وما عزَّ عليك بقانون الأرض، فاطلبه بقانون السماء، وما دام المؤمن قد أخذ بالأسباب وتوكَّل على الله؛ فليثق أن الله يمِدُّه بما هو فوق الأسباب. { إنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون} [يوسف: 87]. إنه خبر الوحي على لسان النبي المعصوم؛ فإياكم أن تحتار عقولكم فيه؛ وترتاب قلوبكم حوله، فالعقول لها سقف معلوم لا تتجاوزه، وقد لا تعقل ما وراءه، وأما صنائع الله ففوق مُدْركات العقول، فإياكم أن تستغربوها بعقولكم فتجزعوا، وأن تُكذِّبوها بقلوبكم فتيأسوا. من آثار اليأس! ترك العمل وانقطاع السير وتوقف السعي والاستسلام للفشل، ورفع الراية البيضاء، وفتح بوابة الفشل والخذلان إذ لا فائدة من المواصلة بزعمه. قال ابن حجر الهيتمي: "القانط آيِسٌ من نفع الأعمال، ومن لازم ذلك تركها"[4]. تُخرج القلب عن سكينته وأنسه إلى انزعاج وقلق وهمٍّ يفتِّت الأكباد ويورث السُّهاد، ويقلب الشاب كهلا كبيرا. انه لا ييأس من روح الله. ومن آثار اليأس أنه يعدي! فانتشاره في من حولك انتشار النار في الهشيم, وخاصة لو كنت قائدا أو رمزا يركن الناس إليه عند الملمات، ولذا فطن فقهاؤنا إلى ضرورة انتقاء القادة الأفذاذ لجنود الجيش، ممن لا يعرف اليأس إلى قلوبهم سبيلا، وأوردوا ذلك في كتب الفقه ودوَّنوه، وأوصوا به حرصا على سلامة الجيش وطلبا لانتصاره.
لا ييأس من روح الله تفسير
اقرأ أيضاً أنواع الأموال الربوية أنواع الربا
تفسير آية: (ولا تيأسوا من رَوْحِ الله)
لما رجع أبناء يعقوب -عليه السلام- إلى أبيهم وقد تركوا أخاهم يوسف وراءهم، وعادوا ليقولوا لأبيهم بأنّ ابنه يوسف سارق، لكنّه يعلم أن ابنه ليس بسارق، فبقي على عهده مع الله بأن يصبر الصبر الجميل؛ ذلك الصبر الذي لا شكوى فيه لأحد إلا لله: ( قالَ إِنَّما أَشكو بَثّي وَحُزني إِلَى اللَّـهِ وَأَعلَمُ مِنَ اللَّـهِ ما لا تَعلَمونَ). [١] وطلب منهم أن يعودوا ليبحثوا عن يوسف وأخيه وأن يحسنوا الظن بالله، قال -تعالى-: ( يا بَنِيَّ اذهَبوا فَتَحَسَّسوا مِن يوسُفَ وَأَخيهِ وَلا تَيأَسوا مِن رَوحِ اللَّـهِ إِنَّهُ لا يَيأَسُ مِن رَوحِ اللَّـهِ إِلَّا القَو مُ الكافِرونَ) ، [٢] وما قصده يعقوب -عليه السلام- بقوله لأولاده: (لا تَيأَسوا مِن رَوحِ اللَّـهِ) ، توضيحه فيما يأتي من التفاسير:
رَوحِ اللَّـهِ: أي رحمته وفرجه وتنفيسه. [٣]
يقول الطبري: (لا تَيأَسوا مِن رَوحِ اللَّـهِ) ؛ أي لا تقنطوا من أن يروِّح الله عنّا ما نحن فيه من الحزن على يوسف وأخيه بفرَجٍ من عنده، ولا تقنطوا فلعلّ الله يريني إياهما بعد كل هذه المدة. {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} كيف يكون اليأس من روح الله تعالى؟. [٤]
يقول القرطبي: في الشدة يرجو المؤمن فرج الله، ويقنط الكافر من ذلك.
انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون
قال مجاهد -رحمه الله- في قوله -تعالى-: (كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ)، [٥] فقال: "كما يئس أهل الكفر وهم في قبورهم من روح ورحمة الله -جل وعلا-؛ لأن إيمانهم جاء في وقت لا ينفعهم بشيء ولا يشفع لهم". تأملات في معاني (الروح)
فيما يأتي ذكر لبعض التأملات المتعلقة بمعنى الآية الكريمة:
جاء في لسان العرب أن الروح تأتي في معنى الرحمة، والراحة والدعة ونسيم الريح، والروح بمعنى الرحمة هي من صفات الله -جل في علاه-. يقول ابن جرير -رحمه الله-: لا يقنط من روح الله -جل وعلا- ولا يقطع رجاءه ويستبعد فرجه إلا القوم الكافرين. لا ييأس من روح الله تفسير. يقول البغوي: "تعني عبارة (من روح الله)؛ أي: من رحمة الله -جل وعلا-، وربما تأتي بمعنى فرج الله -سبحانه وتعالى-". يقول السعدي في تفسير الآية (وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ) [١]: "فإن الرجاء يجعل الفرد مجتهداً في السعي، في طلب رجاء ربه -جل وعلا-، والقنوط واليأس يجعل منه كثير الخمول والكسل، فإن الكافرين لعدم إيمانهم بالله -جل وعلا- لا يرجون رحمته بل يستبعدونها، فينبغي على المؤمن عدم التشبه بالكفر وأهله، ثم إن الرجاء والأمل بالله -تعالى- يكون على قدر إيمانه". ورود لفظ (الروح) في السنة النبوية
لقد وردت كلمة (الروح) في أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن ذلك:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: (الريحُ مِن روحِ اللهِ)، [٦] حيث بين أن الريح من روح الله -جل وعلا-، وقال ابن الأثير والإمام النووي، وغيرهما من الأئمة والعلماء -رحمهم الله- في معنى (الروح من الله) -جل وعلا- أي: أن الله -جل وعلا- رحيم بعباده.
انه لا ييأس من روح الله
تفسير القرآن الكريم
لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول هذا القول وأستغفر الله. إن لم تمت عالماً فمت طالباً.............. ولا تكن الثالث فتهلك.........
اليأس ليس فيه تأدب مع الحق -جل وجلا-. اليأس طريق إلى الانزلاق في مهاوي الكفر والضلال. لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون. اليأس سبب في استجلاب الخمول والكسل، والقعود عن القيام بالطاعات. حكم اليأس من روح الله -تعالى-
ومن فوائد قوله -تعالى-: (وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ)، [١] التي وقف عندها الإمام ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-؛ وهي اعتباره اليأس والقنوط من رحمة الرحمن -جل في علاه- من كبائر الذنوب وأعظمها؛ مستشهداً بالآية المذكورة سابقاً، وبعد أن ساق جملة من الأحاديث النبوية الصحيحة المبشرة بسعة رحمته -جل في علاه- قال: "عد هذا كبيرة هو ما أطبقوا عليه، وهو ظاهر؛ لما فيه من الوعيد الشديد". [٣]
أقوال العلماء والمفسرين في ذم (اليأس)
هناك جملة من أقوال السلف والخلف من أهل العلم في ذم اليأس من روح الله -تعالى-، والتحذير منه، نذكر منها: [٣]
رويَ عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "اليأس من أكبر كبائر الذنوب، وتشترك في الإثم مع كبائر أخرى؛ مثل الشرك بالله -تعالى-، والأمن من مكره -سبحانه-". ما روي عن عروة أنه سأل أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، زوجة النبي -صلى الله عليه وسلم-: ماذا يعني قول الله -جل في علاه-: (حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا)، [٤] فبينت -رضي الله عنها- فقالت: "بل كذبهم قومهم".
حدثنا سوار بن عبد الله قال: ثنا المعتمر قال: سمعت حميدا يحدث ، عن أنس بن مالك ، أن أنس بن النضر: غاب عن قتال بدر ، ثم ذكر نحوه. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الأحزاب - الآية 23. حدثنا أبو كريب قال: ثنا يونس بن بكير قال: ثنا طلحة بن يحيى ، عن موسى وعيسى بن طلحة عن طلحة أن أعرابيا أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال: وكانوا لا يجرءون على مسألته ، فقالوا للأعرابي: سله ( من قضى نحبه) من هو ؟ فسأله ، فأعرض عنه ، ثم سأله ، فأعرض عنه ، ثم دخلت من باب المسجد وعلي ثياب خضر ؛ فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أين السائل عمن قضى نحبه ؟ " قال الأعرابي: أنا يا رسول الله قال: " هذا ممن قضى نحبه ". حدثنا أبو كريب قال: ثنا عبد الحميد الحماني ، عن إسحاق بن يحيى الطلحي ، عن موسى بن طلحة قال: قام معاوية بن أبي سفيان ، فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " طلحة ممن قضى نحبه ". حدثني محمد بن عمرو بن تمام الكلبي قال: ثنا سليمان بن أيوب قال: ثني أبي ، عن إسحاق ، عن يحيى بن طلحة ، عن عمه موسى بن طلحة ، عن أبيه طلحة قال: لما قدمنا من أحد وصرنا بالمدينة ، صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - المنبر ، فخطب الناس [ ص: 241] وعزاهم ، وأخبرهم بما لهم فيه من الأجر ، ثم قرأ: ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) الآية ، قال: فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله ، من هؤلاء ؟ فالتفت وعلي ثوبان أخضران ، فقال: " أيها السائل هذا منهم ".
إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة الأحزاب - القول في تأويل قوله تعالى " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه "- الجزء رقم20
وقوله: ( وما بدلوا تبديلا): وما غيروا العهد الذي عاقدوا ربهم تغييرا ، كما غيره المعوقون القائلون لإخوانهم: هلم إلينا ، والقائلون: إن بيوتنا عورة. حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ( وما بدلوا تبديلا) يقول: ما شكوا وما ترددوا في دينهم ، ولا استبدلوا به غيره. حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد ، في قوله: ( وما بدلوا تبديلا): لم يغيروا دينهم كما غير المنافقون. وقوله: ( ليجزي الله الصادقين بصدقهم) يقول - تعالى ذكره - ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ليجزي الله الصادقين بصدقهم): يقول: ليثيب الله أهل الصدق بصدقهم الله بما عاهدوه عليه ، ووفائهم له به ( ويعذب المنافقين إن شاء) بكفرهم بالله ونفاقهم ( أو يتوب عليهم) من نفاقهم ، فيهديهم للإيمان. إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة الأحزاب - القول في تأويل قوله تعالى " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه "- الجزء رقم20. حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ( ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم) يقول: إن شاء أخرجهم من النفاق إلى الإيمان. إن قال قائل: ما وجه الشرط في قوله: ( ويعذب المنافقين) بقوله: ( إن شاء) والمنافق كافر وهل يجوز أن لا يشاء تعذيب المنافق ، فيقال: ويعذبه إن شاء ؟ قيل: إن معنى ذلك على غير الوجه الذي توهمته.
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الأحزاب - الآية 23
ونحن إذ نستذكر صور الثبات والصمود، وتمر بأذهاننا أطيافُ أولئك النفر الذين صدقوا فبذلوا النفسَ ولم يبدّلوا ولم يتردّدوا أو يتشككوا... إذْ نستذكر هؤلاء فإننا اليوم نستذكرُ أبطالنا المرابطين في غوطة دمشق فسطاط المسلمين، ذلك الثباتُ من ثلةٍ من المجاهدين تقف في وجهِ دولٍ وامبراطوريات، تقاوم أعتى وأحدثَ الأسلحةِ على وجه الأرض، ثباتٌ في هذا العصر عزّ نظيرُه، بل ولا في عصورٍ قريبةٍ منه تجدُ مثلَه، إنّ مثلَ هذا الثبات الأسطوري، الذي يذكّرنا بالخندق وأُحُدٍ وبدر... ومن المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. هذا الثبات بحدّ ذاتِه بشرى بالنصر، فإنه ليس بعدَ مثلِ هذا الثبات سوى النصر بإذن الله. فثِقوا بالله أيها المرابطون المجاهدون اليوم في غوطة دمشق، فإنّ ثباتَكم هذا الذي زلزل العالمَ وأدهشه، وقوّض مضاجعَ قوى الشر العالمية؛ ثباتُكم هذا هو من الله، وما أعانكم الله عليه إلا لعقبى من النصر والظفر يريدها لكم، فاستعينوا بالله، وماالصبر إلا من الله { واصبرْ وما صبرُك إلا بالله ولا تحزنْ عليهم ولا تكُ في ضَيقٍ مما يمكُرون} [النحل:127].
فالله سبحانه وتعالى يصف هؤلاء الرجال المخلصين مع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) عاهدوا الله على ماذا؟ عاهدوا الله على الثبات وعاهدوا الله على الصبر وعاهدوا الله على حماية النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه وفعلاً وفوا بذلك. هذه الآية نزلت في أنس بن النضر وهو عمّ أنس بن مالك من عمومته فيقول أن عمه أنس بن النضر فاتته معركة بدر لأنها لم يكن مخططاً لها أن تكون معركة ولكنها في بدايتها كانت خروجاً لاعتراض قافلة قريش أشبه ما يكون بحرب اقتصادية كان يريدون أن يستولوا على القافلة ويضرون بقريش باعتبار أنها محارِبة لكن الذي حصل أن نجت القافلة وقريش جاءت فوجدت أن القافلة نجت فقالوا ما دام أننا جئنا لن نرجع حتى نحارب محمداً ومن معه. وكان عددهم ألف والذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثمئة وأربعة عشر، عدد قليل والمشكل في الموضوع أن عدداً من الصحابة لو كانوا يعلمون أن هناك حرباً ما تخلفوا في المدينة وكان منهم أنس بن النضر. فلما فاتته ندم وقال لو كتب الله معركة أخرى ليرينّ الله ما أصنع ولم يقل غير ذلك. فلما جاءت معركة أُحد وفى بوعده. ولما جاءت معركة أحد وجاء المشركون ووقع من الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا على جبل الرماة مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فالتفّ خالد بن الوليد بمن كان معه من جيش المشركين وقتلوا من المسلمين فكان ممن قُتِل وثبت أنس بن النضر وحمزة بن عبد المطلب وسعد بن معاذ أيضاً أصيب في تلك المعركة إصابة قتلته بعد ذلك.