امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى يعني: امتحنها؛ الامتحان يراد به الاختبار، امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى أي: لتقوى الله تعالى؛ فلما امتحنها ظهر أنها ممتلئة بالتقوى، ودل على ذلك غضهم أصواتهم عند رسول الله وعدهم الله في هذه الآيات بقوله: امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ وهذا خير كثير؛ يعني: إذا حصل لهم؛ حصلت لهم المغفرة، وحصل لهم الأجر الكبير. فإن في هذا خيرا كثيرا. المغفرة: ستر الذنوب، وإزالة أثرها، والأجر: الثواب؛ الثواب الذي يحصل عليه المؤمن مقابل عملٍ عمله؛ أي أجر؛ العامل يؤتى أجره؛ قال النبي في فضائل رمضان قال: ويغفر لهم في آخر ليلة. تفسير آيات مهمة شاقة. قيل: يا رسول الله؛ أهي ليلة القدر ؟. قال: لا، ولكن العامل إنما يؤتى أجره بعد قضاء عمله فإذا كان عمل عملا، وانتهى من عمله وفاه الله تعالى أجره دنيا أو أخرى. الأجر هاهنا وُصف بأنه أجر عظيم؛ مما يدل على أنه كثير، والأصل أنه في الآخرة أعلى أجر هو دخوله الجنة، ونجاته من النار. ومن الأجر أيضا أجر دنيوي: الصحة والتوسعة والغنى والأمن وما أشبه ذلك؛ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ولا شك أن المغفرة من نتيجتها استحقاق الأجر ؛ من غفر الله تعالى له ذنوبه؛ فإنه يحصل على الأجر، من غفر الله له حصل على أجر عظيم، ولكن مع ذلك الأجر قد يكون بزيادة الأعمال؛ لأنك قد تقول: المغفرة إنما تكون للذنوب؛ فهؤلاء ما هي ذنوبهم التي يغفرها الله لهم ؟ فالجواب؛ أن تقول: إن المغفرة هي رحمة من الله تعالى، وإن المغفرة هي غفره لتقصيرهم ونقصهم، فقد يكون بعضهم عليه نقص وخلل؛ فكانت المغفرة لذلك النقص.
تفسير آيات مهمة شاقة
يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ؛ إذا كانوا عنده فإنهم يغضون أصواتهم عنده، ولا يرفعونها؛ فيكونون بذلك قد شوشوا عليه، واستهانوا بكلامه، ولم يلتفتوا إليه. لا شك أن هذا كله غير صفة المؤمنين. إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ يعني: يخفضونها عند رسول الله؛ يعني: في حياته، وعند كلامه بعد موته؛ يكون لهم هذا الأجر. تفسير سورة مريم الآيات ( 1-9 ) حلول. وألحق بعض العلماء رفع الصوت عند قبره، وروي أن عمر سمع اثنين في المسجد النبوي وهما يتجادلان فدعاهما وقال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف قال: لو كنتم من هاهنا لأوجعتكما ضربا، ترفعان أصواتكما عند قبر النبي ، أو عند منبر النبي - -؛ فدل أيضا على أن الذين يرفعون أصواتهم عند المنبر أو عند القبر؛ أنهم يدخلون في هذا؛ في الذين يرفعون أصواتهم فوق صوت النبي. فالحاصل: أنك إذا سمعت الأحاديث النبوية تقرأ فإياك أن تعترض عليها؛ فتكون من الذين يقدمون بين يدي الله ورسوله، وإذا سمعت الذين يرفعون أصواتهم فوق حديث النبي ؛ فحذرهم من ذلك، وخوفهم أنها سوف تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون، وإذا رأيت الذين يغضون أصواتهم عنده فبشرهم بأنهم من أهل الخير؛ حيث إنهم احترموا كلام النبي.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه رسالة في ذكر بعض الفوائد المهمة للدعاة إلى الله تعالى، وهي مستخلصة من قول ربنا سبحانه مخاطبًا نبيه موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي * اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 41 - 46]. فمما يستفاد من الآيات السابقة ما يلي:
• بيان شرف أنبياء الله تعالى ورسله، وتبشير من ساروا على نهجهم، ودعوا إلى الله تعالى مقتفين أثرهم بأنهم مصطفون مختارون، وأن ربنا سبحانه وتعالى يحبهم لقوله سبحانه: ﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾، وقوله عز وجل: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [القصص: 68].
