تمعنت في هذه الآية الكريمة, وأخذت أربطها مع ما قبلها وما بعدها. هذه الآية, جاءت لتخاطب الإنسان الذي خلقه خالق الكون, ويعلم سبحانه ما خلق, ويعلم أن هذا المخلوق في غمرة الصراع من أجل البقاء, كثيراً ما ينسى شكر الله على نعمه, وينسى شكر والديه والإحسان إليهما على ما قدموا له من الغالي والرخيص, ليكون على ما هو عليه. لهذا جاءت بداية الآية لتذكيره, وتوصيته بوالديه والإحسان إليهما. وخصت الآية الكريمة الأم بالتحديد, والسؤال المهم في هذا السياق:
لماذا لم يذكر القرآن الكريم, مجاهدة الوالد (الأب) في سبيل تربية الأولاد, بل أقتصر الحديث على ما قاسته الوالدة(الأم) في حملها ووضعها, ورضاعتها له؟
والسبب في ذلك أن الإنسان وهو في طفولته وإلى أن يبلغ الأربعين, يشاهد بأم عينه ما يقاسيه الأب في سبيل تأمين حياته وحياة أولاده, أي أن الإنسان يشهد على ذلك, لكنه لا يستطيع أن يشهد أو يتذكر ما قاسته الأم في حملها وولادتها وإرضاعها له, لهذا جاءت الآية, لتذكره دائماً بذلك. نعود إلى موضوعنا الأساس. الآية تقول.. ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده - YouTube. حتى إذا بلغ أشده, وبلغ أربعين سنة. وكأني في هذه السن, هي السن الفاصل للإنسان الذي أخذته مفاتن الحياة, ونسي في غمارها شكر الله على نعمه, ونسي الإحسان إلى الوالدين كما أراد الله.
إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ..
فلما بلغ أربعين سنة قال:" رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي" الآية. وقال الشعبي، وابن زيد: الأشد الحلم. وقال الحسن: هو بلوغ الأربعين. وعنه قيام الحجة عليه. وقد مضى في" الأنعام" الكلام في الآية. وقال السدي والضحاك: نزلت في سعد بن أبي وقاص. وقد تقدم». وقال الحسن: هي مرسلة نزلت على العموم. انتهى. وفى تفسير ابن كثير: وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله - عز وجل - ويعزم عليها. حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة. انتهى. والله أعلم.
حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة
[ ص: 32] ومن جملة نعمه على والديه أن سخر لهما هذا الولد ليحسن إليهما ، فهاتان النعمتان أول ما يتبادر عن عموم نعمة الله عليه وعلى والديه لأن المقام للحديث عنهما. وهذا إشارة إلى أن الفعل المؤقت ببلوغ الأشد وهو فعل قال رب أوزعني من جملة ما وصي به الإنسان ، أي أن يحسن إلى والديه في وقت بلوغه الأشد. فالمعنى: ووصينا الإنسان حسنا بوالديه حتى في زمن بلوغه الأشد ، أي أن لا يفتر عن الإحسان إليهما بكل وجه حتى بالدعاء لهما. إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ... وإنما خص زمان بلوغه الأشد لأنه زمن يكثر فيه التكلف بالسعي للرزق إذ يكون له فيه زوجة وأبناء وتكثر تكاليف المرأة فيكون لها فيه زوج وبيت وأبناء فيكونان مظنة أن تشغلهما التكاليف عن تعهد والديهما والإحسان إليهما فنبها بأن لا يفترا عن الإحسان إلى الوالدين. ومعنى قال رب أوزعني أنه دعا ربه بذلك ، ومعناه: أنه مأمور بالدعاء إليهما بأنه لا يشغله الدعاء لنفسه عن الدعاء لهما وبأنه يحسن إليهما بظهر الغيب منهما حين مناجاته ربه ، فلا جرم أن إحسانه إليهما في المواجهة حاصل بفحوى الخطاب كما في طريقة الفحوى في النهي عن أذاهما بقوله - تعالى - فلا تقل لهما أف. وحاصل المعنى: أن الله أمر بالإحسان إلى الوالدين في المشاهدة والغيبة وبجميع وسائل الإحسان الذي غايته حصول النفع لهما ، وهو معنى قوله - تعالى - وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا وأن الله لما أمر بالدعاء للأبوين وعد بإجابته على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - لقوله: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ، وعلم بثه في صدور الرجال ، وولد صالح يدعو له بخير.
