وسواء كان هذا أو هذا؛ فإن الكذب لا يجوز إلا في هذه الثلاث على رأي كثير من أهل العلم، وبعض العلماء يقول: الكذب لا يجوز مطلقًا؛ لا مزحًا، ولا جِدًّا، ولا إذا تضمن أكل مال أو لا. وأشد شيء من الكذب أن يكذب ويحلف ليأكل أموال الناس بالباطل؛ مثل أن يدَّعي عليه بحق ثابت، فينكر، ويقول: والله ما لك عليَّ حق، أو يدَّعي ما ليس له، فيقول: لي عندك كذا وكذا، وهو كاذب، فهذا إذا حلف على دعواه وكَذَب؛ فإن ذلك هو اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم، ثم تغمسه في النار والعياذ بالله. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ؛ لَقِيَ اللهُ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ»[3]؛ فالحاصل أن الكذب حرام، ولا يجوز للإنسان أن يكذب مطلقًا، لا هازلًا ولا جادًّا، إلا في المسائل الثلاث، على خلاف بين العلماء في معنى الحديث السابق.
- الكذب يهدي إلى الفجور – موسوعة الكحيل للاعجاز العلمي
الكذب يهدي إلى الفجور – موسوعة الكحيل للاعجاز العلمي
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إنَّ الصِّدقَ يَهْدِي إِلَى البرِّ، وَإِنَّ البر يَهدِي إِلَى الجَنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا». متفق عليه[1]. قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله للصدق، فقال: باب الصدق، وذكر آيات سبق الكلام عليها. أما الأحاديث؛ فقال: عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ... ». قوله: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ»؛ أي: الزموا الصدق؛ والصدق: مطابقة الخبر للواقع؛ يعني: أن تخبر بشيء فيكون الخبر مطابقًا للواقع؛ مثال ذلك: إذا قلت لمن سألك: أيُّ يوم هذا؟ فقلت: اليوم يوم الأربعاء؛ وهو يوم الأربعاء فعلًا؛ فهذا صدق، ولو قلت: يوم الثلاثاء لكان كذبًا، فالصدق مطابقة الخبر للواقع، وقد سبق في حديث كعب بن مالك رضي الله عنه وصاحبيه ما يدل على فضيلة الصدق وحسن عاقبته، وأن الصادق هو الذي له العاقبة، والكاذب هو الذي يكون عمله هباء؛ ولهذا يُذكر أن بعض العامة قال: إن الكذب ينجي، فقال له أخوه: الصدق أنجى وأنجى، وهذا صحيح.
واعلم أن الخبر يكون باللسان ويكون بالأركان. أما باللسان فهو القول، وأما بالأركان فهو الفعل، ولكن كيف يكون الكذب بالفعل؟! إذا فعل الإنسان خلاف ما يبطن فهذا قد كذب بفعله؛ فالمنافق مثلًا كاذب؛ لأنه يظهر للناس أنه مؤمن، يصلي مع الناس ويصوم مع الناس، ويتصدق، ولكنه بخيل، وربما يحج، فمن رأى أفعاله حكم عليه بالصلاح، ولكن هذه الأفعال لا تنبئ عما في الباطن، فهي كذب. ولهذا نقول: الصدق يكون باللسان، ومتى طابقت أعمال الجوارح ما في القلب فهي صِدْق بالأفعال. ثم بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام عندما أمر بالصدق عاقبتَه، فقال: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ». «الْبِرُّ»؛ كثرة الخير؛ ومنه من أسماء الله: «البَرُّ»؛ أي: كثير الخير والإحسان عز وجل. فالبر يعني كثرة الخير، وهو من نتائج الصدق. وقوله: «يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ»؛ فصاحب البر - نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم - يهديه ربه إلى الجنة، والجنة غاية كل مطلب؛ ولهذا يؤمر الإنسان أن يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار؛ ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185].