وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ بِالْقَارِعَةِ السَّرَايَا الَّتِي كَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُهُمْ إِلَيْهِمْ، أَوْ تَحُلُّ، يعني: السرية أو القارعة، قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ. وَقِيلَ: ﴿ أَوْ تَحُلُّ ﴾ أَيْ تَنْزِلُ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ بِنَفْسِكَ ﴿ قَرِيبًا مِنْ دِيَارِهِمْ ﴾، ﴿ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ ﴾، قِيلَ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. إسلام ويب - تفسير أبي السعود - تفسير سورة الرعد - تفسير قوله تعالى ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض- الجزء رقم5. وَقِيلَ: الْفَتْحُ وَالنَّصْرُ وَظُهُورُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِينِهِ. ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعادَ ﴾. تفسير القرآن الكريم
- لو ان قرانا سيرت به الجبال المنفردة
- لو ان قرانا سيرت به الجبال التي تتكون
- لو ان قرانا سيرت به الجبال البركانية
- لو ان قرانا سيرت به الجبال والوديان والصحاري والانهار
- الدرر السنية
- " سادسًا : ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ " - الكلم الطيب
لو ان قرانا سيرت به الجبال المنفردة
( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد). قوله تعالى: ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد). اعلم أنه روي أن أهل مكة قعدوا في فناء مكة ، فأتاهم الرسول صلى الله عليه وسلم وعرض الإسلام عليهم ، فقال له عبد الله بن أمية المخزومي: سير لنا جبال مكة حتى ينفسح المكان علينا واجعل لنا فيها أنهارا نزرع فيها ، أو أحي لنا بعض أمواتنا لنسألهم أحق ما تقول أو باطل ، فقد كان عيسى يحيي الموتى ، أو سخر لنا الريح حتى نركبها ونسير في البلاد فقد كانت الريح مسخرة لسليمان ، فلست بأهون على ربك من سليمان ، فنزل قوله: ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) أي من أماكنها ( أو قطعت به الأرض) أي شققت فجعلت أنهارا وعيونا ( أو كلم به الموتى) لكان هو هذا القرآن الذي أنزلناه عليك.
لو ان قرانا سيرت به الجبال التي تتكون
يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد لما يدعو إليه من الحكم البالغة، وهو إضراب عما تضمنه الشرطية من معنى النفي، لا بحسب منطوقه، بل باعتبار موجبه ومؤداه، أي: لو أن قرآنا فعل به ما ذكر لكان ذلك هذا القرآن، ولكن لم يفعل، بل فعل ما عليه الشأن الآن، لأن الأمر كله له وحده ، فالإضراب ليس بمتوجه إلى كون الأمر لله سبحانه، بل إلى ما يؤدي إليه ذلك، من كون الشأن على ما كان لما تقتضيه الحكمة من بناء التكليف على الاختبار. القرآن الكريم - تفسير البغوي - تفسير سورة الرعد - الآية 31. أفلم ييأس الذين آمنوا أي: أفلم يعلموا على لغة هوازن، أو قوم من النخع، أو على استعمال اليأس في معنى العلم، لتضمنه له ، ويؤيده قراءة علي ، وابن عباس ، وجماعة من الصحابة، والتابعين رضي الله عنهم. أفلم يتبين بطريق التفسير ، والفاء للعطف على مقدر، أي: أغفلوا عن كون الأمر جميعا لله تعالى فلم يعلموا أن لو يشاء الله على حذف ضمير الشأن، وتخفيف أن لهدى الناس جميعا بإظهار أمثال تلك الآثار العظيمة، فالإنكار متوجه إلى المعطوفين جميعا، أو اعلموا كون الأمر جميعا لله فلم يعلموا ما يوجبه ذلك العلم، مما ذكر فهو متوجه إلى ترتب المعطوف على المعطوف عليه. أي: تخلف العلم الثاني عن العلم الأول. وعلى التقديرين: فالإنكار إنكار الوقوع كما في قوله تعالى: " ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا " لا إنكار الواقع كما في قولك: ألم تخف الله حتى عصيته، ثم إن مناط الإنكار ليس عدم علمهم بمضمون الشرطية فقط، بل مع عدم علمهم بعدم تحقق مقدمها، كأنه قيل: ألم يعلموا أن الله تعالى لو شاء هدايتهم لهداهم، وأنه لم يشأها، وذلك لأنهم كانوا يودون أن يظهر ما اقترحوا من الآيات ليجتمعوا على الإيمان.
لو ان قرانا سيرت به الجبال البركانية
لو أن قرءانا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى: هل من الممكن تكليم الموتى بالقرءان؟ أو تسيير الجبال؟ هذا ظن الذين يفترون على الله الكذب.
لو ان قرانا سيرت به الجبال والوديان والصحاري والانهار
أو لقهرهم على الهدى بأمر قدري منه.. ولكن لم يرد هذا ولا ذاك. لأنه خلق هذا الإنسان لمهمة خاصة يعلم سبحانه أنها تقتضي خلفته على هذا النحو الذي كان. فليدعوهم إذن لأمر الله. وإذا كان الله قد قدر ألا يهلكهم هلاك استئصال في جيل كبعض الأقوام قبلهم ، فإن قارعة من عنده بعد قارعة تنزل بهم فتصيبهم بالضر والكرب ، وتهلك من كتب عليه منهم الهلاك. ( أو تحل قريبا من دارهم).. فتروعهم وتدعهم في قلق وانتظار لمثلها ؛ وقد تلين بعض القلوب وتحركها وتحييها. ( حتى يأتي وعد الله).. الذي أعطاهم إياه ، وأمهلهم إلى انتهاء أجله: ( إن الله لا يخلف الميعاد).. لو ان قرانا سيرت به الجبال والوديان والصحاري والانهار. فهو آت لا ريب فيه ، فملاقون فيه ما وعدوه.