دعاء بلوغ سن الاربعين هام جدا !
وسن الأربعين على ما يبدوا هي بداية سن النضج الكامل, هي السن الذي يكتمل معها الرشد, هي السن التي يبلغ عندها الوالدين بداية الشيخوخة والضعف, وهي السن التي يجب على الإنسان الذي نسي الله, أن يعود إليه إذا استخدم عقله الراشد... تائباً, شاكراً, عاملاً للصالحات التي يرضاها الله,
لهذا وفي حال عودة هذا الإنسان إلى الله فأنه يخاطبه راجياً أن يصلح له في ذريته حتى لا تسير على منهج الضلال الذي سار عليه نادماً, معلناً توبته, ومعلناً إسلامه. الآية الكريمة لم تقف معانيها عند هذا الحد, وهذه عظمة القرآن الكريم, هذه العظمة التي ارتبطت برحمة الله, الرحمة الواسعة التي تسع كل شيء. لهذا انتقل بنا الحق في منهجه في الآية التالية إلى أن الإنسان الذي بلغ الأربعين, وعاد إلى الله, عاد مسلماً في العقيدة أي موحداُ, رابطاً عودته وتوحيده بالعمل الصالح... له ثوابه عند الله. وها هي النتيجة
" أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون
"
صدق الله العظيم. وقد يخطر على بالنا سؤالاً هاماً في هذا المقام. وماذا لو أن هذا الإنسان الذي بلغ الأربعين وبقي على ضلاله حتى سن متأخرة من العمر, وبعد ذلك عاد إلى الله, وإلى منهج الحق, هل سيقبل منه الخالق توبته وعودته, وهل سيبدل سيئاته حسنات, أم أن سن الأربعين هي الفاصل للتوبة والمغفرة.
ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده - Youtube
وهذه ترقيات بديعة في درجات القرب. ومعنى ظرفية في ذريتي أن ذريته نزلت منزلة الظرف يستقر فيه ما هو به الإصلاح ويحتوي عليه ، وهو يفيد تمكن الإصلاح من الذرية وتغلغله فيهم. ونظيره في الظرفية قوله - تعالى - وجعلها كلمة باقية في عقبه. وجملة: إني تبت إليك كالتعليل للمطلوب بالدعاء تعليل توسل بصلة الإيمان والإقرار بالنعمة والعبودية. وحرف ( إن) للاهتمام بالخبر كما هو ظاهر ، وبذلك يستعمل حرف ( إن) في مقام التعليل ويغني غناء الفاء. والمراد بالتوبة: الإيمان لأنه توبة من الشرك ، وبكونه من المسلمين أنه تبع شرائع الإسلام وهي الأعمال. وقال من المسلمين دون أن يقول: وأسلمت كما قال تبت إليك لما يؤذن به اسم الفاعل من التلبس بمعنى الفعل في الحال وهو التجدد لأن الأعمال متجددة متكررة ، وأما الإيمان فإنما يحصل دفعة فيستقر لأنه اعتقاد ، وفيه الرعي على الفاصلة. هذا وجه تفسير الآية بما تعطيه تراكيبها ونظمها دون تكلف ولا تحمل ، وهي عامة لكل مسلم أهل لوصاية الله - تعالى - بوالديه والدعاء لهما إن كانا مؤمنين.