سورة الكوثر: الآيات من { ١: ٣}، وهي "مكية"
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ(3)}. معانى الكلمات:
* {إنا أعطيناك الكوثر}: يا محمد. (الكوثر) قيل: هو نهر فى الجنة أعطاه الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم. * {فصل لربك وانحر}: فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون سواه من الأنداد والالهة وكذلك نحرك "ذبح الأضحية" جعله له دون الأوثان. * {إن شانىءك}: إن مبغضك يامحمد وعدوك. تفسير «سورة الكوثر». * {هو الابتر}: الأقل الأذل المنقطع دابره الذى لا عقب له "لا نسل له". التفسير:
يقول الله تعالى لنبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ممتنا عليه:
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} أي: الخير الكثير، والفضل الغزير، الذي من جملته، ما يعطيه الله لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم القيامة، من النهر الذي يقال له {الكوثر} ومن الحوض طوله شهر، وعرضه شهر، ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته كنجوم السماء في كثرتها واستنارتها، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا. ولما ذكر منته عليه، أمره بشكرها فقال:
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر} خص هاتين العبادتين بالذكر، لأنهما من أفضل العبادات وأجل القربات.
تفسير سورة الكوثر سعود وسارة
وهكذا قال قتادة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، ونصره ابن جرير. وقال عكرمة: ( قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) قال: معناه: مثل الذي كان بالأمس ، وكذا قال الربيع بن أنس. وقال مجاهد: يقولون: ما أشبهه به. تفسير سورة الكوثر - منتدى الرقية الشرعية. قال ابن جرير: وقال آخرون: بل تأويل ذلك هذا الذي رزقنا من ثمار الجنة من قبل هذا ؛ لشدة مشابهة بعضه بعضا ، لقوله تعالى: ( وأتوا به متشابها) قال سنيد بن داود: حدثنا شيخ من أهل المصيصة ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال: يؤتى أحدهم بالصحفة من الشيء ، فيأكل منها ثم يؤتى بأخرى فيقول: هذا الذي أوتينا به من قبل. فتقول الملائكة: كل ، فاللون واحد ، والطعم مختلف. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا عامر بن يساف ، عن يحيى بن أبي كثير قال: عشب الجنة الزعفران ، وكثبانها المسك ، ويطوف عليهم الولدان بالفواكه فيأكلونها ثم يؤتون بمثلها ، فيقول لهم أهل الجنة: هذا الذي أتيتمونا آنفا به ، فيقول لهم الولدان: كلوا ، فإن اللون واحد ، والطعم مختلف. وهو قول الله تعالى: ( وأتوا به متشابها) وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية: ( وأتوا به متشابها) قال: يشبه بعضه بعضا ، ويختلف في الطعم.
ولأن الصلاة تتضمن الخضوع [في] القلب والجوارح لله، وتنقلها في أنواع العبودية، وفي النحر تقرب إلى الله بأفضل ما عند العبد من النحائر، وإخراج للمال الذي جبلت النفوس على محبته والشح به. {إِنَّ شَانِئَكَ} أي: مبغضك وذامك ومنتقصك
{هُوَ الْأَبْتَرُ} أي: المقطوع من كل خير، مقطوع العمل، مقطوع الذكر. فقد عيروه بعدم بقاء نسل له من الذكور
وأما محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو الكامل حقًا، الذي له الكمال الممكن في حق المخلوق، من رفع الذكر، وكثرة الأنصار، والأتباع ـ صلى الله عليه وسلم.