وقال آخرون: جواب لو مقدم. وتقدير الكلام: وهم يكفرون بالرحمن " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال " كأنه قال: لو سيرت به الجبال " أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى " لكفروا بالرحمن ولم يؤمنوا ، لما سبق من علمنا فيهم ، كما قال: ( ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا) ( الأنعام - 111) ثم قال: ( بل لله الأمر جميعا) أي: في هذه الأشياء إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل. ( أفلم ييئس الذين آمنوا) قال أكثر المفسرين: معناه أفلم يعلم. لو ان قرانا سيرت به الجبال البركانية. قال الكلبي: هي لغة النخع. وقيل: لغة هوازن ، يدل عليه قراءة ابن عباس: " أفلم يتبين الذين آمنوا ". وأنكر الفراء أن يكون ذلك بمعنى العلم ، وزعم أنه لم يسمع أحدا من العرب يقول: يئست ، بمعنى: علمت ، ولكن معنى العلم فيه مضمر. وذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا هذا من المشركين طمعوا في أن يفعل الله ما سألوا فيؤمنوا فنزل: ( أفلم ييئس الذين آمنوا) يعني: الصحابة رضي الله عنهم أجمعين من إيمان هؤلاء ، أي لم ييئسوا علما ، وكل من علم شيئا يئس من خلافه ، يقول: ألم ييئسهم العلم: ( أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا). ( ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا) من كفرهم وأعمالهم الخبيثة ( قارعة) أي: نازلة وداهية تقرعهم من أنواع البلاء ، أحيانا بالجدب ، وأحيانا بالسلب ، وأحيانا بالقتل والأسر.
فهذا المرور السريع الغرض منه: الإشارة إلى هذه المعاني والتركيز عليها لتعظم الاستفادة منها لنوفي جزءًا ولو ضئيلًا مِن حق نبينا -صلى الله عليه وسلم- علينا، وكذا نشرًا لهذا النور وهذه الرحمة التي جاء بها نبينا -صلى الله عليه وسلم-. فاللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين.
الدرر السنية
وقد عصم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من كفار قريش عندما أرادوا قتله في مكة
، وعصمه ربه من القتل في المدينة فيما حضره من غزوات ، بل وحتى محاولة اليهود قتله
بالسم: فإن الله تعالى قد عصمه منها ، فأخبرته الشاة أنها مسمومة ، ومات الصحابي
الذي كان معه ، وأكل منها – وهو بِشْر بْن الْبَرَاء بْن مَعْرُور - ولم يمت صلى
الله عليه وسلم ، ولا يخالف هذا وجوده أثر ذلك السم ، واعتقاده أنه سيموت بسببه ،
وما قاله صلى الله عليه وسلم ليس فيه أن السم هو سبب موته ، بل فيه أنه يشعر به ،
وأنه قد يكون هذا هو الموافق لانتهاء أجله. الدرر السنية. وبكل حال: فإن العصمة من القتل هي فيما كان قبل تبليغ رسالة ربه ، ولم يمت صلى
الله عليه وسلم إلا وقد أبلغها على أكمل وجه ، وسياق الآية يدل على ذلك ، حيث أمره
ربه تعالى بتبليغ الرسالة ، وأخبره أنه يعصمه من الناس. ومما يدل على ذلك أيضاً: قوله صلى الله عليه وسلم لليهودية ( مَا كَانَ اللَّهُ
لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ) بعد أن أخبرته أنها أرادت قتله ، وهو نص إما في عصمته
من القتل بالسم حتى فارق الدنيا ، أو هو نص في ذلك قبل تبليغ الرسالة. وخلاصة الكلام: أنه إما أن يُقال بأن النبي صلى الله عليه سلم عُصم من القتل بالسم
– كما سيأتي في كلام ابن كثير والنووي وغيرهما - ، وقد أوحى الله بوجود السم فيها
، وهذا من عصمته له ، أو يقال: إن العصمة هي في أثناء التبليغ لرسالة الإسلام ،
ولا ينافي ذلك وقوع القتل بعد التبليغ لها – كما سيأتي في كلام القرطبي وابن حجر
والعثيمين - ، وأن الله تعالى جمع بذلك القتل لنبينا صلى الله عليه وسلم بين النبوة
والشهادة ، وجعل ذلك تذكيراً لنا على الدوام بعداوة اليهود لنا ولديننا.
" سادسًا : ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ " - الكلم الطيب
الله أعلم.
يقول ابن كثير -رحمه الله-: " أي بلغ رسالتي، وأنا حافظك وناصرك ومؤيدك على أعدائك ومظفرك بهم "[تفسير ابن كثير 3/151]. في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال أبو جهل: " هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ " قيل: نعم، قال: " واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته " فما فجاءهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه فقيل له: مالك؟ قال: "ٍ إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة " فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لو دنا مني، لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ". وأنزل الله -تعالى-: ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق: 9- 19][رواه مسلم برقم (2797)].