير تحت عنوان "فصل اجتراء قريش على رسول الله بعد وفاة عمه أبى طالب"
تقدم ذكر موت أبى طالب عم رسول الله ﷺ، وأنه كان ناصرا له وقائما فى صفه ومدافعا عنه بكل ما يقدر عليه من نفس ومال ومقال وفعال، فلما مات اجترأ سفهاء قريش على رسول الله ﷺ، ونالوا منه ما لم يكونوا يصلون إليه ولا يقدرون عليه. كما قد رواه البيهقي، عن الحاكم، عن الأصم: حدثنا محمد بن إسحاق الصنعاني، حدثنا يوسف بن بهلول، حدثنا عبد الله بن إدريس، حدثنا محمد بن إسحاق، عمن حدثه، عن عروة بن الزبير، عن عبد الله بن جعفر. قال: لما مات أبو طالب عرض لرسول الله ﷺ سفيه من سفهاء قريش، فألقى عليه ترابا، فرجع إلى بيته فأتت امرأة من بناته تمسح عن وجهه التراب وتبكي، فجعل يقول: "أى بنية لا تبكين فإن الله مانع أباك". ويقول ما بين ذلك: "ما نالت قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب ثم شرعوا". قد رواه زياد البكائي، عن محمد بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه مرسلا، والله أعلم. وروى البيهقى أيضا، عن الحاكم وغيره، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن رسول الله ﷺ قال: "ما زالت قريش كاعين حتى مات أبو طالب".