تاريخ النشر: الأربعاء 27 شعبان 1435 هـ - 25-6-2014 م
التقييم:
رقم الفتوى: 259036
22764
0
273
السؤال
هل خص الله تعالى بقوله في سورة الأحقاف: وبلغ أربعين سنة. الرجال فقط دون النساء؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلعل السائلة تقصد قوله تعالى في سورة الأحقاف: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) الأحقاف. واختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية, فقيل نزلت في أبي بكر الصديق- رضي الله عنه-, وقيل نزلت في سعد بن أبي وقاص. وعلى كل، فهي عامة تشمل الرجال والنساء لاشتمالها على الأمر بالإحسان إلى الوالدين, والتأكيد على برهما, وهذا لا يختص بالرجال فقط, إضافة إلى أن عبارة " الإنسان " عبارة عامة تشمل جميع الناس ذكورا وإناثا.
وعودة للقول المغلوط (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) فإننا لا نعتقد أبدا بصحته كقول لأي كان تتم نسبته، لما له من طعن بالقرآن الكريم واضح و بين بينونة كبرى، و عليه فإننا نعتقد إن كان قد قاله احد من الرواة الموثوقين فهو محرّف عن لسانه كما حُرّف القول المشهور (كذب المنجمون و لو صدقوا) وهو ما كان كذلك وإنما كان (كذب المنجمون وما صدقوا) وبين ال"ما" و ال"لو" بون شاسع. إن القول إن صح، و ليتفق مع القرآن الكريم وهدي الإسلام العظيم ومنطوق اللغة العربية هو (ان الله لا يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) بإضافة النفي قبل كلمة يزع الأولى الخاصة بالسلطان ليختلف المعنى كليا ويتسق، فيكون نفي النفي إثبات، أو (ان الله يزع بالقرآن ما لا يزع بالسلطان)، اللهم أهدنا ويسر أمرنا ووفقنا لمرضاتك.
معنى حديث: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) - محمد بن صالح العثيمين - طريق الإسلام
احداث القويسمة "أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"
حفنة من الجهال أدخلوا الحزن الى نفوسنا، لم يجدوا من يقرأ عليهم لا القرآن الكريم ولا الحديث النبوي الشريف ولا مآثر الصحابة والتابعين المخلصين ولا التاريخ العربي الاسلامي الذي بيّن مواطن الضعف ومواطن القوة في الامة ولا حتى تاريخنا الحديث منذ ثورة البراق الى معارك الشيخ جراح وباب الواد والكرامة والهضبة السورية، ولم يجدوا من يقرأ عليهم سيرة شهداء الاردن وفلسطين والامة العربية الماجدة. حفنة من الغوغاء لو سألتهم عن الشهيد البطل كايد مفلح العبيدات لقالوا لك انه حارس مرمى فريق كفر سوم لكرة القدم، ولو سألتهم عن شهدائنا الافذاذ الابطال - شهداء الثلاثاء الحمراء - 1930- عطا الزيز ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي، لقالوا لك انهم حكام كرة قدم، ولو سألتهم عن الشهيد منصور كريشان لقالوا لك انه نائب سابق في البرلمان الاسبق ولو سالتهم عن الشهداء الابرار ابو علي مصطفى واحمد ياسين وعبد الرحيم محمود، لقالوا لك انهم من المنشقين عن حركة فتح، ولو سألتهم عن الشهداء الأبطال فراس العجلوني وموفق السلطي وخليل عيسى الشهوان، لقالوا لك انهم من جماعة الاخوان المسلمين الذين خاضوا الانتخابات النيابية الاخيرة.
«إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» ـ من محاضرات الحديث ـ المستوى الرابع - Youtube
(١) أسوة حسنة فقد استباحوا أموالهم ودماءهم في سبيل تثبيت الأمن والاستقرار
(٢) ولو كان في مقابل ما يزيد على المليون ريال
جزاكم الله خيراً. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.